06 - 05 - 2025

عدوى التطبيع تتنقل - علانية - بين عواصم الخليج رغم العدوان الإسرائيلي والعنتريات الكاذبة

عدوى التطبيع تتنقل - علانية - بين عواصم الخليج رغم العدوان الإسرائيلي والعنتريات الكاذبة

العلاقات مع إسرائيل تتنقل كالمرض المعدي من بلد لآخر في إشارة لنفض اليد من الصراع 

علاقات إسرائيلية سرية مع السعودية من تحت الرادار واستغلال متوقع لأزمة مقتل خاشقجي

نتنياهو في مسقط .. ووزيرة إسرائيلية في أبو ظبي وآخر في دبي وفريق رياضي في الدوحة

تطور غير مسبوق تشهده العلاقات الإسرائيلية مع العديد من الدول العربية، وبالاخص دول الخليج التي لا تربطها بالدولة العبرية أي معاهدات سلام والتي لطالما وضعت شروطا للتطبيع.

التطبيع الذي ينتقل كالمرض المعدي من دولة خليجية لأخرى يتم علي مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية أيضا، وأخذ الكثير منه طابعًا علنيًا، فيما اعتبرته تقارير دولية مقدمةً للتطبيع الكامل ونفض اليد من الصراع العربي- الإسرائيلي..

وإلي جانب العلاقات المعلنة، ذكرت تقارير غربية وعربية وعبرية تفاصيل عن علاقات سرية "متينة" بين تل أبيب وعواصم عربية، وهو ما عززه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإعلانه مؤخرًا وجود تطوّر كبير في العلاقات مع الدول العربية، واصفاً الوضع الحالي بـ "غير المسبوق".

وتسارعت وتيرة التطبيع بشكل ملفت بين الدول الخليجية واسرائيل، كمقدمة مجانية لتنفيذ ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية.

بدأ نزيف التطبيع العربي على أعلى مستوى بزيارة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل المتطرف بزيارة مسقط وبدا أنه قوبل بحفاوة سلطانية وعقبه وصل وزير المواصلات والإستخبارات الإسرئيلي "يسرائيل كاتس" في الرابع من نوفمبر الجاريآ  إلى العاصمة العمانية مسقط للمشاركة في مؤتمر دولي حول النقل والمواصلات الدولية.

وقُبيل توجهه إلى العاصمة العمانية، قال كاتس إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كلّفه بـ"طرح مشروع مد سكة حديدية تربط الدول الخليجية بإسرائيل والبحر الأبيض المتوسط مروراً بالأردن" في المؤتمر الذي ستستضيفه مسقط.

وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن هذا المشروع الصهيوني يشمل في مرحلته الأولى مدّ خطوط برية للشاحنات ثم مدّ سكة حديدية لنقل البضائع والسلع بين الموانئ الإسرائيلية على ضفة البحر الأبيض المتوسط وموانئ الدول العربية بالخليج في كلا الإتجاهين.

وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها عضو من حكومة الإحتلال الإسرائيلي برتبة وزير العاصمة العمانية من أجل المشاركة في مؤتمر دولي بحيث ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن زيارة الوزير الإسرائيلي لمسقط تؤكد على العلاقات "الوثيقة" التي تربط بين عمان وتل ابيب.

ووصفت تل ابيب المشروع الجديد بـ"سكة السلام الإقتصادي الإقليمي".

فيما قام وزير الإتصالات الإسرائيلي "أيوب قرا" بزيارة دبي نهاية أكتوبر الماضي للمشاركة في مؤتمر دولي حول الإتصالات وبعده بيوم واحد تواجدت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميري ريغيف" في العاصمة الإماراتية أبوظبي برفقة منتخب الجودو الإسرائيلي الذي شارك في بطولة الجودو الدولية التي تقام سنوياً في الإمارات وباتت تُعرف بـ "بطولة جراند سلام أبوظبي".

وما يثير الاستغراب هو أن النشيد الإسرائيلي عُزف في نهاية مباريات البطولة في أبوظبي وبحضور الوزيرة الإسرائيلية المتطرفة التي لم تتخيل يوماً أن ترى بأم عينها رفع علم كيانها وعزف نشيده من دولة عربية، ماآ  جعلتها لا تتمالك دموعها فرحاً ومرحاً!

البحرين بدورها شاركت في ذات السباق بفريق رياضي أيضًا، وقد نشر جندلمان عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا للفريق البحريني، وأعرب عن ترحيبه به.

لكن مشاركة الفريق الرياضي البحريني في سباق الدراجات، ليست المؤشر الوحيد على تطور علاقات المنامة بتل أبيب.

فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، في يوليو، أن إسرائيل شاركت في الدورة الـ42 للجنة التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة، التي عقدت بذات الشهر في البحرين.

لم تتخلف قطر عن ركب التطبيع مع الإحتلال حيث إستضافت العاصمة القطرية الدوحة من 25 أكتوبر الماضي بطولة العالم للجمباز التي شارك فيها الفريق الإسرائيلي وتمّ رفع علم الاحتلال وعزف نشيده في يوم إفتتاح المباريات الدولية.

وعلى الجانب المصري ومنذ بداية العام الجاري، جرت اتصالات مكثفة بين القاهرة وتل أبيب جُلّها تتعلق بالأوضاع في قطاع غزة.

وأجرت وفود أمنية مصرية خلال الأشهر الثلاثة الماضية زيارات مكثفة إلى إسرائيل وغزة والضفة الغربية، لبحث تنفيذ اتفاقيات المصالحة الفلسطينية وعقد اتفاق تهدئة بين الفصائل المسلحة بغزة وإسرائيل.

وعلى صعيد العلاقات المشتركة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية في فبرايرآ  توقيع صفقة "تاريخية" بمليارات الدولارات لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر.

وكان موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية قد نشر في وقت سابق بندا في موازنة العام 2013، خصصت فيه مبالغ لفتح 11 مكتبا تمثيليا في جميع أنحاء العالم، أحدها في منطقة الخليج لم يفصح عنه الموقع لكن صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أكدت أن المكتب التمثيلي هذا متواجد في العاصمة الاماراتية أبو ظبي. إلا أن الخبر هذا تم حذفه لاحقاً من موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية في محاولة لتغطية الخبر.

علاقات مع السعودية

لعل أحد أبرز الأحداث خلال الصيف الماضي كان الانفراج في العلاقات السعودية الإسرائيلية من خلال مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن أوائل يوليو. وكان “دوري غولد” وهو أحد المقربين من “نتنياهو” الذي كان مرشحاً لمنصب مدير عام في وزارة الخارجية الإسرائيلية، قد شارك في لقاء لهذا المجلس جمعه مع الجنرال السعودي “أنور عشقي” والذي يعد أحد أهم مستشاري الملك السعودي ورئيس مركز دراسات استخباراتي في جدة. وعقب الاجتماع تبادل الرجلان أطراف الحديث وتبادلا وجهات النظر حول الشرق الأوسط والأحداث الدائرة فيه.

تعود بداية الاتصالات السعودية الإسرائيلية الحقيقية إلى فترة السبعينات، حيث كان مدير المخابرات السعودية العامة “كمال أدهم” (1965 حتى 1979)، في تلك الفترة قام بترتيب بعض الاتصالات الدبلوماسية بين الطرفين بعد الضغط الأمريكي على السعودية، وشملت المحادثات في تلك الفترة نقاشاً عاماً حول مستقبل المنطقة والسياسات الخاصة بكل منقطة فيها.

ولعل تعاظم العلاقة هذا هو الذي قاد أحد المسؤولين الإسرائليين ذات مرة لزيارة الرياض بهدف الاجتماع مع القيادات السعودية هناك،المعلومة وفق ما صرح به المسؤول نفسه للصحفي في جريدة واشنطن بوست “سايمون هندرسون”، حيث تم خلال اللقاء تبادل وجهات النظر حول المنطقة ولم يحتوي الحوار على كثير من التفاهمات كما هو الحال الآن بقدر ما احتوى على بداية بناء قناة للتواصل بين الطرفين وكسب الثقة.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “إسحاق رابين” قد قام بزيارة سلطنة عمان عام 1994 والتقى هناك بالسلطان “قابوس”. وبعد اغتيال “رابين”، قام وزير الخارجية العماني “يوسف بن علوي” بزيارة القدس، والتقى هناك بالقائم بأعمال رئيس الوزراء، بعد اغتيال “رابين”، “شيمون بيريز”. 

وفي 1996 وقعت الدولتان اتفاقاً لفتح مكاتب تمثيل تجارية مفتوحة. وفي العام نفسه وافقت قطر على فعل نفس الشيء مع (إسرائيل).

زار “بيريز” العاصمتين، الدوحة ومسقط، وتمكن من فتح علاقات واسعة هناك وأنشأ مكاتب تمثيلية في كلا الدولتين، إلا أن المكتب المتواجد في عُمان تم إغلاقه عام 2000 والمكتب المتواجد في قطر أغلق في العام 2009. ومع أن إغلاق المكتب التمثيلي في عمان سبق إغلاق نظيره في قطر، إلا أن علاقة (إسرائيل) بعمان تتمتع بحيوية مستمرة أكثر من علاقة قطر بـ(إسرائيل).

من جهة أخرى، يواصل الفنيون الإسرائيليون التعاون مع مسقط في مجال تحلية المياه، أما الدوحة كانت قد بدأت علاقتها مع إسرائيل كوسيلة لتحسين علاقتها بواشنطن، عبر التماس الدعم من الكونغرس الأمريكي. أما الآن فيبدو أن معالم السياسة القطرية شهدت تغييراً في ذات الموقف خاصة بعد ثورات الربيع العربي ومواقف قطر الأخيرة.

تذبذب العلاقات

قد يكون وصف العلاقات بالجيدة بشكل عام جواباً كافياً هنا، لكنه لا يزال بحاجة أكبر إلى التوضيح والشرح ومزيد من التفاصيل. فعلى الرغم من القلق المشترك الذي يجمع دول الخليج مجتمعة و(إسرائيل) من برنامج إيران النووي وطموحات طهران في المنطقة، إلا أن ردود أفعال دول الخليج على الاتفاق النووي جاءت محبطة لـ(إسرائيل) بشكل أو بآخر.

فعندما تم الإعلان عن الاتفاق النووي في (14|7) بـ”فيينا” أعربت دول الخليج عن تأييدها لحل “أوباما” لهذه الأزمة رغم تحفظهم على بعض التفاصيل والتي طلبوا الاستيضاح بشأنها. إلا أن (إسرائيل) على الطرف الآخر، رفضت الاتفاق جملة وتفصيلاً واعتبرته سقطة من الإدارة الأمريكية. 

ولعل موقف دول الخليج هذا أعاد تذكير دوائر الحكم في (إسرائيل) أن حجم الروابط مع دول الخليج يجب أن يكون أكبر ويتمتع بصيغ أكثر حيوية. على الأقل لتفادي هذا التضارب الحاصل بقضية تربط الاثنين مصيرياً.

وتقول صحيفة واشنطن بوست الامريكية ان وفر الصيف الماضي بسبب كثافة أحداثه حصاداً جيداً لقياس علاقة إسرائيل وطبيعتها بالدول العربية وخاصة دول الخليج. وكان السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة “مايكل أورن” قد كتب واصفاً شكل هذه العلاقات التي جمعت دول الخليج بإسرائيل حيث قال:”إحدى أهم الامتيازات التي يحظى بها السفير الإسرائيلي في واشنطن تتمثل في قدرته على لقاء عدد كبير من الشخصيات العربية والدبلوماسيين العرب دون أي سجل أو متابعة إعلامية. وباستثناء السفير السعودي، فإن كل نظرائه كانوا على استعداد للتحدث معي، بل والجلوس في جلسات نقاشية وتسلية. لقد كانوا استثنائيين”.

ووفقاً لنفس التقرير أيضا فإن “نتنياهو” وأثناء لقائه وزير الدفاع الأمريكي “آشتون كارتر” في يوليو الماضي بغية بحث الاتفاق النووي مع إيران، أعرب عن تذمره بسبب التدخل الذي قامت به أمريكا في صفقة أسلحة متطورة عقدت بين بعض الدول الخليجية و(إسرائيل)

ووفقاً لتقارير إسرائيلية أكدها أحد المسؤولين الأمريكين فإن العلاقة المتنامية هذه تثير العديد من التساؤلات والشكوك خاصة وأن الدول الخليجية هذه رغم علاقتها مع (إسرائيل) لم تقم بتبادل الاعتراف معها علانية حتى الآن، وهو ما يعني أن ما يمر تحت الطاولة ودون علم المجتمع الدولي أو وسائل الإعلام أكبر بكثير من مجرد ما يظهر بين الحين والآخر.

وخلص التقرير، إلى أنه “لا يمكن وصف العلاقات الإسرائيلية الخليجية بالبسيطة، بل يتمتع الطرفان بعلاقات قوية على مختلف الأصعدة سواء في الجانب الدبلوماسي أو العسكري أو الاقتصادي وربما حتى في الجانب الاستخباراتي والأمني، وجميع المؤشرات تتحدث عن نمو مضطرد في هذه العلاقة التي تجمع بين الطرفين ولعل السنوات القادمة ستكشف لنا مزيداً من الحقائق عن طبيعة العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج”.

ويجمع آساف غيبور، الخبير الإسرائيلي الشؤون العربية جميع ما سبق خلال مقال له، إن "الزيارة السرية لبنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان وإلقاء النشيد الوطني الإسرائيلي "هاتكفاه" في إمارة أبو ظبي الإماراتية، والمشاركة الإسرائيلية في البطولة الرياضية في قطر، ثلاث أحداث في ثلاث دول عربية توضح أن التعامل مع إسرائيل أصبح متغيرا".

وأضاف في مقاله المنشور بصحيفة مكور ريشون، أن "هناك علاقات إسرائيلية عربية ليست رسمية من تحت الرادار، ومستمرة منذ سنوات طويلة بين إسرائيل والدول الخليجية، لكن الجديد فيها في الآونة الأخيرة يخرج هذه العلاقات من الخزانة المغلقة، وبات يتم تناولها بصورة علنية، وبدا أن زيارة عمان جزء من برنامج مكثف إسرائيلي في دول الخليج". 

وأوضح غيبور، الباحث في العلاقات الدولية والشرق الأوسط بجامعة بار-إيلان، أن "هذه الزيارات إلى عمان والإمارات وقطر، أثارت حالة من الغيرة لدى الجارة الكبرى السعودية، رغم دعم ولي العهد محمد بن سلمان لصفقة القرن، واستمرار العلاقات السرية بين الرياض وتل أبيب".

وأشار إلى أن "الصحافة السعودية وجهت انتقادا ضمنيا لسلوك السلطنة الذي يحاول الإمساك بالحبل من طرفيه، بزعم أن عمان لم تظهر موقفها من ثلاث قضايا مركزية: حرب اليمن، والملف الفلسطيني، والعقوبات على إيران".

ونقل عن دبلوماسي إسرائيلي أن "دول الخليج علاقاتها مركبة، فهناك انتقاد داخلي بينها بمختلف المواضيع، بما فيها العلاقات مع إسرائيل، صحيح أنها لا تخوض بينها حروبا، لكنها في الوقت ذاته لا تعيش علاقات غرامية، علاقاتها قائمة على التنافس في الساحة الدبلوماسية، واليوم دخلت العلاقات العلنية مع إسرائيل، مع أن التقارب الإسرائيلي الخليجي يتقوى مباشرة مع تراجع الملف الفلسطيني في الساحتين العربية والدولية".

ويشير محللون إلى أن الدور المحوري، المنسوب إلى السعودية، في إحياء عملية السلام أصبح محل شك، بعد الاغتيال الصادم للصحفي السعودي جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في تركيا، لكن هذا الموضوع نفسه قد ينقل العلاقات بين إسرائيل والسعودية إلى نطاق العلنية، ويبدو أن نتنياهو في تل أبيب واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة جاهزان تماما للقيام بمهمة تخفيف الضغط على بيت الحكم السعودي، لجني مكاسب قد تصل مدى أبعد من التوقعات.

ونستطيع القول، إن  العلاقات الخليجية -الإسرائيلية التي كانت في مد وجذر، بدأت بالفعل نقطة انطلاق حقيقية.
--------------------

تقرير- أميرة الشريف