لم تفوت إسرائيل الفرصة التي لن تتكرر في أي وقت قريب، بسعيها إلى استغلال الهجوم الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فجر السبت السابع من أكتوبر على بلدات ومستوطنات في منطقة غلاف غزة، لتطوير هجوم مضاد واسع النطاق كجزء من استراتيجيتها لتصفية القضية الفلسطينية وتجديد الصهيونية، تمهيدا للدخول في مرحلة جديدة لقيادة المنطقة عبر اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع دول الخليج العربية، دون حل للمشكلة الفلسطينية تحت شعار "السلام مقابل السلام". تتضافر في هذه الاستراتيجية عناصر القوة المختلفة، من عسكرية ودبلوماسية واقتصادية، وتقوم على تحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف مباشرة في المدى القصير والمتوسط، لتتخذ منها نقاط انطلاق جديدة لتحقيق الأهداف الأبعد مدى. في المقابل يتمسك الفلسطينيون والدول العربية الداعمة لهم بالأهداف البعيدة فتضيع منهم مكاسب كانت في أيديهم وفرص سنحت، رغم إدراكنا جميعا للمثل الصيني القائل "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة"، فالمهم أن تكون الخطوة في الاتجاه الصحيح. هذا استهلال ضروري للمقال الذي يحاول الوقوف على أبعاد ومقومات الخطة الإسرائيلية في هذه الجولة من جولات الحرب، مع بدء التوغل البري في آخر أيام شهر أكتوبر، الذي مهد له قصف متواصل بالطيران والمدفعية على مدى ثلاثة أسابيع.
من الواضح أن الحكومة الحالية في إسرائيل مصممة على الحسم العسكري مع حماس ومع فصائل المقاومة الفلسطينية، بتوجيه ضربات عسكرية مركزة لا تستهدف فقط البنية العسكرية التحتية للمقاومة وإنما تستهدف البنية التحتية للمجتمع الغزاوي كله، باعتبارها البنية الداعمة والحاضنة للمقاومة الفلسطينية سواء تشكلت هذه المقاومة في حركة حماس أو أي فصائل أخرى قائمة أو قيد التشكل أو ستتشكل وفق معطيات جديدة في المستقبل.
أدركت حكومة إسرائيل التي مارست ضغوطاً كبيرة، مستمر ولن تتوقف، لتهجير سكان غزة أن تحقيق هذا الهدف مستحيل في الوقت الراهن ومستحيل عبر الوسائل العسكرية لما ينطوي عليه ذلك من احتمالات كبيرة لتوسيع نطاق الحرب بدخول أطراف أخرى لدائرة الصراع المباشر، والتخلي عن الأدوات والوسائل الدبلوماسية. تدرك حكومة إسرائيل أيضا أن من المستحيل إحراز تقدم في الهدف المباشر المتعلق بتفكيك البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية بدون تدخل بري يحقق هذا الهدف، وستمضي في هذا المسار على ما يبدو، رغم التحذيرات الأمريكية والأوروبية رغم الدعم والتشجيع الكبير الذي تتلقاه من هذه الدول التي أعلنت دعهما المطلق وغير المحدود، ولن يثنيها عن مباشرة هذا الهدف ضغوط أسر أكثر من مائتي أسير تحتجزهم حماس في غزة، ولا تحذيرات محللين وخبراء عسكريين إسرائيليين وأجانب من أن الحرب البرية في غزة ستكبدها خسائر كبيرة نظراً لجاهزية المقاومة الفلسطينية واستعداد مقاتليها لهذه المعركة بما يمتلكون من أسلحة معلومة وأخرى غير معلومة وما توفره لهم طبوغرافية الأرض وتطويعها. وستتوقف إسرائيل عن المضي في هذا الطريق إذا تأكد لها استحالة تنفيذ المهمة بالوسائل العسكرية.
امتداد للسياسة
تعد "الحرب امتدادا للسياسة بوسائل أخرى"، حسب التعريف الذي وضعه المفكر الاستراتيجي البروسي كارل فون كلاوزفيتز، في كتابه "عن الحرب" الذي صدر في أوائل القرن التاسع عشر، وكان له تأثير كبير في تطور فن الحرب والعلوم العسكرية والدراسات الاستراتيجية. ويؤكد هذا التعريف الصلة الوثيقة بين الحرب والسياسة، إذ يجعل القوة المسلحة أحد الأدوات المستخدمة لتحقيق أهداف سياسية، وإجبار الخصم على تنفيذ الأهداف التي تتطلع إلى تحقيقها، فالحرب ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق أهداف محددة، غير أن التطورات اللاحقة الناجمة عن ظهور صراعات معقدة في بيئات داخلية وإقليمية ودولية تزداد تعقيداً طورت من أشكال الحرب وأنواعها ومفاهيمها، فالمتابع لدراسات كلية الحرب الأمريكية، يلاحظ تطوير أشكال جديدة من الحروب استناداُ إلى التجارب المستفادة من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في ساحات متعددة وأيضا إلى الخبرات المستمدة من حروب أخرى في ساحات متعددة، وتبرز من هذه الأنواع ما يعرف بالحرب الطويلة، أو حرب "التصفية"، وهناك الحرب الشاملة والحرب المحدودة.
وهناك نمط من الحروب يعرف باسم حرب "الاستنزاف" وقد طورته العسكرية المصرية في أعقاب حرب يونيو 1967 واستمرت هذه الحرب ثلاث سنوات، على الجبهة المصرية (من 1967-1970)، وهذه الحرب هي النمط السائد في المواجهات العسكرية على الجبهتين السورية واللبنانية وإلى حد ما في المواجهات المسلحة الإسرائيلية-الفلسطينية. غير أن المواجهة المسلحة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، طور مفهوما جديداً للحرب هو "حروب التصفية". والمتابع للحرب التي تشنها إسرائيل الآن رداً على عملية "طوفان الأقصى"، سيلاحظ أن هذه الحرب تندرج في إطار حرب "التصفية"، وهو ما أشار إليه محللون عسكريون وأمنيون إسرائيليون، لكن السؤال هنا هو تصفية من؟ والإجابة على هذا السؤال لا يمكن أن تأتي إلا في سياق تصور سياسي أكبر لأهداف إسرائيل من عدوانها الوحشي على غزة وتدمير البنية التحتية على النحو الذي يشير إلى أن إسرائيل تجمع في حربها تلك بين حرب التصفية والحرب الشاملة.
فعلى الرغم من عنصر المباغتة في الهجوم الذي شنته حماس المقاومة الفلسطينية، إلا أن إسرائيل تمكنت سريعا من استعادة زمام المبادرة وطورت هجوما مضاداً واسع النطاق، سعت من خلاله إلى تحقيق أهداف سياسية، يجري تطويرها وتطويعها حسب ما تسمح به موازين القوى والضغوط المضادة الداخلية والخارجية. في البداية، سارع مجلس الوزراء الأمني الاسرائيلي إلى اعلان "حالة الحرب"، مطلقا على حملته العسكرية اسم "السيوف الحديدية"، وهو اسم لا يحمل أي دلالة عسكرية، بحسب محللين يعتقدون أن إسرائيل أطلقت هذا الاسم على عجل تحت ضغط عنصر المباغتة، وأنها استعجلت الرد نظراً للإهانة التي تعرض لها الجيش وأجهزة المخابرات الإسرائيلية في الهجوم الذي نفذه أكثر من الف مقاتل من حماس ومن فصائل مقاومة أخرى، توغلوا بشكل مباغت مع ساعات الفجر الأولى باتجاه اكثر من 20 موقعاً اسرائيلياً، مهد له قصف صاروخي شمل إطلاق آلاف الصواريخ، وطائرات مسيرة، ومحاولات تسلل عبر البحر، وفتحوا ثغرات عديدة تمكنوا من خلالها من عبور السياج الحدودي وقتل وأسر مئات الجنود والمستوطنين الاسرائيليين، واقتياد العشرات منهم كأسرى الى داخل القطاع. وقد وظفت إسرائيل عنصر المباغتة هذا وقامت بتضخيم ما فعلته لكسب دعم العالم وتفهمه للرد الذي يتم خلاله ارتكاب انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني ولبروتوكولات جنيف الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات، والاعتراف بأنها تعتمد أسلوب "القوة الساحقة" وأنها تش حرب "إبادة"، تستهدف من خلالها المدنيين في غزة بزعم أنها تسعى لتدمير قوة حماس وفصائل المقاومة، واعترافها بتغيير قواعد الحرب، حسب إعلان وزير الدفاع، يوآف جالانت، الذي أوضح أن الرد الإسرائيلي "سيظل حاضرا في الأذهان طوال الخمسين سنة المقبلة" في إشارة إلى "الثمن الذي سيدفعه قطاع غزة سيكون باهظًا للغاية، وسيغير هذا الرد الواقع لأجيال".
أهداف بعيدة وأخرى قريبة
يمكن القول بأن إسرائيل تتبع استراتيجية شاملة هدفها البعيد هو تصفية القضية الفلسطينية عبر خطوات ممنهجة تجيد بسبب ومن خلالها استغلال التغيرات الحادثة على المستوى الإقليمي والدولي، وبدلا من التفكير في أسباب تمكن إسرائيل من التوظيف الجيد للمتغيرات لتحقيق الهدف الاستراتيجي من خلال تحركات تكتيكية، لجأنا إلى نظريات المؤامرة والتفسير التآمري للأحداث، ولعل أخطر ما في هذه النظريات وذلك التفسير هو أننا نعفي أنفسنا من الاعتراف بمسؤوليتنا عما يحدث.
يمكن القول إن الهدف الاستراتيجي أو الهدف بعيد المدى الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه هو تصفيه القضية الفلسطينية، وفرض تصورها للحل القائم على مشروع دولة واحدة على كامل أرض فلسطين بحدودها المعروفة في عهد الانتداب البريطاني تكون عاصمتها القدس التي تحظى بمكانة خاصة للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام. ولتحقيق هذا الهدف تسعى إسرائيل إلى "ترحيل" الفلسطينيين من أرض فلسطين بطريقة هادئة وطويلة الأمد، أو قسراً بالقوة المسلحة من خلال ممارسة أساليب لترهيب المدنيين وترويعهم ورسم مسارات محددة تسهل عمليات ترحيلهم ونقلهم بشكل جماعي إلى أماكن أخرى على النحو الذي رأيناه في بداية هجومها المضاد على غزة، من خلال دفع سكان غزة إلى التمركز في جنوب القطاع وحثهم على الفرار من المعارك إلى سيناء المصرية.
غير أن إعلان مصر رفضها الواضح لمشروع "الدولة الجديدة" الذي طوره جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره، دفع إسرائيل تغيير أساليبها في الحرب والتركيز على تدمير البنية الأساسية للمقاومة من خلال استهداف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في القطاع والتي تعد المصدر الرئيسي للمقاومة الفلسطينية بغض النظر عن الراية المرفوعة للفصائل واستهداف الأطفال والنساء من خلال توجيه ضربات صاروخية للملاجئ والمستشفيات ومقار الأمم المتحدة وفي مقدمتها المدارس.
وتعلم إسرائيل أن مقاتلي حماس والرهائن المحتجزين لديها يختبئون في ملاجئ تحت الأرض تربط بينها شبكة من الأنفاق، وتعلم أن الوصول إليهم مستحيل بدون التوغل البري في القطاع والعثور على مداخل ومخارج تلك الأنفاق، وتعلم أيضاً أن تكلفة مثل هذا التوغل البشرية والمادية قد تكون، لكنها تملك عدة خيارات في هذا الصدد منها وقف التوغل عند حد معين إذا تعذر الوصول إلى مراكز القيادة العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي إذا تعذر التقدم أو وصلت التكلفة حداً معيناً، ووقف إطلاق النار عبر قرار دولي تطرحه الولايات المتحدة وبدء وساطات إقليمية من أجل ترتيب هدنة أو سلسلة من الهدنات إلى حين التوصل إلى ترتيب دائم، مع الاستعداد للرد على أي تصعيد للعمليات المسلحة من قبل الفصائل الفلسطينية، ثم الشروع في مباحثات لتبادل الأسرى مع حماس والجهاد عبر وسطاء، واستمرار تجميد العملية السياسية وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. ولكن عندما نصل إلى هذه اللحظة تكون إسرائيل قد فرضت واقعاً جغرافيا وسكانيا جديدا على قطاع غزة، من خلال فرض حزام أمني يعرف إعلامياً باسم "الحزام الناري"، بامتداد ما بين سبعة وعشرة كيلومترات، لم يسمح فيها بتجمعات سكانية لأبناء غزة، الأمر الذي يعني تقليص مساحة القطاع المكتظ أصلاً بالسكان، ومع استمرار الضربات الجوية ستستكمل القوات الإسرائيلية تدمير المخيمات وقتل وإصابة أكبر ممكن من البشر لاسيما النساء والأطفال، وتدمير البنى الأساسية لمقومات الحياة وتدمير أكبر عدد ممكن من المباني السكنية.
إن الأساليب التي يتبعها الجيش الإسرائيلي في حربه لغزة ترقى إلى أعمال الإرهاب، إذا ما عرفنا الإرهاب بأنه استهداف عشوائي للمدنيين بغرض ترويعهم، وهو ليس بالأمر الجديد على التكتيكات التي اتبعتها إسرائيل منذ تأسيسها، والتي رصدها الكاتب الأمريكي توماس سواريز، في كتابه المعنون "دولة الإرهاب: كيف قامت إسرائيل الحديثة على الإرهاب، الذي نقله إلى العربية الدكتور محمد عصفور، وصدر عن سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية في مايو 2018، والذي يُعد من أهم التحليلات الموثقة للعنف الذي استخدمته الحركة الصهيونية ضد الفلسطينيين، والذي يكشف الطرق الإرهابية التي استخدمتها لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين، التي يصفها بالطرق المنهجية، وهنا أيضا توظيف لوسيلة من أجل تحقيق هدف محدد.
واستند الكاتب إلى وثائق بريطانية لم تنشر من قبل، شملت أوراقاً سرية ومراسلات دبلوماسية وتقارير مخابراتية، تعلقت بالقتل والخطف والتفجير في الفترة من 1940 حتى 1950. ويشير إلى أن هذا الإرهاب لم يتوقف عند الفلسطينيين والبريطانيين، بل تعدى ذلك إلى اليهود أنفسهم في البلدان الأخرى لدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين، عبر ما عرف بدائرة الهجرة في الوكالة اليهودية، واستمرت هذه الأساليب حتى في فلسطين لمنع اليهود من مغادرتها. ويتضمن الكتاب تفاصيل لجذور ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع العنف الذي مارسته المنظمات الصهيونية والعنف الذي مارسه الفلسطينيون رغم أنه يندرج في سياق العنف المشروع لشعب يقاوم الاحتلال.
كذلك، لجأت إسرائيل إلى أساليب سياسية من أجل الالتفاف على الضغوط الناجمة عن المقاومة الفلسطينية وسلب الفلسطينيين القدر اليسير من المكاسب التي حققوها من أجل تنفيذ خطتها لفرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية والقدس والأهم من ذلك العمل على ترحيلهم بذرائع كثيرة. وعملت على حرمان المقاومة الفلسطينية من الامتداد الإقليمي الداعم غبر أدوات مختلفة واستفادت من التغيرات في البيئة الإقليمية للصراع، وشرعت في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول غربية قبلت صيغة "السلام مقابل السلام" التي اقترحها نتنياهو وضغط ترامب لتمريرها، لينهي ربط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بحل المشكلة الفلسطينية، وبروز صراعات وحروب أخرى داخلية أو فيما بين الدول العربية وبعضها أو مع دول أخرى في الإقليم، لكن من المؤكد أن أهم ورقة استغلتها إسرائيل واستفادت منها هي علاقة الحكومات العربية بالشعوب ومن بينها الشعب الفلسطيني.
طريق للخروج من المأزق الراهن
أسوأ ما في حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، هو ذلك الانقسام في الموقف من حزب الله والحرب على أسس طائفية، وأسوأ ما في الجولة الراهنة التي تركز إسرائيل في دعايتها ضد حماس هو ذلك الانقسام الحادث بسبب الانتماء السياسي للحركة الفلسطينية التي تخوض صراعاً مع السلطة الفلسطينية وتدخل في تحالفات سياسية متطابقة مع تحالفات جماعة الإخوان المسلمين الإقليمية، الأمر الذي أدى إلى حرمان المقاومة الفلسطينية من مصادر للدعم كانت تتحقق لها عندما كانت تعبر عن حركة تحرر وطني فلسطينية جامعة، ولا تعبر عن فصيل سياسي لديه مشكلات بسبب الصراع على السلطة في كثير من الدول العربية، وهذا وضع مسؤول عنه بالأساس حركة حماس والفصائل الإسلامية الأخرى التي ترفع شعار الكفاح المسلح منذ انتفاضة 2000 في تحد للسلطة الفلسطينية التي تتبع نهجاً آخر في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وفرض واقع جديد على إسرائيل عبر خطة للسلام الهجومي، في تطوير للتحرك انطلاقا من استراتيجية لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية بما يتناسب مع وسائل القوة والأدوات المتاحة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني. من المؤسف، أن تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني الذي لم تحاربه إسرائيل فقط وإنما حاربته نظم عربية تتصارع على تطويع ورقة المقاومة الفلسطينية من أجل تحقيق غايات أخرى، على نحو ما رأينا من سوريا والعراق ولبنان وقطر وإيران وتركيا، التي انصرف دعمها غالبا لفصائل موالية وظفتها لتطويع الفصائل الممانعة، ربما قدمت إيران نموذجا جديداً من خلال تعزيز ما يعرف بمحور المقاومة المؤلف أساساً من تنظيمات شيعية، باستثناء حركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، إلا أن هذا المحور تورط في حروب أهلية في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي أعاد هذه المقاومة مرة أخرى إلى دائرة الحسابات الطائفية أو حسابات الصراع على السلطة.
من الصعب في الوقت الراهن التنبيه إلى الأخطاء التي ارتكبتها حماس في العملية الأخيرة وكذلك الأخطاء التي ارتكبتها إيران في هذه المواجهة التي تسعى لاستغلالها لأغراض أخرى عير غرض تحرير فلسطين، ففي هذه اللحظة لا بد من التركيز على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ومن يدعمها ضد الشعب الفلسطيني وتثبيت الشعب على أرضه وتثبيت المقاومة للاحتلال وجرائمه، فالمقاومة هي التي يمكن أن تضع حداً للعدوان الإسرائيلي، والكارثة الإنسانية التي تعرض لها شعب غزة قد تهز الضمائر وتحرك العالم في مظاهرات واحتجاجات تضغط على حكوماتها من أجل تغيير موقفها وممارسة الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة. وهذه أمور لن تجلب سوى هدنة أو سلسلة من الهدنات. أما تحريك القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، فإن ذلك يتطلب محاسبة المقاومة على ما اقترفته من أخطاء ومجازفات غير محسوبة.
------------------------------
بقلم: أشرف راضي
مقالات سابقة عن طوفان الأقصى
طوفان الأقصى.. علامة فارقة في الصراع مع إسرائيل
الحرب على غزة وتوسيع مبدأ تدفيع الثمن ليصبح عقيدة قتالية للجيش
وقفة مع "حرب غزة 2023" وسيناريوهات للمستقبل
حتى لو تم تدمير غزة لن تنتهي قضية فلسطين
تغيير البيئة الإقليمية للصراع | حرب غزة 2023، وإعادة ترتيب ضرورية لأوضاعنا الداخلية والإقليمية