25 - 04 - 2024

يوميات مبدع أضناه الاغتراب (4) صلاح السعدني: بنهزر ماتحبكهاش

يوميات مبدع أضناه الاغتراب (4) صلاح السعدني: بنهزر ماتحبكهاش

(10)

دوار الساعة بالشارقة (الاسم الرسمي ميدان الزهراء) .. على الطرف المقابل لمقهى نور الصباح وإلى جواره مقهى الخمائل، تقف بناية الفردان التي استمدت شهرتها من محل الفردان للصرافة في نفس البناية.. كان يسكن هناك.. أنيق بربطة عنق لا تبارح هندامه في أشد أيام الصيف حرارة ورطوبة.. نحيف رغم انفتاح معدته على كل الوجبات الرئيسية والفرعية.. ساقته قدماه إلى المقهى .. متزوج حديثا .. ملتزم وطيب كحال أهل المنيا .. معظم قراءاته كانت في الكتب الدينية .. الشاعر مجدي أبو زيد.. لفترة طويلة جمعتنا جلسات صحبة الأديب محمد حسن الحربي.. الشاعر إبراهيم المصري.. الأديب نواف يونس.. الأديب فوزي صالح.. الشاعر ضياء طمان.. الشاعر فوزي غزلان.. الكاتب والناقد عزت عمر.. الصحافي والشاعر حسين درويش.. هذه الدائرة كانت الأصل فيما أعرفه أنا.. إذ ربما للبعض جلساته الأخرى.. وفي فترة لاحقة جاء الصديق الشاعر حسين القباحي.. القاص والإعلامي محمود الورواري.. القاص محمد برهان.. الأديب والناقد عبد الفتاح صبري.. الأديب والناقد محمد عطوة.. غير أن جلساتنا كانت تضم أصدقاء كثر ولكن دون انتظام.

انتقلت جلساتنا إلى مقهى (وايت فاير) بعد قرار إغلاق المقاهي التقليدية في الشارقة.. مقهى (مودرن) في شارع جمال عبد الناصر.. لكن في هذا المقهى غابت أسماء وحضرت أخرى كما هي الفترة القصيرة التي جمعتنا على مقهى في مركز الفردان على بحيرة الشارقة.. رويدا .. رويدا .. انشغل الجميع.. كل بهمومه وحياته الخاصة.. انفرط عقد مجموعة مقهى الخمائل إلا من قلة.. نلتقي على فترات في مناسبات ثقافية.. وأحيانا تجمعنا صدفة جلسات خاصة على بحيرة الشارقة خصوصا في أماسي رمضان.

غير أن فكرة جلساتنا على مقهى لم تنته إلى الأبد.. فقد جاء مقهى الفنون منتصف التسعينات ليجمعنا من جديد.. لكن مع شخصيات أخرى.. منطقة الفنون بمتحفها ومراسمها ومقهاها نفرد لها مساحة في كتابة لاحقة.

الأحداث الثقافية والفنية في الإمارات كانت وما زالت كثيرة، وفي كل حدث تجد ضيوفا من الدول العربية ومختلف دول العالم كما هو الحال مثلا في أيام الشارقة المسرحية التي بدأت عام 1984.. أو بينالي الشارقة مع دورته الأولى عام 1993.. أو مهرجان دبي السينمائي الذي غطيت أحداث دورته الأولى عام 2004 رفقة الزملاء حسين قطايا وأسامة عسل وأمنية طلعت.. ربما بحكم عملي في دبي وقربي من الشارقة كنت أكثر إطلاعا على الفعاليات عنها في مدن أخرى.. وما أريد قوله .. إن الانفتاح على نتاج الآخرين، والتماس مع طرق التفكير المغايرة والمدارس المتعددة يخرجك من محيطك (الواقعي) الضيق .. إلى مساحة رحبة تنصهر فيها كل التجارب لتتلمس موقعك بينها.. الأمر الآخر .. أن ساحة الإمارات تنتزع كل هالة تحيط بأي شخصية فنية كانت أو ثقافية أو رياضية، فترى الجميع دون (تزويق أو أبهة أو تلميع).. الواثق من نفسه فقط هو الذي يصمد.. كم من فنان كان يتوقع تجمهر الناس حوله للسلام عليه أو التقاط الصور فلم يجد إلا قلة.. في حين اكتفى بعض الجمهور بالسلام عليه من بعيد (أيام الشارقة المسرحية نموذجا).. وفي هذا السياق .. أسجل تحياتي وتقديري للفنان نصر حماد.. هذا الفنان الذي ظلمته الشللية ومحاربته في مصر (الشبه مع النجم المشهور وعمايله).. في حين أنصفته ساحة الإمارات المسرحية والدرامية إلى حد ما..

(11)

وأنا أكتب هذه السطور، أفكر في ألوان الملابس الرياضية التي سأرتديها في تمرينات كرة القدم الليلة.. الثلاثاء هو موعد تجمعنا نحن زملاء الصحافة في النادي المصري بمنطقة مشيرف في عجمان.. ممارسة الرياضة عندي أمر مهم للغاية.. كرة القدم .. نعم.. لكنها ليست كل شيء.. ففي رياضة الجري متعة لا يقدرها إلا من يواظب عليها.. (كنت في إجازة إلى قريتي في أسوان.. صعب على نفسي أن أتوقف عن الجري بصورة يومية.. قلت أبدل ملابسي وسأجري في ملعبنا القديم جوار المقبرة.. وما هي إلا دقائق حتى وجدت العيون تتابعني .. أطفال .. نساء.. شباب.. اقتربت إحداهن وسألت: هل تبحث عن شيء ضاع منك؟؟).. في اليوم التالي اخترت طريقا آخر.. سأجري بمحاذاة طريق الأسفلت.. صادف مروري عند المدرسة الثانوية خروج الطلبة في وقت مبكر.. فارتفعت الصيحات والتصفيق .. سألني أحدهم: هل هذا سباق؟.. بعدها اكتفيت بمارسة كرة القدم في ملعب مركز الشباب ليلا.

منتصف الثمانينات.. توطدت علاقاتي مع مجموعة ممن كانوا يمارسون كرة القدم معنا على ملعب مساكن البلدية القديمة في منطقة القصيص (قرب كامب شركة أسكون).. من هؤلاء الصديق محمد يوسف عبدالله (كنا نناديه مجيد).. مولود في الإمارات لأب باكستاني كان يعمل في بلدية دبي.. حين توفى والده تكفل مدير عام بلدية دبي (كمال حمزة) برعايته هو وشقيقه الصغير.. كان وقتها يدرس في جامعة الإمارت بمدينة العين وحصل على جواز سفر إماراتي.. في صدفة ما تعرف مجيد على السائق الخاص لكمال حمزة .. هندي من منطقة حيدر آباد.. رجل طيب يجيد اللغة العربية .. لديه أربع بنات.. إثنتان متزوجتان.. والصغيرتان انهيتا المرحلة الثانوية، وثلاثة أولاد يلعبون معنا الكرة.. جميعهم نالوا التعليم في المدارس العربية.. ومع مرور الأيام أصبحنا جزءا من هذه الأسرة وتوطدت علاقتنا بها.. خصوصا عندما تقدم مجيد لخطبة الثالثة في ترتيب البنات واسمها شاهين.. بعد فترة تزوجا).

مجيد لم يكن الوحيد الذي صادقته .. هناك فرق كروية من منطقة القصيص كانت تجمعنا معها مباريات لا تقل سخونة عن مباريات الأهلي والزمالك.. في ذلك الوقت كانت الملاعب الشعبية (الفريج كما يطلق عليها في الإمارات) منتشرة بكثرة.. وبالتالي أصبحنا معروفين لدى هذه الفرق وكباتنها.. وحين يأتي رمضان وتأتي معه الدورات الرمضانية كانت هذه الفرق تتسابق على ضم اللاعبين لخوض المنافسات.. كنت من بين هؤلاء.. أشارك مع أكثر من فريق باتفاق أن لا تتعارض مواعيد المباريات.. وكان شرط المكافأة هو الفوز بأحد المراكز الثلاثة الأولى.

 يمين التقاطع في نهاية شارع المكتوم ملعب إلى جانب سينما ديرة (قبل الإزالة.. بنايات جديدة الآن حلت مكان الملعب والسينما) جمعتنا دورة رمضانية تضم فرقا قوية وبمكافآت مالية كبيرة (المسؤولون أو المعلنون على قمصان الفرق يتكفلون بدفع رسوم الإشتراك) .. هذه الدورة شهدت مشاركة واسعة من لاعبي الأندية أذكر من بينهم علي مالله وشقيقه مبارك من نادي النصر.. وفي هذه الدورة خرجنا من دور ربع النهائي.

دورة رمضانية أخرى ما زلت أتذكر أحداثها.. كانت على ملاعب النادي الأهلي الفرعية في القصيص.. ملاعب مجهزة بالحشيش الطبيعي.. ملاعب لم نعتدها من قبل.. أحضرت حذائي المتآكل من الأسفل جراء اللعب على ملاعب ترابية.. انتظرنا أن يأتي المدافع جهة اليمين .. تأخر.. وقع الاختيار أن ألعب في هذا المركز.. اعترضت بشدة .. أنا مركزي وسط مهاجم.. معلهش إلى أن يأتي المدافع بس.. رفضت .. عشان خاطرنا .. قبلت .. وكانت الطامة.. فقد تم رش الملعب بالماء.. وألعب في غير مركزي.. والحذاء يا ساتر.. ومن الذي كان يلعب في الجهة اليسرى للفريق المنافس؟؟ صلاح راشد لاعب النادي الأهلي بشحمه ولحمه.. بإختصار (كنت بلعب إسكيت وليس كرة قدم..يعني الشورت أصبح بلون النجيلة).. استدركت الأمر وأستعرت حذاء أحدهم.. مدافع الفريق وصل.. (أخذ نصيبه من السباب).. لعبت في مركزي .. قلبنا تأخرنا بالثلاثة إلى فوز بالخمسة..

(12)

مع أول بطولة لكرة القدم بين أقسام بلدية دبي سجل فريق قسم المواصلات العامة حضوره القوي.. كانت البطولة تقام على ملاعب نادي الشباب الفرعية (بعد دمج أندية الشباب والأهلي ودبي قبل عامين.. اصبح الأسم نادي شباب الأهلي دبي).. غير أن إحدى نسخها أقيمت على ملعب نادي ضباط شرطة دبي بالقرهود.. كان للبطولة صداها الكبير في المبنى الرئيسي للبلدية .. تحكيم منتدب من لجنة الحكام بالدوري الإماراتي .. حضور جماهيري لا بأس به.. فريق شؤون الموظفين كان منافسنا الوحيد في كل النسخ .. معظم لاعبيه كانوا من فرق أندية دبي (الأهلي والشباب والنصر والوصل.. نادي دبي لم يكن على الخارطة آنذاك.. أما نادي حتا فقد كان على أبواب اللعب في القسم الثاني).. هكذا هم.. لاعبون يعملون في قسم شؤون الموظفين صباحا.. وفي أنديتهم مساء.. في بعض الدورات لم ينصفنا التحكيم .. وفي كل الأحوال كان المركز الثاني هو قدرنا.. المهم في هذه البطولة أنها كانت تقام كل عام بانتظام.. وتحاط برعاية ومتابعة من المسؤولين عن فريق بلدية دبي الذي يشارك في دوري المؤسسات على مستوى الإمارات.. هذا الدوري الذي كان يستقطب لاعبين من مصر والمغرب وتونس وبلدان أخرى كموظفين أو محترفين مع الفرق المشاركة.. وقد وقع الاختيار لأن أكون لاعبا في فريق البلدية في تلك الفترة.. لكنني لم أشارك أكثر من دقائق في بعض المباريات.

كثيرة هي الملاعب التي شهدت صراخنا وصيحاتنا .. لم يبق ملعب واحد من هذه الملاعب.. كل الملاعب أقيمت عليها بنايات أو دخلت حيز المساكن الشعبية.. خصوصا في مناطق القصيص والحمرية والبوطينة والقوز.. في منطقة البوطينة وإلى جوار فندق إكسلسيور (شيراتون حاليا).. جمعنا ملعب رملي .. كان مجهزا بجهود ذاتية للعب ليلا (إنارة قوية على نفقة لاعبين مقتدرين).. تجربة جديدة أن نلعب ليلا في غير ليالي رمضان .. وإذ أذكر هذا الملعب على وجه الخصوص .. فقد تعرفت فيه إلى خليفة حارب (عضو مجلس إدارة نادي الشباب لسنوات طويلة..).. وكان معنا أيضا سعيد عبد الله (لاعب نادي الوصل آنذاك.. ومن ثم حكم دولي).. وآخرون.

بعد فترة أشار علينا خليفة حارب أن نلعب على الملاعب الخماسية في نادي الشباب.. مواقف للسيارات.. إنارة.. ملعب مجهز بالكامل.. وقد كان.. وانضم إلى المجموعة في تلك الفترة الإعلامي أحمد الشيخ.

عام 2007 تقريبا، ذهبت إلى مكتب خليفة حارب في نادي الشباب لأجري حوارا صحافيا معه (بورتريه).. كان من بين الذكريات أن تطرق إلى ممارسة كرة القدم على ملاعب الفريج.. وحين تذكر الأسماء .. احسست بحزن في نبرة صوته .. لقد تكبر البعض علينا يا أسواني .. لا يتصلون ولا يجاوبون على اتصالاتنا رغم أننا لا نريد منهم شيئا.. تذكرت الملعب الذي كنا نلعب عليه؟؟ وتذكرت كيف كنا نمرر الكرة من بين قدمي الحارس العملاق.

قبل أن أغادر ذكريات نادي الشباب.. تحضرني المباراة التي جمعت فريق الجالية المصرية مع فريق شرطة دبي على الملعب الفرعي الكبير.. المباراة كانت على شرف الفنان الراحل جورج سيدهم .. والفنان صلاح السعدني، متعه الله بالصحة، كنا نلعب بحماس شديد .. وكذلك شرطة دبي.. لكن يبدو أن الفنانين قد تعبا.. لينقلب الملعب إلى مسرح ومسرحية كوميدية.. لم احتمل البقاء في الملعب وخرجت .. بعد انتهاء (العرض) توجه السعدني ناحيتي بضحكته المجلجلة: يا كابتن ما تحبكاش .. احنا بنهزر .. ولا يهمك يا استاذ .. أهلا بك في دبي..
---------------------------------
بقلم: عز الدين الأسواني

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية 

الحلقة الثالثة







اعلان