ذات يوم سألني ابني: لماذا أنت فقير والأوباش أغنياء؟ كان السؤال صعبا، ورغم ذلك قررت الإجابة عنه، قلت له لأنهم سلبوا صوتي الانتخابي وحقوقي في الديمقراطية، طبعا لم يقتنع الابن بهذه الإجابة، فما علاقة الانتخابات والديمقراطية بالغنى والفقر من وجهة نظره، قلت له سوف أوضح لك الأمر، نحن في البلاد المتخلفة تحرص النظم الاستبدادية التي تحكمنا على مر العصور على أن تسلبنا حقنا في الانتخابات واختيار من يحكمونا، وبذلك تضمن بقاءها حاكمة إلى سنين طويلة جدا، وهي تقوم بذلك من أجل ان تشبع رغبتها في الاستيلاء على الأموال من خلال جمع الضرائب الباهظة والرسوم المبالغ فيها وهو يسمى الدخل الحكومي، والحكومة تزيد كل عام من هذه الضرائب والرسوم ليزيد دخلها، بالاضافة إلى ذلك تستولي لنفسها على جميع ثروات البلاد من بترول وغاز ومناجم ذهب ومعادن، ولا تقدم للمواطن شيئا يذكر مقابل ذلك، صحيح أنها من المفروض أن توفر الأمن وتحمي البلاد ضد أي عدوان، لكنها تفعل القليل في هذا الأمر، فهي تحرص على توفير الأمن لنظامها السياسي، وتمنع العدوان الخارجي حتى يستقر حكمها، أما بالنسبة لأمن المواطن (الجنائي) فهناك تفريط كبير في هذا الأمر، وبالنسبة للحرص على سلامة أرض الوطن ومياهه الإقليمية وثرواته فنراها تتنازل عنها للقريب والبعيد، انظر كيف تنازلت عن جزء من أرض الوطن هو تيران وصنافير للسعودية وكيف فرطت في مياهنا الإقليمية وما بها من ثروات الغاز لقبرص وإسرائيل واليونان.

قال وما دخل ذلك بأنك فقير؟ قلت تمهل قليلا، فالحكومة عندما سلبت صوتي وحقي الانتخابي تم اختيار نواب يشرعون ويصدرون القوانين التي تعدها الحكومة وتقدمها لمجلس النواب، وأغلبها قوانين هدفها ان يزيد الفقر بين المواطنين، لأن الفقراء والجهلة من السهل قيادتهم والتحكم فيهم، كما ان الفقر والجهل يؤديان إلى انتشار التسرب من التعليم وانتشار المرض، والجهلة والمرضى وكذلك الأغنياء لا يقاومون مستبدا، إنما من يقاومه ويسعى الى أخذ حقوقه هي الطبقة الوسطى من الموظفين والمتعلمين الذين يحرصون على أن يحظوا بحياة مناسبة لتعليمهم، حياة تشبه حياة الأمم الاخرى على الجانب الاخر من البحر المتوسط.

وعندما شرعنت الحكومة نظامها لم يعد لها هم إلا سلب حقوقنا وفرض الضرائب الباهظة علينا والاقتراض من الخارج من البنك الدولي وصندوق النقد والسعودية والامارات والكويت واليابان والصين وروسيا وغيرها حتى تجاوزت هذه الديون او قاربت الدخل القومي، وهو ما يجعلنا نظل فقراء، ليس جيلي فقط بل جيلكم والأجيال التي ستاتي بعدكم، لن نستطيع سداد هذه الديون وفوائدها الكبيرة، وهو ما سيجعل هذه الدول تتدخل في القرار الداخلي لنا وتفرض وصايتها علينا، وتقول لنا اصرف هنا ولا تصرف هنا حتى تضمن ان تسترد ديونها، وبالتالي سيكون هناك المزيد من الفقر والجهل والمرض، بسبب خفض النفقات على التعليم والصحة والزراعة والصناعة وغيرها، وسيتم رهن جميع مقدرات الدولة للدول الأجنبية.

الآن عرفت لماذا أنا فقير والأوباش أغنياء؟
--------------------
بقلم: صلاح العربي