25 - 04 - 2024

إشارة خطر في كمين العياط

إشارة خطر في كمين العياط

حادث أم عملية، خطأ سائق أم تم مع سبق إصرار، وليد اللحظة أم مخطط له، عارض أم سيتكرر، أسئلة قد تجيب عنها التحقيقات التي بدأت في مقتل ضابطي شرطة "كمين العياط" بمحافظة الجيزة الأحد الماضي؛ والذي اقتحمته سيارة نقل أودت بحياة الضابطين وأصابت مواطنين أخرين، وعلى أساسها سيتم تصنيف الجريمة جنائية أو إرهابية، والفرق بينهما شاسع.

فرغم أن الحادث يبقى ذاته في وقائعه وضحاياه، لكن الفرق يكمن في التفاصيل؛ في الأسباب التي تقف وراءه والهدف منه؛ في أفكار الفاعل وفي انتمائه؛ فيمن خطط ومَّن أعطى الأمر، وإن وشت الإجابة بعملية مقصودة؛ فذلك يعد خطرا يجب التوقف عنده، كونها سابقة في هجوم شهدته عدة دول غربية، وقام به من يعرفون بـ"الذئاب المنفردة" التابع لتنظيم "داعش"، متمثلا في عمليات "دهس" أو "طعن".

وإذا كان ضابطي الكمين قتلا بسيارة؛ قرر سائقها استعمالها كسلاح، فهي إشارة وإعلان لدخول نهج هذه "الذئاب" لمصر (حتى وإن لم تكن "منفردة" بالمعنى الحركي والتنظيمي)، ولا يعني ذلك بالضرورة انتماء الفاعل للدولة الإسلامية أو القاعدة، فالفروق بين المنتمين للجماعات الإسلامية ذابت، كما زالت المساحات الفاصلة بين ما كان يوصف بالاعتدال أو الإسلام السياسي؛ وممثله الأبرز الإخوان المسلمون وباقي تيارات العنف، وأصبحت السيولة هي السمة الحاكمة في العلاقة بينهم؛ وفي الانتقال بين الأعضاء.

أدوات ووسائل العنف ذاتها، من استخدام المسدسات والقنابل إلى المركبات المفخخة والعمليات الانتحارية، والتي يعتقد كثيرون أنها من لبنات أفكار التنظيمات المسلحة بالخارج، لكن الحقيقة أن بدايتها كانت على يد "الإخوان المسلمين" في أربعينيات القرن العشرين، فهم أول من استخدم السيارات والموتوسيكل المفخخ في الصراع الداخلي.

كما يسجل تاريخ العنف أن دكتور "أحمد الملط" عضو التنظيم الخاص للإخوان كان أول من خطط لاغتيال رئيس وزراء مصر "إبراهيم عبد الهادي" في مايو 1949 بعملية انتحارية، وبنى خطته على اصطدام سيارة مجهزة بعبوات ناسفة يقودها "مصطفى عبد المجيد كمال" بسيارة عبد الهادي؛ لتنفجر السيارتان بمن فيهما، لكن كمال خشي أن يكون "منتحرا"، وفضل الهجوم على الموكب بالقنابل والبنادق.

لكن تم استدعاء هذه العلميات وتنفيذها لاحقا؛ بعد منحها شرعية الاستخدام في أفغانستان وفلسطين والعراق، ومن ثم عادت في المواجهات المحلية ضد مَّن تتخذهم هذه الجماعات أعداءً لها، سواء من الجيش والشرطة أو رموز النظام الحاكم وكل مؤيد له أو قابل به أو صامت عليه؛ فالجميع مستهدف.

المعضلة لو تأكد أن الحادث إرهابي ستكون في التعاطي الرسمي معه، فمن السهل القول إن السيارة أصابها خلل وإن قائدها فقد السيطرة عليها، لكن هذه السياسة تقع في خانة الخطأ الأكبر، فهي هروب للأمام لا يغلق باب تكراره، ويمنح المخططين فرصة لمضاعفة مكاسبهم، فالهدف القريب من أي عملية استهداف الضباط، أما المبتغى البعيد فهو إيصال الشرطة للتعامل مع كل شخص على أنه قاتل محتمل، وما ينتج عن ذلك من أثر على الأداء وعلى تماسك المجتمع، ولا سبيل لإفشال مخططهم إلا بالمكاشفة وبعودة المواطن شريكا في القرارات، ليس في مواجهة الإرهاب فقط.
---------------------
بقلم: سوزان حرفي

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان