04 - 05 - 2025

سوفت مفقود وهارد متلوف (٣/٢)

سوفت مفقود وهارد متلوف (٣/٢)

ذكرت فى الجزء الأول من هذه المقالة عظيم حاجتنا نحن المصريين إلى عمل مُبرمِجى (سوفت وير) البشر لإصلاح ما فسد من أخلاق، واستبدال ما تلف من آداب، وإقامة ما اعوج من تفكير، وقد ذكرنا آنفًا أن مُبرمِجى (سوفت وير البشر) هم: الوالدان، والمعلمون، والإعلاميون، والصحفيون، والوعاظ، والكُتَّاب، والمثقفون، والفنانون، ومؤثرو الشبكات، لكن لا ينبغى أن يُوكل أمر تثبيت (سوفت وير) شعب إليهم فيسيروا فيه سير عشواء من تلقاء أنفسهم، وكيفما رأوا من غير ميثاق مُعَلِّم ولا شروط تضبط عملهم، فإنك حينئذ ستجدهم ينشرون فى الناس أخلاطًا من أخلاق شتى أكثرها ردىء، فلقد عُهِد (بسوفت وير) الشعب زمنًا طويلًا إلى غير أهله حتى ملأوا نفوس أمة كبيرة بِغُثاء من السفاهة والتفاهة والهزل، وبآداب وأخلاق وفِكَر تضر ولا تنفع، وإن عواقب ذلك علينا أضحت وخيمة جدًّا، وتبعاتها صارت ثقيلة جدًّا نراها كل يوم وكل ساعة فى ارتكاب جرائم وفواحش واحتيال وإيذاء وبذاء وسوء أخلاق، وإزهاق أنفس وإتلاف أموال بالعمد أو التهاون، بل إن رداءة هذا (السوفت وير) قد جعلت صنفًا من المصريين يجحدون وطنيتهم المصرية، فكم من مهاجر مصرى يتكاسل أو يتثاقل أن يرجع إلى مصر ولو زائرًا لا أقول خشية الفقر، بل من شناعة ما يرى من فوضى الناس، ومن سوء ما يتعاملون به فيما بينهم، وإن هو جاءها زائرًا تراه متشوقًا يحصى الأيام ليخرج منها! فقد هانت عليه بلده وأهله حين فسد (السوفت وير) وعظم فى عينه غرباء الدين والجنس واللسان!

فمن أجل ذلك قلنا إنه إذا أردنا ترقية وتحديث (سوفت وير) الشعب فلا ينبغى ترك الأمر إلى كل أحد، ليمضى فيه بما يتراءى له، وإنه لِنُبدل هذا (السوفت وير) الردىء الذى احتكم زمنًا طويلًا على القلوب والنفوس والأعمال، فينبغى على الدولة الاضطلاع بإصلاح الشأن الأخلاقى للأمة بإحداث (دعوة أخلاقية) ذات (ميثاق جامع) متفق عليه، وأن تبعث الدعاة أو (مبرمجى السوفت وير) لنشر تلك (الدعوة الأخلاقية) فى كل بقعة دانية أو قاصية من القطر المصرى، فالمعلم فى مدرسته رسول تلك الدعوة، والخطيب على منبره رسول لها، والمؤثرون على الشبكات هم رسل لها، وشاشات الطرقات هى رسائل تلك الدعوة، والسرادقات تضرب عند أطراف القرى والبوادى فتكون سفارات لتلك (الدعوة الأخلاقية)، فيُعهد إلى كل هؤلاء بتعليم الناس الخلق الحسن والفعل الكريم، والبر بالناس، والإحسان إلى المخلوقات، وإتقان الأعمال، والسَّكِينة والتأنى، وتعليم الناس طرائق التفكير المستقيم، وتعليمهم آداب معاملة الناس، وفضل بشاشة الوجه ولين الكلام، وأن الرفق فى الأمور يزينها، والعنف فى الأمور يشينها، وهم يعلمون الناس لا من تلقاء أنفسهم بل يكونوا مُؤتَمِّين فى دعوتهم وعملهم بما هو موضوع لهم فى ميثاق (الدعوة الأخلاقية)، وأن يتعاقدوا على ذلك ويلتزموه، وأن يسعوا  جميعًا فى إقامته فلا يخالفه أو يتخلف عنه أحد، فيحيد أو يزيغ؛ فإن زيغه هاهنا يفسد عمل الآخرين جميعًا، ويفسد من ورائه أمة. أعلم أنه ستكون هناك طائفة من مبرمجى (سوفت وير) سوف تشذ عن إخوانهم فيسيروا بأهوائهم فى دعوات خاصة لهم ينشرونها على قنواتهم وشاشاتهم ليضلوا الناس عن هذه (الدعوة الأخلاقية)، لكنى أزعم أنها ستكون محدودة الأثر محجوزة عن بلوغ الضرر أمام دعوة أخلاقية كبيرة تنهض لها دواوين الدولة المصرية.

ثم إنه ينبغى أن يكون هذا (الميثاق الأخلاقى) وهذه (الدعوة الأخلاقية) دائمة مستمرة غير مؤجلة بأجل، فتنقضى بانقضائه، ولا مؤقتة بحاكم فتزول بزوال سلطانه، فإن (السوفت وير) الآدمى كمثل (السوفت وير) الحاسوبى، يكون محتاجًا إلى دوام التعهد والتجديد والتحديث والترقية، وإلا نجم الفساد وفشت العدوى واستعصى الداء، وتحملت الأمة كلها تبعة ذلك، ووقع العبء الأكبر على الشرطة والقضاء فتزيد أحمالهم أحمالًا فوق أحمال، ويكلفون إصلاح ما فسد أو أُفسد من (سوفت وير) المجتمع، وما هذا من عمل شرطة ولا قضاء.
---------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

حَضَروا!