بداية لماذا الحديث فى هذا الموضوع ؟ لأن الكنيسة هى مؤسسة مصرية وهى جزء من تكوين الهوية المصرية الجامعة لكل المصريين . كما أنها تقوم بدور روحى ودينى من خلال فكر دينى يشكل وعى وشخصية المصرى المسيحى الذى يتعامل ويعيش ويتفاعل مع المجتمع خارج الكنيسة. هنا يكون تأثير مايحدث من أحداث سلبية أو إيجابية داخل تلك المؤسسة سيؤثر بلا شك على المناخ العام بطريق مباشر أو غير مباشر. وهذه الرؤية هى التى حكمت موقفى منذ تسعينات القرن الماضى فيما يخص هذا التأثير حيث كنت ولا أزال وسأظل ارفض واتحفظ على تلعب القيادة الدينية أى دور سياسي، وهذا لاعلاقة له بأى قضية دينية أو كنسية. كما أن موقفى هذا كان بهدف إلى نشر ممارسات وثقافة المصريين المسيحيين بهدف التقارب الوطنى ومعرفة الآخر، فلا قبول للآخر دون معرفة موضوعية تحترم الاختلاف. ونتيجة لهذا الموقف قد عانيت من قيادات دينية ومن اغلب الذين يسيطر عليهم فكر دينى يقدس الأفراد، وكان يقال أننى أنشر الغسيل القذر!
الآن أصبحت أخبار الكنيسة يتم نشرها وتداولها على كل المستويات عن طريق السوشيال ميديا وهذا ليس خطأ كاملا بل فيه من السلبيات والإيجابيات.
فما هى حكاية مايتم تداوله ؟ بداية الكنيسة هى كنيسة مجمعية وليست فردية أى أن القرارات التى تخص العقيدة الارثوذكسية هى قرارات مجمع الأساقفة وليست قرار البابا وحده. الأمر الآخر أن رتبة البابا الكنسية هى اسقف الإسكندرية مثل أى أسقف آخر. ولكن هو الأول وسط متساويين. هذا الأمر لايعطى أى اسقف الحق أن يتصرف فى شؤون أسقفيته كما يشاء !! إضافة لذلك أنه عند قدوم بابا جديد يصبح الأمر أن هناك مايسمى بالحرس القديم التابع للبابا السابق والحرس الجديد من يتم رسامتهم فى عهد البابا الحالى. وهذا ماجعلنى أتوقع مايتم الآن من خلافات وصلت إلى درجة غير مقبولة ولا تليق بعد وفاة البابا شنودة حيث كان يدير الأمر بقبضة حديدية تجنح إلى إدارة سياسية أكثر منها إدارة روحية !! هنا وجدنا من يسمون أنفسهم (حماة الايمان!!) وهم فى الأصل من يسمون بالشنوديين الذبن يعتبرون أن كل أقوال وافعال ومواقف البابا شنودة هى المسيحية والأرثوذكسية السليمة وما دون ذلك هو هرطقة وإسقاط للكنيسة !!!
كان مزمعا أن يكون هناك حلقة نقاشية حول موضوع كنسى فى النصف الثانى من هذا الشهر. وكان سيلقى فيها بعض العلمانيين من غير رجال الدين بعض المحاضرات. هنا احتج بعض الأساقفة على هؤلاء من غير رجال الدين، على اعتبار أن هؤلاء لهم أفكار ضد الكنيسة ولا يجب أن يحاضر علمانى أساقفة!! وكأن كل الأساقفة علماء وكل العلمانيين جهلاء !! (ولكنه الكبرياء المقدس)، مع العلم أن الكنيسة أى المجمع لم يصدر قرارا يؤكد أن هؤلاء ضد تعاليم الكنيسة .
ثاروا وماجوا وظهرت على السطح حالة من تصفية الحسابات التى لا تليق شكلا ولا موضوعا، وهنا أجل البابا هذه الحلقة النقاشية، وكان من المفروض إتمام الحلقة ويقوم الأساقفة بمناقشة هؤلاء. أم أن دورهم توجيه الاتهامات دون نقاش؟ وإذا كان المجمع لا يستطيع مواجهة مثل هؤلاء لو كانوا مخطئين فما هو دوره؟
هنا دخلت على الخط قضية أسقف المقطم الذي أرجعه البابا إلى ديره لوجود مخالفات، وهو أسقف عام من حق البابا أن يكلفه بإدارة موقع او يعفيه عن هذا الموقع وهذا لايتناقض مع قوانين الكنيسة، فكانت الحملات ضد البابا بشكل لايليق لا بالكنيسة ولا بالمجمع . فلماذا هذا ؟ هل هذا بتوافق مع القيم الدينية والتعاليم الكنسية والدور الروحى لهؤلاء؟
الأمر لايخص الكنيسة وحدها، ولكن مردوده وفى كل الأحوال سينسحب على المجال العام باعتبار الكنيسة مؤسسة مصرية. لذا لابد من حوار موضوعى وعلى كل المستويات دون أن يتصور أحد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وليس كل من له رأى اخر هو هرطوقى يعمل ضد الكنيسة.
حافظوا على سلامة الكنيسة حفاظا على سلامة الوطن الغالى الذى يتربص به المتربصون خاصة أن البابا مستهدف من جماعات معروفة تصفية لما حدث من مواقف فى يونيو ٢٠١٣ . حفظ الله مصر وشعبها العظيم وحمى الله مؤسساتها من المؤامرات الداخلية والخارجية.
--------------------------------------
بقلم: جمال أسعد