25 - 04 - 2024

الجذور التاريخية للتحفيل الكروي في مصر (3 ـ 3) .. ومايزال السقوط مستمرا!

الجذور التاريخية للتحفيل الكروي في مصر (3 ـ 3) .. ومايزال السقوط مستمرا!

في الرياضيات، العلاقة الطردية هي العلاقة بين متغيرين ، كلما زاد أحدهما بمقدار معين يزيد الآخر بزيادة تتناسب مع زيادة الأول والعكس صحيح ، وفي العلوم الاجتماعية لا يختلف الأمر كثيرا، وعلى سبيل المثال عندما يزداد تهميش القانون وازدراؤه ، يتبعه زيادة الفساد الاجتماعي.

وعلى تلك القاعدة تدور الحياة الرياضية عموما (بدرجات متفاوتة) داخل المؤسسات الرسمية والأهلية (المنتخبة) ، فكلما انحصر وانكمش دور القواعد الحاكمة والضابطة ،المنظمة للنشاط الرياضي وفي القلب منه كرة القدم ، كلما صعد واتسع الفساد الإدارى للعبة ، وغاب الضابط الأخلاقي عن الملاعب ، وتصاعد التحفيل بين الجماهير على اختلاف انتماءاتها وولاءاتها..

وعلى خط المعادلة الطردية ، تقاطع هذا الواقع الرياضي مع متغير آخر مستقل في أعقاب انتصار اكتوبر 73 ، متمثلا في  التحول الاجتماعي الناتج عن الضربات المتلاحقة لمكتسبات الطبقة الوسطى التي منحتها إياها قوانين يوليو الاشتراكية ، وظهور شرائح اجتماعية جديدة من السماسرة والمضاربين ووكلاء الشركات الأجنبية تحالفت مع التيار الديني السلفي الذي خرج من "القمقم" ليحكموا قبضتهم على أحياء المهمشين والفقراء ، مرة بالسيطرة على المجالس النيابية من خلال الانتخابات ، ومرة بـ"الزيت والسكر"، تحت غطاء ديني يسعى إلى إعادة استبدال التقاليد والعادات المستقرة داخل المجتمع االمصرى بأخرى تنفي وترفض الآخر المختلف عنه فكريا وعقائديا .

وعلى الخريطة السياسية ـ الاجتماعية تقاطعت خطوط حركة المرور الاجتماعي، بين التيار الديني المتشدد وبين النخبة الجديدة الصاعدة عند "محور السياسة" ليسير الاثنان معا في اتجاه "السلطة"، الذي تم تسويره بالأسلاك الشائكة ، وفي الوقت نفسه، تم إغلاق الطرق البديلة إما بدواعي "الإصلاح" وإما بدواعي الاستقرار.

وأمام "الإغلاق" لم تجد النخب المتعلمة مفرا من الهجرة إلى أسواق العمل الخارجية وهربت من الانسداد "المرورى" في وطنها، بينما تسللت الشرائح الاجتماعية المهمشة من وراء الأسلاك وافترشت المناطق الخاوية على الأجناب ، تبيع وتشتري ـ كما يحلو لها ـ في أي وكل شيء بدءا من الأخلاق وانتهاء بالأوطان.. وبالطبع كانت كرة القدم في القلب من عملية بيع كل ماهو عام.  

في الأثناء كان التحفيل الكروي استنفذ مفرداته وأشكاله مع الإنقلاب الهائل في الاتصالات وعالم المعرفة والمعلومات والتواصل الإنساني عبر االشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ليجد التنمر الأبواب مفتوحة على مصراعيها ، بعد حقب المواربة التي كان عليها خلال السبعينات والثمانينات والتسعينات ، على النحو الذي تعرض له نجما الملاعب حسن شحاته وجمال عبد الحميد في الثمانينيات ، حيث تعرض الأول لسخرية جماهير الأهلي عقب القبض على الممثلة (ع.ر) شقيقة زوجته في قضية آداب اشتهرت بقضية "دعارة الكومبارس"، في حين سخرت جماهير الكرة من جمال عبد الحميد بسبب علاقاته بالفنانات ، حيث تزوج من المطربة فلة التي اتهمت هي الأخرى بقضية دعارة، ثم ارتبط بالراقصة (ع.ش) ، لتطلق جماهير الأهلي الهتاف الجماعي الشهير وقتها " اللهم لا اعتراض عزه وفلة وعايدة رياض".

انطلق التنمر دون خجل وتجاوز حدود "الكلام" إلى مناطق يعتبرها المصريون منافية للدين والأعراف والأخلاق ، مع ظهور وانتشار منصات التواصل الاجتماعي ، وطال العرق والشرف واللون..

شيكا بالا ، لاعب الزمالك المشهور كان نصيبه من التنمر العرقي وافرا، فبعد فوز الأهلي على الزمالك 1/2 في بطولة دوري أبطال أفريقيا ، تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعى، فيديو يوضح قيام عشرات من الشباب المحتفلين بفوز الأهلى ، بإحضار كلب أسود يرتدى "تى شيرت" الزمالك فى ميدان صلاح الدين الشهير بوسط مدينة الأقصر، حيث كان يتواجد أكثر من 5 آلاف مشجع أهلاوى، وقام الشباب بالتنمر على شيكابالا من خلال رفع الكلب والهتاف "شيكا، شيكا".. وفور إعلان عماد متعب، نجم المنتخب و مهاجم الأهلي السابق ، خبر خطبته على ملكة جمال مصر يارا نعوم ، هدد البعض من جماهير الزمالك، برفع لافتات تحمل صورة زوجته وهي دون ملابس، في لقاء القمة بيونيو 2011.

كان من المنطقى أن يصل التنمر في صحبة التحفيل الكروى إلى الملاعب وبيده سكين، بعد أن شق التيار الديني، ممثلا في تنظيم الإخوان المجتمع المصري طوليا في أعقاب ثورة يناير 2011 لينقسم (ربما للمرة الأولى في تاريخه المديد).. وبالفعل خرج التنمر من مسرح الهجوم بالهتافات واللافتات إلى مسرح الجريمة ليتم ارتكاب واقعة العنصرية الأكبر في تاريخ الكرة المصرية، عندما انتهت مباراة الأهلي والمصري البورسعيدي في فبراير عام 2012 بمذبحة دموية راح ضحيتها 72 مشجعا من جمهور الأهلي.

انتفض المصريون أمام تلك الجريمة ، التي لا يتوقع تكرارها لاحقا ، وانشغل الجميع بمن فيهم الحكومة بالحادث ، لكن عند حدوده الجنائية، ولم يتعد البحث في الأسباب الاجتماعية والثقافية التي كانت سببا في إسالة الدماء على مدرجات ملعب كرة القدم.. وإلى يومنا هذا لم يهتم المجتمع المصري ، بنخبه الرياضية والثقافية والاجتماعية والسياسية بأمر التحفيل الكروي الذي دخل طوره الثالث في دورة حياته .. التنمر.
------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم
------------------
لقراءة الحلقات السابقة

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية



.

مقالات اخرى للكاتب

إيديولوجيا العنف .. لم تعد فاتنة !





اعلان