19 - 04 - 2024

مدينتي الفاضلة| اغتصاب مصر الجديدة!!

مدينتي الفاضلة| اغتصاب مصر الجديدة!!

مصر الجديدة بالكباري، كالعملة لها وجهان، وجه حال السكان، ووجه دفاع الحكومة، وبينهما مجلس نواب، يظهر مع كل طرف حسب الريح!! لكن المؤكد أن الكباري هي وليدة عصر طغيان الإنتهازية على الإنسانية!!

سلسلة الكباري دهست أرواحنا!! أصبح حي مصر الجديدة طريقا دائريا، مزقت الكباري جسده، كاسحة رداؤه الأخضر، نازعة قضبان عصبه وملاذه الآمن " المترو"، جارحه دفء دروبه ومنحنياته.. كل شيء في حيِّنا الساكن أصبح عاريا، سماؤه أسمنت مداه أسفلت!! اتساع الشارع يُربك العقل متربصا بحياتنا.. هبطت قامة حيِّنا، وقيمته التراثية والجمالية والمادية، واختل توازنه البيئي لحظة أن جثمت الكباري فوق رئتيه!! 

باختصار تم اغتصاب الحي وحرث حدائقه وتعرية أحشائه، ويرفض سكانه استلام الجثة.. فبادر نادي هليوبوليس باستضافة صاحب فكرة الكباري بعد ظهور أول آثار توسعة الشوارع الرئيسية بالعبيط، وسقوط عشرات ضحايا عبور طريق، وتصادم سيارات واختناق!! الحزن في اللقاء فاق الغضب، وأحجم اغلب الأعضاء عن الحضور يأسا، لكن التزم كبار خبراء هندسة الإنشاءات والبيئة، لتسجيل شهادتهم.. وحضر "الجاني" شوقي عقيل أستاذ الطرق والكباري بجامعة عين شمس، تسانده وزيرة البيئة!! تحدث الأعضاء عن خطأ التسرع بتشييد كباري شوهت التخطيط السكني للحي حضاريا وإنسانيا وأمنيا، وتعرض السكان لحوادث موت، دون اعتبار لطبيعة سكان الحي أو الفئة العمرية الغالبة بينهم او خريطة مواقع الخدمات المعتادين عليها!! والنتيجة إهدار أموال طائلة وحصد أرواح المارة!!

قبل اللقاء، انتشر فيديو لقاء تليفزيوني مع المهندس عقيل في 2016، أعلن فيه أن الكباري وتوسعة الطرق لن تحل أزمة المرور!! وها هو ينفذ ما نصح برفضه!! بل ويدافع عنه نيابة عن الدولة، قائلا أن الكباري حققت السيولة واختصرت المسافات، وربطت الأطراف بالمناطق العمرانية الجديدة، وتمت في زمن قياسي.. سألوه حلا لاستحالة عبور المشاه وتزايد الحوادث نتيجة توسعة شوارع إلى 6 و8 حارات، صاح كالمناضلين "الدولة مش ماما وبابا، هي أقامت الكباري لكن كباري المشاة مسئولية المجتمع المدني!! اطلبوها من رجال الأعمال، أو من جمعية تنمية خدمات مصر الجديدة لأنها غنية!!" وختم بتجاهل الرد على إغفال خريطة الحياة اليومية للسكان، ومراعاة قدرات وأمن كبار السن!!

قالوا: -"تائهين بعد تغيير الاتجاهات"، رد " معي خريطة للمسارات الجديدة، خذوها صوروها!!" وكأنها وثيقة سرية!! وكأن حي مصر الجديدة خارج الخدمة، أو اختفى تاركا اليافطة!! 

أما السيدة وزيرة البيئة، د. ياسمين فؤاد، فأضافت لتعضيده: -"شمروا أيديكم وانزلوا اشتغلوا معنا"!! ثم عبرت بالحوار إلى إنجازات وزارتها!! بادئة بمشكلة القمامة قائلة: -"ألمانيا استغرقت 20 سنة لرصد منظومة مخلفاتها وفشلت، احنا عملناها في سنتين!!" ثم هاجمت سلبية المواطنين، لأنها أنشأت موقعا للإبلاغ عن مواقع القمامة ولم تتلق بلاغات!! وبناء عليه قررت عودة الاستعانة بزبالين الحمير رسميا، لكن بعد تدريبهم!! برافو!! كما وعدت سيادتها بتشجير الكباري عوضا عن تصحير الحي، وهي سابقة تفكير فريدة تضاف لتاريخ التطوير العمراني!! وأسألها، أليست إعلانات الكباري هي مصدر التمويل والتعويض المنتظر!! وعن ضآلة الأشجار المزروعة، وكأنها أغصان جثث الأشجار، قالت " اوكى، نشيلها ونجيب أشجار أكبر من وزارة الزراعة"!! وأسألها أين أشجار مصر الجديدة التي وعدتم بإعادة زراعتها!!

الوزيرة الفصيحة نورتينا!! 

وأسأل المحافظ ووزير التنمية عن جريمة إغفال إعلان 2.5 مليون ساكن بمصر الجديدة بتفاصيل الهجوم التتري على الحي، على الأقل للحذر!! السكان استيقظوا على نواح بلدوزرات وحرب كاسحات غيًرت معالم حيًهم ومسالكه، ومواقع سكنهم، وعرضت حياتهم لخطر عبور شارعهم!! في ستة أشهر فقط تحول حي مصر الجديدة إلى طريق دائري للسيارات، ينادي سائق الميكروباص والتوك توك "مصر الترانزيت"!! تتقاذف سكانه مراجيح كباري هتكت عرض أجمل أحياء مصر بعد المعادي والزمالك!! سفلتوا حدائق الشوارع، وذبحوا أشجارا عاشت تحمى الخصوصية وتخفي آثار الزمن، وقبح ناطحات عشوائية حزمتها!!

الحفر يفجر مواسير المياه، فتتدفق في الشوارع وتنقطع عن البيوت، نستغيث بالنجدة لإنقاذنا من قطع المياه، فتسرع شركة المياه ببيان رسمي بأن سيارات الشركة جاهزة لتوصيل المياه للمواطنين حال اتصالهم برقم 125، لا نصدق البيان لكن نتصل، يمكن!! يصفعنا رفع الخط من الخدمة طوال الانقطاع!! لأنه بيان إبراء ذمة لو حدثت المعجزة وفكر أحد أن يحاسبهم!!!  

أحفادنا لن يتذكروا من مصر الجديدة إلا الكوربة وكنيستي البازيليك وسانت فاتيما وقصر البارون امبان بعد ترميمه بوجه بلياتشو!! 

لن يصدقوا حكاياتنا عن واحة، دروبها كانت قطع أرابيسك متشابكة بالتعشيق، وليس بالخوابير والكباري!! اختنقت مصر الجديدة لأن القانون أغمض عيونه عن ناطحات عشوائية، تمثل شهود فساد تصالحت معه الدولة بقوانين للتربح من توصيل المرافق للمخالفين، وضرائب عن المخالفات!! وانتهى المشهد باغتصاب علني لمصر الجديدة وتخفيض قيمتها وقامتها، ونشر كباري التلصص وإلقاء العادم على بيوتها!!

الجرائم تتراكم، أولها التسرع بحل باهظ التكاليف قبل اختبار السيولة بعد تشغيل مترو الأنفاق!! وبعدها نزع المترو صديق البيئة وتلاميذ المدارس، ثم جريمة أهدار أموال تجديد كل الميادين منذ 4 سنوات!!

واليوم، نخرج من بيوتنا فتنطفيء بوصلة إدراكنا، نقف أقزاما بين كباري حجبت عنا الشمس، مذعورين تائهين عن طريقنا المعتاد ذهابا وعودة!! محاطين بعشوائية تنفيذ فكر كاريزمى استعراضي في غير محله!!

تغيًر المزاج الحسن للهواء وللناس، ليأسهم من جدوى الغضب، وخوفهم من تهمة الاعتراض!!  

سحابات رماد أشلاء مصر الجديدة تجثم على الروح وتذهل العقل!! كل الشوارع الرئيسية، مزروعة بالأسمنت!! جذوع نخيلها جثث متراكمة على ذبائح أشجار فزعت طيورها بلا رجعة! علت الكباري، واتسعت الشوارع وغربت روح الحي، وتغيرت مسارات الاختناقات، وعدنا محلك سر.. ولا بديل عن نوبة صحيان للشرطة. 

الجاهل قبل المتعلم يعلم أن الحل الوحيد لكل مشاكل مصر، مع الاحتفاظ بإرثها وإنجازاتها وحماية أخلاقها.. هو تفعيل القانون، وعودة عسكري الأمن الذي لا يتربح من كل راكن صف ثان، وكل بيًاع سريح، وكل فرشة طريق، وكل قهوة تحتل الرصيف، وكل محل عصير، وكل مقاول "مسلك أموره وطايح أبراج مخالفة".. رجل أمن يفرض هيبة القانون فنصبح ونبات آمنين.. وتخريج دفعات خاصة بضبط الشارع لها نفس حوافز ورعاية الرُتب التي يحقق وجودها في التشريفات سحر السيولة، ولا عزاء لردم الخميلة. 
-------------------
بقلم: منى ثابت

مصر الجديدة تصرخ: "أحشائي مفتوحة!"

مقالات اخرى للكاتب

 مدينتي الفاضلة | محاكمة القرن.. دين شنوده إيه؟!





اعلان