03 - 09 - 2025

السخرة في حفر قناة السويس.. وثائق تكشف مأساة 176 ألف عامل مصري

السخرة في حفر قناة السويس.. وثائق تكشف مأساة 176 ألف عامل مصري

في عام 2002 أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة "تاريخ المصريين"، كتاب "السخرة في حفر قناة السويس" للمؤرخ الراحل الدكتور عبد العزيز الشناوي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة. الكتاب في أصله رسالة ماجستير نوقشت عام 1948 بكلية الآداب تحت إشراف المؤرخ الكبير الدكتور شفيق غبريال، وتعد أهم عمل علمي تناول قضية السخرة في حفر القناة، مستندًا إلى الوثائق والمضابط والمراسلات الرسمية.

يستعرض المؤلف، بالأرقام والشهادات، كيف دفعت مصر النصيب الأكبر من تكلفة تنفيذ المشروع من أرواح ودماء أبنائها، إذ كان يتم حشد 20 ألف عامل شهريًا يُساقون إلى ساحات الحفر موثقين بالحبال، تاركين حقولهم ومصادر رزقهم. هذا الاستنزاف البشري أدى إلى تدهور الزراعة وتراجع إنتاج القطن وأثر سلبًا على الوضع الاقتصادي.

يبدأ الكتاب بالوثيقة الأولى: عقد الامتياز لحفر قناة السويس في 30 نوفمبر 1854، الذي حصل عليه فرديناند دليسبس من صديقه محمد سعيد باشا. الامتياز، المعروف بـ"الفرمان الأول"، منح الشركة الفرنسية صلاحيات واسعة، منها إنشاء وإدارة القناة لمدة 99 عامًا من تاريخ افتتاحها للملاحة، والإعفاء الجمركي الكامل على المعدات، وحق استخراج المواد من المناجم والمحاجر مجانًا، فضلًا عن منح مساحات شاسعة في منطقة القناة.

رصد المؤلف إصرار دليسبس على استمرار العمل بالسخرة حتى في شهر رمضان، وبوتيرة  متواصلة ليلًا نهارًا. ووفقًا للائحة التشغيل، كان أجر العامل يتراوح بين قرشين ونصف وثلاثة قروش يوميًا، وهو متوسط أجر الوقت، لكن دون مراعاة معاناة السفر الطويل إلى مواقع الحفر، وندرة مياه الشرب والطعام، وغياب سكن آمن للإقامة. وكانت الشركة تحتجز أجر أسبوعين من العمال خوفًا من هروبهم.

رغم ضآلة الأجور، تلاعبت الشركة في صرفها، فيما كان العمال عرضة للإصابة بأوبئة التيفود، التيفوس، الجدري والكوليرا، التي حصدت أرواح الآلاف. وتشير الإحصاءات التي أوردها الشناوي إلى أن 176 ألفًا و780 عاملًا شاركوا في حفر القناة، لإزالة المرتفعات وحفر المجرى البحري في ظروف قاسية تكشف بوضوح توفر الإكراه في العمل.

يخلص المؤلف إلى أن مشروع قناة السويس لم يكن فقط إنجازًا هندسيًا يربط البحرين الأحمر والمتوسط، بل كان أيضًا صفحة مأساوية في تاريخ العمل القسري في مصر. ويوثق الكتاب، من خلال أرشيف نادر، حجم الاستغلال الذي مارسته الشركة الفرنسية بدعم من الامتيازات السياسية، على حساب حياة وكرامة العمال المصريين.
---------------------------------
من المشهد الأسبوعية
اقرأ أيضا
خمسون عامًا على التأميم… دعوة لإحياء الوعي وتكريم إنسان القناة

السخرة في حفر قناة السويس.. وثائق تكشف مأساة 176 ألف عامل مصري