24 - 04 - 2024

بعد 114 عاماً من تأسيسه على يد "البارون أمبان".. تفاصيل اغتيال جمال "مصر الجديدة"

بعد 114 عاماً من تأسيسه على يد

- سكان الحي الراقي يستغيثون دون استجابة ويروون لـ" المشهد" معاناة الوصول إلى المنازل وحوادث عبور الطرق
- عبد الخالق فاروق: " عقلية المقاول" وليس عقلية المخطط العمرانى تتحكم في إدارة المحليات
- حمدي عرفه: مايحدث في الحي العريق " إبادة" لتحضر الحي وعدم فهم للتطوير

يخشى سكان حى مصر الجديدة، أحد أرقى أحياء القاهرة، الذي ظل على مدار أكثر من قرن منطقة جذب سكني لصفوة المجتمع، أن يتحول إلى منطقة طرد جديدة، كبقية الأحياء الراقية التي طالتها عمليات تغيير بدعوى التطوير، لأول مرة منذ أسسه البارون البلجيكي أمبان قبل 116 عاماً وبنى به قصره الشهير.

تبدل الحال في الحي الراقي الجميل، بدعوى توسيع شوارعه.. فطالت المعاول الأشجار العتيقة، وتحولت الشوارع الرئيسية المعروفة بخضرتها ونضرتها إلى صورة مغايرة تماما، عما اعتاد عليه سكان مصر الجديدة على مدار عقود، إذ تشهد الشوارع يوميا العديد من الحوادث التي يروح ضحيتها العشرات بسبب التحويلات المرورية.

"المشهد" تجولت في شوارع مصر الجديدة للوقوف على ما يجري هناك، وأجرت لقاءات مع عدد من سكان الحي.

المنازل تختفي مع التوسعات

تقول سوزان سليمان أحد سكان مصر الجديدة، إنها ضد ما يسمى بالتطوير الذي جعلها لا تعرف موقع شقتها التي تسكن بها، بعدما تغيرت ملامح الشوارع تماماً، إذ أنه في كل يوم يولد طريق وشارع جديدين، فضلاً عن مذبحة الأشجار ومناظر الخضرة الخلابة التى كان يتميز بها الحى.

وتضيف:" من يريد أن يشاهد الخراب الذى حدث فى مصر الجديدة، ينظر الى "ميدان سانتا فاتيما" الذى أصبح عبارة عن شارع بالعرض فهل يعقل ذلك؟.. مصر الجديدة أصبحت " مصر المنكوبة" بسبب مسؤولين لا يعلمون عن التطوير شيئا.

وتقول أسماء، وهي واحدة من سكان المنطقة: "أصبحنا لا نعلم شيئاً.. لا توجد إجابات عما يحدث فى مصر الجديدة.. نقول للضيوف الذين يأتون الينا شغلوا الـ" جى بي أس" حتى تستطيعوا الوصول بسبب دخول الشوارع فى بعضها وعدم تمييز المنازل من بعضها البعض" .

ويضيف أحمد محمد :" الوضع أصبح صعبا.. هناك تغير فى الطرق أيضاً وليس الكباري فقط.. كل شيء أصبح يثير الحزن في الحى العريق.. في الوقت الراهن أفكر جدياً فى بيع شقتى، لأن هذه لم تعد مصر الجديدة التى كنا نفتخر بها.. مايحدث ليس تطويراً بل خراب ".

على نفس المنوال، يقول محسن محمد، إن مصر الجديدة اختفت نهائياً، وأصبحت منطقة أخرى لا نعلم عنها شيئاً...  سائقو الميكروباصات يحجزون أماكنهم تحت الكباري، فضلاً عن المشاجرات والحوادث التى تحدث بصفة يومية بسبب عدم وجود مطبات صناعية وأصبحت كل الطرق مفتوحة على بعضها البعض".

سيد أبو زيد، الذى تربي فى حى مصر الجديدة، وعاش طول عمره هو وأبناؤه وأحفاده في الحى الهادي العريق، يقول :"خلاص راحت كل ذكرياتنا الجميلة.. كل يوم يموت أشخاص أبرياء بسبب الحوادث المتكررة، وبسبب مايسمى بالتطوير".

وتطالب إيمان زكي مبارك إحدى ساكنات الحي، بنزول رجال المرور إلى الشوارع لوضع حل للحوادث المتكررة وتضيف:"  الحل السريع الأن نزول 10 أمناء شرطة ومثلهم من العساكر فوراً لتنظيم المرور وعمل مطبات صناعية من نهاية الكوبري وكل 20 متر في منطقة المدارس، دي حلول مش هتاخد 24 ساعة.. مش لازم مصر كلها تموت علشان الباشا مدير المرور يتحرك".

وحسب رشوان عادل، فإن  أكثر الحوادث التي تقع في مصر الجديدة، تلك التي تقع أمام مدرسة النصر الواقعة في شارع تقاطع أبوبكر الصديق مع شارع هارون، وهو المكان المزدحم بالمارة وطلبة المدارس، لذلك يجب أن يكون هناك مطب صناعي علي الأقل في هذه المنطقة.

ويضيف أحمد عادل: " أنا من سكان السبع عمارات..لا أستطيع عبور شارع النزهة، والكارثه الكبيرة أن شارع الثوره أصبح إتجاها واحدا مع ضياع جمال شارعي الحرية، وعمر بن الخطاب.. أعتقد انه جرى رسم تخطيط سريع للمنطقة بدليل وقوع أخطاء كثيرة، منها مثلاً في شارع نادى الجلاء من تحت الكوبرى جرى عمل دوران صغير، على الرغم من وجود مساحه كبيرة قبل الدوران ، لذلك أتمنى عوده الطرق للسابق، والغاء هذا التخطيط، حيث كان ممكناً توسيع مكان مترو الأنفاق  فقط لحل الأزمة".

لف ودوران

تتساءل أمل إدوارد لمصلحة من إلغاء الميادين مثل  ميدان الكلية الحربية،  وميدان "تريومف" ، وميدان "سانت فاتيما" ؟ وتضيف :" أصبحنا نلف بطريقه مضحكة حول أنفسنا بخلاف الحوادث، والأصعب من ذلك أنه بعد التوسعة جرى منع السكان من صف السيارات عموديا علي الرصيف، وهو ما يعني أن العمارة التي كان بالامكان صف سبع سيارات أمامها، أصبح المكان يكفي ثلاث سيارات فقط، الأمر الذي يخلق أزمة كبيرة، لذلك مطلوب إنشاء جراچات متعددة الطوابق في كل منطقة، أو عودة الأمور إلى سابق عهدها خصوصاً وأن الشوارع شهدت توسيعات كبيرة".

وحسب حسام الديب، فإن سكان منطقه تريومف، باتوا معزولين تماماً، ويصعب عليهم العودة الى منازلهم من صلاح سالم، إذ يتعين الإتجاه يميناً الي ميدان الساعة بمدينة نصر، والعودة فوق الكباري للوصول الى الميدان ثم الاتجاه في شارع عثمان بن عفان الي الـ" يوترن"  قبل الكلية الحربية للعودة للميدان، والدخول إلى دخلة المطيعي، وهويستغرق نصف ساعه لمجرد أن أحدهم أخذ قرارا بإلغاء فكرة الميادين".

وتسكن نونه بشري، أمام كوبري المحكمة، غير أنها تجد صعوبة فى عبور الطريق، كما تقول، وتضيف:" السكان يجدون نفس الصعوبة ، وهو ما يتسبب في وقوع الحوادث، وأخرها وفاة طالب ثانوي عام، وهو يعبر إلى مدرسة "أنجلش سكول"، علاوة على صعوبة الوصول إلى منطقة التجنيد، إذ يتعين قبلها الوصول إلى كوبري سفير، ثم العودة والوصول إلى فتحة الميريلاند، والعودة إلى هليوبوليس ثم اللف والعودة".

وعكس الآراء السابقة، يقول سامح هاشم أحد سكان المنطقة، أن التوسعة والمجهود المبذول، في غايه الإتقان ولا يوجد أية معوقات في الحركة المرورية، لكن المشكلة الأساسية، هى المشاة لأنها منطقه سكنية، ومن غير المعقول كلما أردنا حل أزمة نقع في كارثة، وهي إزهاق أرواح الأبرياء، لذلك لابد من وجود حل عاجل واقتراحي عمل مطبات صناعية مطابقة للمواصفات في أماكن عبور المشاة، فضلاً عن وضع رادار لتحديد السرعة، أو إنشاء كباري أو أنفاق للمشاة.

عقلية المقاول

ويصف الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير الإقتصادى، ما يجري في حي مصر الجديدة، بأنه عملية تطوير تدار بعقلية المقاول وليس بعقلية المخطط العمرانى، وهو ما يحدث ليس في حي مصر الجديدة فقط، بل في طول مصر وعرضها.

ويضيف:" "هم لا يقيمون وزناً لموضوع الجماليات والخضرة ، ومايتم يعتبر نوعا من الهدم أكثر منه تطويراً للأحياء التى تدار بهذا الشكل".

ويتفق الدكتور حمدي عرفة أستاذ الإداره المحلية مع عبدالخالق فاروق في أن مايحدث يعتبر إبادة لتحضر مصر الجديدة، ويضيف أن إنشاء الأنفاق ومناطق وكباري عبور المشاة، مسئولية وزاره النقل والإدارة المحلية، ولا يوجد في قانون المحليات رقم 43 لعام 79 ما يحمل الجمعيات الخيرية مسؤولية إنشاء كباري للمشاة، ذلك أن المحليات  ضربت بعرض الحائط قوانين الإدارة المحلية والبيئة، والزراعة، والبناء الموحد، والتنسيق الحضاري، والتخطيط العمراني.

ويتابع عرفة، أن قانون البيئة المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009 يعاقب قاطع الأشجار بالحبس، والغرامة التي تصل الي 50 الف جنيه، وبات قتل التخطيط العمراني وإبادة المساحات الخضراء والمعالم الحضارية لمصر الجديدة أهم الإنجازات، على الرغم من أن المعالم التاريخية والتصميمات العمرانية، والأشجار في شوارع مصر الجديدة، توازي التاريخ الفعلي لـ 3 دول عربية، والأشجار المقطوعة تعود الي اكثر من 110 أعوام، بما يوازي عمر تأسيس الإعلان عن وجود 8 دول عربيه و12 دولة افريقية.

ويؤكد أن مايحدث في الحي العريق، يعكس عدم فهم المحليات للتطوير، كما أن المبرر فيما يجري هو حل مشكة الزحام وتنظيم المرور، لا يجب أن يقود إلى أزمات أخرى.

ومن جانبه يحذر أحمد صابر أمين عام حركة "صوتك حر"، المسئولين بمحافظة القاهرة، من توسعة الحارات بطرق مصر الجديدة والنزهة، دون وجود كوبري للمشاة أومطبات معدنية، للحد من حوادث الطرق وسقوط ضحايا فى الطريق.

ويطالب صابر محافظ القاهرة، بإتخاذ قرار بعمل مطبات مؤقتة حتى لو معدنية بطريق النزهة، كما يطالب الجهات المعنية والقائمة على المشروع بإعادة النظر في الطريق من جديد، بعدما أصاب أهالي منطقة ألماظة ضرر كبير، ويتعين على الجهات المسؤولة حماية المارة من الحوادث.

نور فرحات: 4 أوجه لتفسير "مجزرة مصر الجديدة" منها الهجرة للعاصمة الإدارية

يعلق الفقيه الدستوري الدكتور نور فرحات على ما يشهده الحي العريق بقوله:" فلنصدق مؤقتاً ما يتردد علي لسان بعض المسؤولين من أن ما يسمي بتطوير حي مصر الجديدة، الهدف منه فتح شرايين الطرق السريعة التي تربط العاصمة الجديدة بأحياء القاهرة، ومخارجها إلي باقي المحافظات، وفي الحقيقة أنني كنت أميل لتبني هذا التفسير رغم ما به من غلظة وقسوة وتعد علي حق البشر في الحياة الكريمة، إلي أن بدأت في تقليب الأمر علي أكثر من وجه.

 الوجه الأول، أن فكرة العاصمة الجديدة لم تكن أبداً جديدة علي تخطيط الإدارة المصرية، وسبق أن أنشئت مدينة السادات لهذا الغرض ومع ذلك لم يفكر أحد في إغتيال الطابع المعماري الحضاري للأحياء القديمة وتحويل شوارعها (شوارع الجيزة مثلاً) إلي طرق حرة سريعة علي حساب راحة وأمن السكان.

الوجه الثاني، أن هناك دول سبقتنا إلي إنشاء عواصم جديدة ومع ذلك لم تبقر أحشاء الأحياء التراثية للمدن القديمة، لتوفير طرق سريعة للعاصمة الجديدة، فإنشاء برازيليا في البرازيل مثلاً، لم يتبعه توسعة أحياء وشوارع ريودي جانيرو، وتحويل سكانها إلي سجناء علي جوانب الطرقات الحرة التي تقطعها السيارات المارة

بل بقيت ريو دي جانيرو، علي حالها محافظة علي جمال شوارعها التي أصبحت حقا مكتسباً لسكانها وللبشرية.

والوجه الثالث: يثور سؤال، هل توجد لدى مهندسي الطرق أفكار جديدة لفتح منافذ للعاصمة الجديدة، بعيداً عن مناطق تمركز التجمعات السكنية، ودون تشويه أحد أجمل أحياء القاهرة وهي مصر الجديدة؟.. أظن أنه وفقا لما أثير من مناقشات، كانت هناك بدائل كثيرة تحافظ علي الطابع المعماري لمصر الجديدة وعلي حقوق سكانها، وعرضها المشاركون في الندوات، ولكن يثور الشك أنه تم اللجوء إلي تشويه الحي الجميل العريق عمداً لصالح إستثمارات المقاولات لأهداف أخري لم يعلن عنها.

الوجه الرابع، هل من هذه الأهداف حمل سكان مصر الجديدة، ومن بعدهم مدينة نصر، علي التخلي عن أسلوب إعتادوا عليه في العيش في حي جميل لا تحيطه أسوار المعازل وأسوار الكومباوند، ويختلطون بكل الشرائح في تناغم إجتماعي، ودفعهم إلي الهرولة إلي العاصمة الإدارية، بحثاً عن سكن مريح لا تشق مساكنه الطرق السريعة ؟ وهل يعزز هذا الإفتراض (الذي قد يكون غير صحيح) حالة الركود التي يعانيها الإستثمار العقاري ويشمل حركة البيع في العاصمة الجديدة ؟

وفى النهاية يقول فرحات، نريد لمسئول يؤمن بالعقل ويحترمه أن يحاورنا بعيداً عن منطق أن الدولة (ليست بابا أو ماما) رغم كونها ( بابا وماما وعمو وجدو) لأصحاب السيارات الفارهة الذين يتنقلون بين التجمعات ذات الأسوار العالية بسيارات تمرق كالسهم.

ويضيف:" الحل الوحيد أمام أهل مصر الجديدة، هو الهجرة إلي العاصمة الإدارية، وهذا هو المطلوب ، فليس من عاقل يسكن علي قارعة الطريق السريع.
---------------------
تحقيق: بسمة رمضان
من المشهد الأسبوعي
مواد متعلقة

اهدموا محلات الكباري قبل ان تهدمنا

مصر الجديدة تصرخ: "أحشائي مفتوحة!"

اغتصاب مصر الجديدة!!






اعلان