05 - 05 - 2025

بيان التيار العلماني بين الاتهامات والجدل المحتدم حول مستقبل الكنيسة القبطية

بيان التيار العلماني بين الاتهامات والجدل المحتدم حول مستقبل الكنيسة القبطية

يتناول البيان المثير للجدل الذي زعم أصحابه أنهم من التيار العلماني في مصر والمهجر موضوعاً حسّاساً يتعلق بالكنيسة القبطية في مصر، حيث يقدم مجموعة من الانتقادات والاتهامات موجهة للقيادة الكنسية، ولا سيما قداسة البابا تواضروس، مغزاه عن وجود تيار تكفيري داخل الكنيسة يسعى لتقويض الإصلاحات والتغيير، ويتهم بعض الأساقفة بالمجمع المقدس بتوجيه اتهامات باطلة ضد الكهنة والخدام، قد يكون البيان جزءًا من صراع أعقد، وقد يستغل البعض هذا الخطاب للتدخل في الشؤون الدينية للكنيسة، وهو ما قد يؤدي إلى تقييد الحريات. 

 ولعل أبرز النقاط التي يتضمنها النص، وجود أوصاف وألفاظ خارج اللياقة الأدبية مثل استخدام "تيار ظلامي" يسعى لحماية الإيمان بطريقة خاطئة تؤدي إلى تدميره، كما طالت انتقادات للقيادة الكنسية، متهماً إياهم بالتساهل مع هذا التيار التكفيري وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضده، زاعمين أنه هناك حملة لإقصاء الكهنة والخدام الشباب، ويتم اتهامهم بالهرطقة دون دليل أو محاكمة عادلة، مما يؤدي إلى عزوف الشباب عن الكنيسة، وتضر بصورتها. 

حملت تلك الاتهامات الجوفاء مبالغة ووصف تيار كامل بأنه "تكفيري" بدلا من إعتبار خلافا حادا في الرأي حول بعض القضايا دون أن يعني ذلك وجود تيار متطرف، ودون تقديم أدلة ملموسة على الاتهامات التي يوجهها، مما يجعل من الصعب التحقق من صحتها، مع استسهال لغه التعميم على القيادة الكنسية بأكملها، وهذا أمر غير عادل وتعد سقطه كبري مع تحيز في الطرح، فجميع الآباء المختلفين في سيمينار المجمع المقدس وضحوا الصورة بأنه مجرد اختلاف في الرأي، لكن المتزعمين للرفض لا يمثلون رأي الأغلبية داخل الكنيسة، بل أن البيان الصادر من التيار العلماني قدم كبسولة مشحونة بالكراهية بعيدا عن أي حوار بهدوء وعقلانية ولم يبتعد عن اللغة الهجومية المبتذله، كما حاول التفريق بين أبناء الكنيسة الواحدة، وزعم أن لغه الحوار تقتصر على العلمانيين فقط دون النظر بشكل موضوعي ومهني دون لغة تهويل أو تضليل، والذين يقدمون أنفسهم على أنهم أصحاب رؤية إصلاحية تعمل على توحيد الصفوف داخل الكنيسة، يفعلون عكس ما يقولون، ويقذفون الآباء الذين هم أبناء أيضا للبابا تواضروس تجمعهم المودة و الخضوع، لمجرد إبداء رأيهم بطرق شرعية حسب القانون الكنسي ووصفهم بأوصاف يعاقب عليها القانون، بل تشجع لغة التيار العلماني علي استباحة حياتهم وتعريضها للخطر بوصف "تكفيريين"، رغم أن رسامتهم رهبانا تعود الي قرابة ربع قرن قضوها يحافظون علي الكنيسة ويعاصرون البطاركة، مما يوضح خطورة متصدري المشهد و نيتهم في شق الصف غير مكتفين ببيان الكنيسة التي بدأ بالمحبة والاحتواء و قرر فقط تأجيل السيمينار والتطلع الي الصالح العام بحكمه، غير واثقين حتي في قرارات البابا تواضروس الذين يزعمون الدفاع عنه والتقرب من قداسته، ليس إلا لأغراض شخصية، وكأنهم يعبثون ويختطفون الكنيسة التي يجب أن تضمنا جميعا بصرف النظر عن التيارات والاختلافات الأيدلوجية، ويتعمدون علي طول الخط تحويل الخلاف في الرأي إلي صراع دائم بطريقة العناد والإصرار علي فرض وجوة معينة، بتسريب البيان للسوشال ميديا، زاعمين أن عدد التوقيعات تعدى ٢٠٠٠ شخص، ثم يلقون باللوم علي تسريب البيان الأول قاصدين إحداث بلبلة جديدة، فالأمر تخطي التعبير عن الرأي أو حدود الامتعاض.

آثار بيان التيار العلماني

أثار البيان المطروح العديد من التساؤلات حول الوضع داخل الكنيسة القبطية، الذي يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل. فالسعي وراء اتساع الحُوَار والتفاهم ليس على حساب الإيمان، فلا يجوز المجاملة علي حساب مصلحة الكنيسة وتشكيك البسطاء في إيمانهم، وبدلا من التدقيق من التصريحات التي قد تؤدي إلى زيادة الانقسام فإن توجيه انتقادات لقداسة البابا تواضروس بالتساهل مع هذا التيار الذين وصفوة بـ"التكفيري" وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضده، ما هي إلا دعوة خبيثة للتراشق وتحميل قداسته ما لا طاقه له به، غير مكترثين إلا بقضية خائبة لن تجني الكنيسة من ورائها إلا الآلام، بل تمثل انقلابا علي كل القوانين الكنسية التي ينادون بها، وتحاول الدفع في اتجاه إقصاء الكهنة والأساقفة، زاعمين وجود حملة مضادة لإقصاء الكهنة والخدام الشباب واتهامهم بالهرطقة دون دليل أو محاكمة عادلة، وهو عكس ما تقدم به بعض أساقفة لجنة الإيمان قبل تركها، فهل تشجيع نقد الكنيسة وثوابتها - المنتشرة علي وسائل التواصل -وتنمية النظريات الفكرية النقدية التحليلية في الموروث والتعدي علي كل أصول التقليد الكنسي بحجه التحرر من الماضوية يعد إصلاحا من وجهة نظرهم؟ وهل نقد التراث الآبائي طوال حياة البابا شنودة يعد إصلاحا من الأساس؟ وهل يتم الإصلاح بتقديم الانحرافات المغلفة بالظلام الحالك وإدخال المؤمنين في مستنقع مُعتم من البدع مزينة تحت عباءة الاستنارة، يوهمون من حولهم أنهم أكثر ثقافةً وفهمًا لاهوتيًا وأدق تعبيرًا عقيديًا وأكثر روحية، مع ترك جذور الإيمان والعقيدة والفكر المستقيم. 

هل من يحفرون لأنفسهم آبارًا عميقة بنقد كل ما سبق يعدون ضمن منظومة إصلاحية أم رؤية فردية يجب التصدي لها؟ مثل حركه العصر الجديد، أليست كلها ضغوط تمارس علي آباء المجمع المقدس لاتخاذ موقف ضد من يحاولون القيام بدورهم داخل الصلاحيات الممنوحة لهم؟ .

وأما عن الرسائل الموجهة إلى قيادة الكنيسة القبطية، فتحمل في طياتها خبايا، أبرزها ترويج مظلوميات الإقصاء، وأن قرارات القيادة الكنسية تؤثر سلبًا على التيار العلماني، في حين أن كل اسقف مسؤول عن إيبراشيته و من حقه توقيف أي خادم مشكوك في تعاليمه حرصا علي الصالح الكنسي لحين التدقيق و الفصل فيها خلال لجنة كاملة، فلا يعد نوعا من ألاضطهاد، وهو ما ينبغي اتباعه أيضا في مصادرة الكتب، ويحق للخادم تصعيد قضيته او الانتقال لخدمة أخري إن لم يرق له الحكم دون تضخيم الأمر، فالكل يصيب ويخطيء، إنما أن ينهال البعض بالتهم ويحرفون مصطلحات ويحاولون التقويض لتصفية حسابات لا شأن لها إلا بارتباطهم بأشخاص معينين من هذا التيار يريدون أخذ زمام الأمور، يوجه أصحاب البيان العلماني انتقادات حادة لبعض القرارات الكنسية، ويرون أنها غير عادلة أو مدروسة، مطالبين بضرورة الشفافية والعدالة في اتخاذ القرارات، وإعطاء الفرصة للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم، وفي نفس التوقيت يرفضون ويشككون في المحاكمات الكنسية، ويقترحون وجود لجان للتحقيق في الشكاوى والمظالم، وضمان حق المتضررين في الحصول على العدالة، علي حد تعبيرهم،.

البيان يغوص في مغالطات تجاه التيار الشنودي، فلا يأبهون إلا بوجودهم العلماني ليس من أجل أهداف نبيلة تتعلق بالتنظيم أو القيام بخلق جسر مع الكنيسه والشعب معا، بل للقيادة والاستئثار بالقرارات التي تتعلق بالإيمان لضمان وصولهم الي أعلي المراتب داخل الكنيسة قاصدين السيطرة علي قرارات الكرسي المرقسي نفسه، ومن أجل تصفيه حسابات مع الآباء، مستخدمين لغة غير واضحة أو مباشرة، بل تلف و تدور حول أنعقاد السيمينار بنفس الوجوه التي اعتذر قداسته لها، فلماذا العناء فيما يخص بالمقام الأول تنسيق أمور تعود لأباء المجمع نفسه!. 

لم يقدموا مقترحات عملية لحل المشكلة، في البيان، بل دعوا إلي التغيير في بعض السياسات والقرارات الكنسية، فأي تبجح وصل إلى مداه لدرجة اعتقادهم أنهم ورثة للكرسي المرقسي وأوصياء علي المجمع المقدس بلا أي سند قانوني كنسي لجمع هذة التوقيعات؟ حاولوا الترويج لصورة تعزز التوترات داخل الكنيسة، داعين الي إجراء حوار مفتوح وصريح لحل المشكلات، وفي نفس التوقيت لا يريدون الانصياع لقرارات المجمع الذي بلغ عدد أعضائه الموقعين نسبة تخطت الثمانين بالمائة، مدعين حفاظهم علي وحدة الكنيسة، فأي وحدة تجلب المتاعب و تمضي في طريق حقن التعاليم المستقيمة بمسخ الفكر اللا طائفي، وأتساءل، إن لم يستوجب هذا الأمر كفاحا لتطهير الكنيسة من أصحاب هذا الفكر، فأي إيمان يستحق أن نهتم لأجله؟!، وأي لجان مستقلة للتحقيق في الشكاوى قد تفلح، إذا كان تم تعطيل فكرة محاكمة أصحاب البدع بحجه الإقصاء وتسويق المظلوميات، فهل يسعد هؤلاء العلمانيين أن يقام السيمينار علي أنقاض المحبة وأن نفاجأ بأن الخمسين عضوا الآخرين من الأباء يتركون القاعة خلال الشرح وأن يتنامي الشد والجذب بين الأباء المحاضرين د. جوزيف فلتس"و "موريس وهيب"، وهل يقتنع من طلب المواجهة ويرتضون بحكم الأباء إذا تعالت أصواتهم بالرفض التام لتعاليمهم؟ وهل يراجعون أنفسهم أم يصرون علي أفكارهم متهمين كل من يقف في طريقهم بالهروب والضعف، بنفس الاستعلاء وفرد العضلات، فإن كانت هذه مظلومية، فماذا نقول لمن انتزعت أمانة خدمته من التربية الكنيسة في كثير من الإبراشيات من أمناء وكبار السن و مثقفين، وتم إسنادها لشباب ليس لديه الوعي الكافي وتحولت خدمة الشباب والناشئين إلى نوع من الفاعليات التي بها احتفالات ورحلات على حساب التعليم؟ 

إن فتح قنوات اتصال بين القيادة الكنسية والمؤمنين وتنظيم حوارات مفتوحة لمناقشة القضايا الشائكة، وتوفير التدريب اللازم للقيادات الكنسية على كيفية التعامل مع مثل هذه القضايا مطالب مشروطة بتصفية الأجواء والتماس حسن النية والتواضع، وليس التربص ومحاولة فرض أجندات عليها علامات أستفهام، مع ضرورة الثقة في القيادة الكنسية، وأن يدرك هؤلاء أن الخوف علي الكنيسه ينبع حقا من داخل المجمع المقدس الذي يمثل صمام الأمان عبر التاريخ، ولن ينبع من خارجه، بل لا يوجد من هم أحرص من الأباء علي التعاليم وتطويرها بأساليب صحيحة، فهناك مدارس مستحدثة وغريبة تتعارض مع الفكر الكنسي بما أن الطائفة القبطية أكبر طائفة في الشرق الأوسط، وليس عيبا أو نقص حكمة أن يسعي الآباء للحفاظ عليها وكذلك البابا تواضروس الذي يقع في اختبارات قوية، ومع لمسه إلهية، يتجاوز المواقف دون الحاجة إلي مزدوجي المعايير وصانعي المشكلات والراغبين في تسخين الأجواء.
------------------------------
بقلم: جورجيت شرقاوي

موضوعات مرتبطة

أزمة بالكنيسة الأرثوذكسية والبابا تواضروس يقول بغضب: "أنا البطريرك" ثم يغادر اجتماعا عاصفا

إلغاء سيمينار المجمع المقدس والبابا تواضروس يدعو اللجنة الدائمة للانعقاد

مقالات اخرى للكاتب

صراع الأجنحة الخفي بين الصهيونية البروتستانتية واليهودية| تحالف المصالح أم الأيديولوجيات؟