ليس من عادتى فى كتابتى التساهل والتجوُّز فى إدراج لفظة أجنبية بمقالاتى إلا أن أضطر إلى ذلك لأُقرِّب المعنى الذى أريده إلى الأفهام، أو لشيوع هذه اللفظة على ألسن العرب وبقائها على نطقها من غير أن تترجم أو تُعَرَّب، وإنه لتقريب المعانى وضرب الأمثال فقد جعلت عنوان مقالتى بغير العربية، كما أدرجت كلماته فى تضاعيف المقالة ومضمونها؛ إذ رأيت أنها الأوفق والأقرب إفهامًا للمعنى الذى أريد، فكثير من الناس لاسيما الشباب يعلمون أن (هارد وير): هى الأجزاء الصلبة من الحاسوب، وأن (سوفت وير) الأجهزة الذكية: هى نُظم تشغيلها وبرمجتها، وإنى قد نظرت فوجدت أن هذا التقسيم أشبه شىء بتقسيم المخلوق الآدمى إلى جسم وهو يماثل (هارد وير)، وعقل أو نفس وهذه تماثل (سوفت وير)، وإن أحدنا إذا أراد أن ينتفع بحاسوبه أو هاتفه على الوجه الأمثل فينبغى لجُزأيْه الصلب والبرمجى أن يكونا سليمين من التلف والعيب والفيروسات، وإلا تعطل وأفسد عليك عملك، وربما تعدى ذلك إلى أن يتجسس على بياناتك وحساباتك، ثم يرسلها إلى لص أو قرصان فيسرقك أو يبتزك، وكما كان هذا هو شأن الحاسب والهاتف إذا فسدت برمجته أو تلفت أجزاؤه، فكذلك هو شأن الإنسان الآدمى إذا فسدت برمجته فإنه يؤذى ويبطش ويعتدى، ويكون شره أقرب من خيره، وضلالته أقرب من رشده، و(سوفت وير) الإنسان هو تلك الأخلاق والآداب وطرائق التفكير التى يتخلق بها المرء، وبصلاحها تصلح الأعمال والأقوال، وإلا أصاب الناسَ الفسادُ والخبال واضطراب الحال، واقترفوا المعيب من العمل، وأتوا الذميم من الخُلُق.
وكما كان للحواسيب مبرمجون يضعون لها برامجها، ويحملونها (بالسوفت وير) فإن للأمم كذلك مبرمجون يضعون لها (سوفت وير) البشر، ومبرمجو البشر هؤلاء هم: الآباء، والمعلمون، والوعاظ، والكُتَّاب، والإعلاميون، والفنانون، والمثقفون، فإذا عرف كل منهم حق الأمانة التى حملها، فقام على ثغره ولم يتكاسل أو يتغافل أو يتوانى استقامت أخلاق القوم واستقامت عقولهم واستقام عملهم.
وإنى قد نظرت فى أخلاق المصريين (وأنا منهم) فوجدت أن (سوفت وير) الشعب المصرى يعوزه كثير من الإصلاح والمراجعة والتجديد والتحديث لما فُقِد أو تلف أو أُتلف منه، وأنه محتاج أن يتعهده مهندسو البرمجة بإعادة الضبط على الخلق القويم، والتفكير السليم، فإن ما نراه فى العقول من سوء التفكير، وفساد التقدير، وما نراه فى تعاملنا من كثرة النزاع والاختلاف، والتشاحن والبغضاء، وضيق صبر الإنسان بأخيه، والإسراع إلى التشاتم والتضارب والاقتتال حتى صرنا نشهد ذلك بين الفتاة وزميلتها، وبين طالب المدرسة وصاحبه، وبين الرجل وجاره - لينبئ أننا يعوزنا كثير من عمل (مُبرمِجى سوفت) لإصلاح التلف الذى أصاب (سوفت وير) المصريين.
ولست ممن يعجب لما يرى من سوء خلق صغير ولا من سفاهة كبير، فإننا لسنين طوال لم نحمل من (السوفت وير) إلا أخسه وأرذله، فنحن من لدن الصباح إلى الليل لا نطالع على شاشاتنا إلا إطلالة فلانة، وفستان الفنانة، وتصريحات ذات البطانة! فإذا أتينا المسجد للجمعة لم نأتِها إلا لإسقاط الواجب عن المكلف، وإسقاطًا للمساءلة عن الخطيب! وأما الصغار فى مدارسهم فإن حصتهم تنقضى فى تقييمات وكتابات من غير أن يدركوا منها فائدة خلقية ولا نفعًا تربويًّا! فما ظنك بعقول ونفوس هذا مبلغ حظها من الخلق والأدب والعلم؟! بل كيف نلتمس ممن غُذِّى بهذه التفاهات أن يظهر خلقًا حسنًا وعقلًا راجحًا؟! وكيف ظنك أخى القارئ لو أن كل هذه التفاهات قد استُبدلت بها عروض أخرى، تعلم الناس ما ينفعهم وتهديهم إلى الخلق القويم؟! هل كنت تجد هذه القباحات والجهالات والمنكرات فى البيت والطريق والعمل والمواصلات؟! إن الإنسان كما أن (السوفت وير) الردىء يرديه وينال منه، فإن (السوفت وير) الصالح يصلحه ويقيم زيغه. (يُتبع)...
--------------------------------
بقلم: محمد زين العابدين
[email protected]