التراجع الحكومي عن الضرائب لم يطفئ غضب الفرنسيين تماما، والاحتجاجات مستمرة بسبب عدد من القضايا الأخرى من بينها التعليم والدور الاجتماعي للدولة
اتسعت فجوة الغضب في فرنسا وصلت إلي حد الحرق والتخريب لمعظم المعالم الفرنسية بوسط العاصمة باريس في الشانزليزية، والتي تعد أكبر أزمة في فرنسا منذ الثورة الطلابية عام 1968، تواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ انتخابه العام الماضي.
وعلي مدار الأسابيع الماضية شهدت باريس احتجاجات عنيفة رفضا لقرار فرض ضرائب على أسعار الوقود، بدعوة من حركة "السترات الصفراء"، وشهدت المظاهرات اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين حيث اعتدت قوات الأمن على المتظاهرين مستخدمة قنابل الغاز وخراطيم المياه، وتوفي 4 أشخاص في البلاد منذ اندلاع الاحتجاجات في 17 نوفمبر الماضي.
ووصلت حدة المصادمات بين قوات الأمن الفرنسية وأنصار حركة السترات الصفراء في باريس، مما دفع السلطات إلى نشر مدرعات للمرة الأولى في العاصمة منذ سنوات، في وقت ارتفع عدد الجرحى والموقوفين من المتظاهرين الذين رفعوا سقف مطالبهم نحو إقالة الرئيس إيمانويل ماكرون.
وقام بعض المتظاهرين بإضرام النار في العديد من السيارات في شوارع العاصمة باريس وعمدوا إلى تخريب المرافق العامة وتحطيم زجاج المحلات.
ورغم تراجع الرئيس الفرنسي ماكرون عن القرارات التي أثارت الغضب وإطلاقه حزمة وعود، إلا أنه لايبدو أن الاحتجاجات أخمدت بشكل نهائي، فهناك رغبة في استمرارها لتثير عدداً من القضايا الأخرى، من بينها نظام التعليم.
ورفع بعض المتظاهرين لافتات تدعو إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، ورحيل ماكرون قبل خطاب محاولة احتواء الغضب.
وتحولت السترات الصفراء بشكل سريع إلى تظاهرات حاشدة ضمت أكثر من ربع مليون شخص جعلت العالم يترقب ماذا يحدث في فرنسا، وهل ستتحول المظاهرات إلي ثورة ربيع أوروبي علي غرار ثورات الربيع العربي.
ووفق وسائل إعلام فرنسية، يري المتظاهرون الفرنسيون، أنه "لم يعد لدى الشعب ما يخسره".
ويري مراقبون أن التراجع الحكومي عن الضرائب لم يطفئ غضب الفرنسيين الذين باتوا يشعرون بأن فرنسا بدأت تتخلى تدريجيا عن الدور الاجتماعي للدولة، لصالح الليبرالية المتوحشة التي تثقل كاهل الطبقات الوسطى والفقيرة بالضرائب مقابل تخفيف الحمل عن الأثرياء، وهو ما يقره الرئيس الفرنسي بالتخفيض في الضريبة على الثروة".
وأضافوا أن منطلقات الحكومة الفرنسية في التخفيف على ضريبة الثروة تحمل أبعادا اقتصادية، تسعى باريس من خلالها إلى كبح مغادرة رجال الأعمال الفرنسيين للبلاد بسبب ارتفاع الضرائب المسلطة عليهم، إلا أن ذلك يبدو غير مقنع لأغلبية فرنسية ترى أنها مستهدفة بدرجة أولى من وراء هذه القرارات".
في سياق متصل، وصفت صحيفة "الجارديان" البريطانية، احتجاجات السترات الصفراء بـ"الانتفاضة".
وأضافت في مقال لـ جون ليشفيلد المتخصص في الشئون الفرنسية، أن ما حدث من احتجاجات مصحوبة بأعمال عنف يعد انتفاضة شعبية تعبر عن كراهية شديدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والشرطة وسياسات الدولة بوجه عام.
وأشارت إلى أعمال العنف والتخريب الضخمة في باريس وخاصة ما تعرض له "قوس النصر" ، موضحا أن البلاد لم تشهد أعمال عنف بهذا الحجم منذ انتفاضة الطلبة والعمال في 1968.
وقال جون الذي عاش في فرنسا لأكثر من 22 عاما، إن الاحتجاجات تجاوزت أعمال الشغب وتحولت إلى انتفاضة.
واعتقلت الشرطة الفرنسية نحو 1500 متظاهر ممن يقومون بأعمال تخريبية وعنف خلال المظاهرات، كما وضعت نحو 720 قيد الحبس الاحتياطي في جميع أنحاء فرنسا.
ويبدو أن فرنسا أطلقت شرارة ربيع أوروبي علي خطي الربيع العربي التي اجتاح بعض الدول العربية في 2011، حيث انتقلت احتجاجات "السترات الصفراء" إلى كل من بلجيكا وهولندا، اللتين شهدتا، تحركات مماثلة.
وأطلقت الشرطة البلجيكية، الغاز المسيل للدموع، واستخدمت خراطيم المياه لتفريق متظاهرين ارتدوا سترات صفراء علي غرار متظاهري فرنسا بالقرب من مكاتب الحكومة والبرلمان.
وحطم متظاهرون لافتات الشوارع وإشارات مرور بالقرب من حاجز للشرطة بعد منعهم من الوصول إلى مكتب رئيس الوزراء تشارلز ميشيل في العاصمة بروكسل، ورددوا شعارات تطالبه بالاستقالة.
ورشق عدد من المتظاهرين رجال الشرطة بالحجارة وأطلقوا عليهم ألعابا نارية، وقالت الشرطة إن حوالي 400 متظاهر تجمعوا في المنطقة، احتجاجا على سياسات الحكومة.
وأوقفت الشرطة 70 شخصا قبل تظاهرة "السترات الصفراء" في العاصمة بروكسل، وقالت المتحدثة باسم شرطة بروكسل، إلسي فان دي كيير: "أحصينا توقيف نحو سبعين شخصا بعد عمليات التدقيق التي أجريناها بشكل وقائي"، وفق ما نقلت فرانس برس.
وفي هولندا، تجمع حوالي 100 شخص في مظاهرة سلمية خارج البرلمان الهولندي في لاهاي، واحتجزت الشرطة اثنين من المتظاهرين على الأقل وسط أمستردام.
ويتوقع مراقبون أن تشهد بعض الدول الأوروبية في المرحلة المقبلة أحداثا شبيهه بفرنسا، على نمط الربيع العربي التي نجح في إسقاط أنظمة حاكمة في مصر وتونس وليبيا واليمن، لكن كثيرا من الثورات التي بدأت بيضاء تحولت إلى مآسي أهلية، حيث شهدت اليمن وليبيا حروبا أهلية وتدخلات إقليمية وأجنبية، فيما ظل النظام صامدا في سوريا رغم مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين.