06 - 05 - 2025

"النقاب" قنبلة دخان لأوقات الفراغ وأوامر بسحب مشروع القانون (تحقيق)

د. آمنة نصير: التدين المظهري توغل في الشخصية المصرية لدرجة يصعب انتزاعه

أحمد كامل بحيري: لم يتم رصد عمليات إرهابية بالنقاب في مصر

من يقول بالمنع لا يعرف عن المجتمع المصري وعاداته ولا الجماعات الإرهابية وتخطيطها

11 دولة تمنع ارتداء النقاب منها تشاد والصين

د. ثريا عبد الجواد: الحرب على الإرهاب تبدأ بنزع الأفكار المتطرفة 

مجمع البحوث الإسلامية أصدر عام 2009 قرارا بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة في جامعة الأزهر لكن القرار لم يعد مفعلا الآن

البعض أسماها معركة٬ والبعض يعتبرها حرية٬ وبين رافض للنقاب٬ ومطالب به٬ ندخل في جدليات وهمية٬ ولم يكن المشروع الذي أعدت مسودته النائبة غادة عجمي مؤخرا بدافع الحرب على الإرهاب ولدوافع أمنية٬ لتتراجع بعد ذلك عن تقديمه "منعا للانقسامات"٬ وفي تفسير آخر لعدم رضا جهات الدولة عن طرحه في الوقت الحالي. مشروع القانون كان هو الأول من نوعه٬ فمجلس النواب المصري مر بين أروقته هذا القانون مرات ومرات٬ فهل هو قانون حيوي يتماس مع احتياجات المواطنين اليومية حتى يأخذ كل هذا الضجيج والاهتمام من وقت لآخر٬ أم هو مجرد قنبلة دخان تلقى وسط الشعب لينشغل بها بعض الوقت عن قضايا أكثر حيوية؟

تراجع عجمي عن تقديم القانون جاء كما صرحت لم يكن بضغط سياسي من أي فصيل٬ ولكن كما كان مشروع القانون بقرار منها شخصيا٬ كان التراجع شخصيا أيضا.

وكانت النائبة، أعلنت إعدادها لمشروع قانون ينص على حظر ارتداء النقاب أو البرقع أو تغطية الوجه في الأماكن العامة، بكافة أنواعها، في أي وقت وتحت أي ظرف، ومعاقبة كل من يرتديه في الأماكن العامة بغرامة لا تقل عن ألف جنيه.

وذكرت العجمي في المذكرة التفسيرية لمشروع القانون، إن الظروف الأمنية التي تمر بها مصر جعلت من سلبيات النقاب لا تعد ولا تحصى بأية إيجابيات.

الحريديم

من جهتها، قالت مصادر برلمانية إن «الإسلام لا يطلب من المرأة ارتداء النقاب، والمطلوب منها هو ارتداء الملابس المحتشمة وتغطية الشعر، فلا يظهر من المرأة سوى الوجه والكفين؛ إنما تغطية الوجه وعدم ظهور شيء منه إلا العينين هو تقليد غير إسلامي من الأساس».

وأوضحت الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر وعضو البرلمان٬ أنها تجد صعوبة لإقرار قانون أو تشريع يحظر النقاب٬ وقالت: النقاب توغل كمظهر في الشخصية المصرية٬ ولي تجربة فيما عرف بـ" قانون ازدراء الأديان"٬ ولذلك عندما قرأت عن تقديم مشروع قانون للمجلس لحظر النقاب في الأماكن العامة٬ عرفت النتيجة مقدما٬ لأن التدين المظهري توغل في الشخصية المصرية بدرجة يصعب معها انتزاعه٬ لتعود الشخصية المصرية ذات الحضارة المتجذرة.

وأضافت نصير: للأسف هذا ما حاق بنا كمصرين من ثقافة دول الجوار٬ وجلب مظاهر دخيلة على المجتمع المصري.

ومن يقول بأنه حق من حقوق الإنسان أن يرتدي ما يشاء٬ فأين حرية المواطن الآخر الذي من حقه أن يرى وجه وانفعالات من يحدثه أو يجلس أمامه٬ وأيضا هو كلام مغلوط لكل من يقول إنه تشريع إسلامي٬ فهو مظهر لم يعرف في بلاد الشام أو مصر أو المغرب العربي كله٬ ولا نجده إلا في الجزيرة العربية نتيجة اختلاطهم قبل الإسلام بالقبائل اليهودية٬ وما يعرف الآن بـ "الحريديم"، فنسائهم يرتدون النقاب الأسود بشكله المعروف في الجزيرة العربية٬ وأخذوا عن هذه الطائفة اليهودية كل تشددهم خاصة تجاه المرأة٬ فهو ليس من الإسلام في شيء٬ بدليل أن المرأة المحرمة للحج أو العمرة إذا غطت وجهها بطل احرامها٬ وعندما جاء الإسلام ووجد القبائل على هذه الحال لم يقره٬ إنما نزلت الآية الكريمة في سورة النور 31-30 تأمر الرجال والنساء على حد سواء بغض البصر٬ وهذا أمر إلهي٬ فكيف يكون هناك فقه "لبس النقاب" ليبطل تفعيل آية بل هي عبادة "غض البصر"٬ ليأتي هذا الفكر المتطرف ليطالب المرأة بهذا الغطاء الأسود٬ فلماذا نحرص على النقاب ولا نحرص على النص القرآني؟ وأكدت الدكتورة نصير أن القانون سواء تم تقديمه الآن أو بعد سنوات لن يتم تفعيله ولن يقر إلا بقرار سيادي٬ ومحاربة حقيقية لإرهاب الفكر والغلو الذي سيطر على الشخصية المصرية وأضاع هويتها.

ليست مصر

ونفى أحمد كامل البحيري الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والمختص في الجماعات الإرهابية٬ فرضية اتخاذ النقاب وسيلة لتخفي العناصر الإرهابية والقيام بعملية انتحارية موضحا: هناك خمس عمليات قامت بها عناصر إرهابية مختلفة متخفية في زي القوات المسلحة ومنها الهجوم على الكتيبة 101٬ فهل يكون ذلك ذريعة لمنع الزي العسكري؟ ومصر لم تشهد عمليات انتحارية من قبل النساء إلا مرة واحدة٬ ولم يتم رصد أية حالة لهجوم إرهابي في مصر بالنقاب٬ ولكنها حدثت في سوريا والعراق وليبيا.

بالإضافة إلى أن من يقومون بعمليات انتحارية غالبا مرصودين أمنيا٬ وتكون عليهم أحكام ويتم تجنيدهم من الجماعات داخل السجون كما في حالة الاعتداء على الكاتدرائية

وأضاف: عند مناقشة قانون أو قرار يحظر منع ارتداء النقاب علينا أن نفرق بين النقاب الوهابي الذي تمدد لعديد من الدول العربية والإسلامية ومنها مصر٬ وبين البرقع الذي ترتيه نساء القبائل المصرية في سيناء والواحات وغيرها من مدن الصعيد٬ فهو جزء من ثقافة هذه القبائل وعاداتها وتقاليدها.

وأكد بحيري أن حدوث صدامات مع من يطرح النقاب كجزء من مظهره هو جزء من الإرهاب وتأجيجه٬ ومن يتقدم بقانون أو يطالب بمنع هو شخص لا يفقه ماهية الجماعات الإرهابية٬ فسيناء هي بؤرة الإرهاب في مصر والصعيد والصحراء الغربية٬ والدولة بينها وبين من يرتدي النقاب" السلفيون" تحالف ومهادنة٬ فهل نصعد الأمر ليصبح معركة؟ ٬ فكيف لعضو برلمان أن يطرح مثل ذلك الأمر دون بحث سياسي وأمني.

واستشهد بحيري بالدول الأوربية التي حظرت ارتداء النقاب في الأماكن العامة بأنها منعت أي رمز ديني أو إشارة لتمييز ديني حفاظا على علمانية الدولة القائمة على عدم التمييز٬ وهناك دول منعت ارتداء قناع الوجه " السويد" على سبيل المثال٬ حرصا على حياة مشجعي كرة القدم الذين كان يندس بينهم من يرتدون قناعا ويقومون بأعمال تخريبية أو عنف في الملاعب٬ فهذه الدول ليس لها مكون قبلي أو ديني فلها الحق أن تمنع٬ ولكن عندما يكون هناك مكون قبلي أو موروث قبائلي لابد من أخذ ذلك في الاعتبار.

وأضاف بحيري: من الناحية الإجرائية بأن يتم حظر ارتداء النقاب بشكل عام يصعب تطبيقه خاصة في مصر٬ فهو قانون غير قابل للتطبيق٬ وكأننا نقول بقانون كقانون "منع أكل الملوخية"٬ أو قانون تجريم الإفطار في نهار رمضان٬ ولكن هناك إلزام بالمظهر في الدوائر والمؤسسات الحكومية كتنظيم داخلي٬ وكل مؤسسة من حقها وضع ضوابط وشروط لمظهر لائق بموظفيها٬ كذلك منعه في الشارع والأماكن العامة غير منطقي٬ على العكس يمكن أن يتسبب في فوضى الشارع وحدوث مشاجرات وعنف بين الأمن والمواطنين.

جدية 

من جهتها أكدت الدكتورة ثريا عبد الجواد أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية أن ارتداء النقاب نوع من الإرهاب الديني السائد في المجتمع٬ من قبل أدعياء التدين والإسلام السياسي.

وقالت: لو أن الدولة جادة في محاربة الإرهاب٬ لأقرت قوانين تمنع المظاهر المتشددة دينيا٬ ولو أن هناك رغبة حقيقية في التخلص من هذه المظاهر والأفكار الدخيلة على الشخصية المصرية٬ فيكفي ما تجمع في الوجدان الجمعي أنه رمز للتطرف والإرهاب٬ وسمات سلوكية غير مرتبطة بالشخصية المصرية ٬ فلابد من قانون يزيل كل مظاهر التطرف٬ والخروج على صورة المواطن المصري المتسامح٬ ولكن ما يحدث من منع سريان القانون وتفعيله هو انتصار للسلفيين٬ وكل من يريد فرقعة إعلامية يصدر مسودة قانون حظر النقاب٬ وهو ما نجده بين وقت وآخر يطفو على السطح٬ ليخرج علينا في لقاءات صحفية وفضائية ثم بعد ذلك يتراجع عن القانون٬ وهو إن دل إنما يدل على شخصيات على مستوى المسؤولية٬ والدولة ليس لديها الإرادة للتغيير ٬ فمظاهر التدين السلفي هي أول ما يجب أن تحاربه الدولة في حربها على الإرهاب٬ فلنبدأ بنبذ هذه الثقافة المتطرفة.

وقالت عبدالجواد: من الواضح أن النائبة التي تقدمت ثم تراجعت بقانون يحظر ارتداد النقاب في المؤسسات الحكومية والأماكن العامة أنها لم تتراجع بمفردها ولكن تم ابلاغها بذلك٬ حتى لا يكون هناك صدام مع التيار السلفي٬ فكثير من نساء جماعة الإخوان لا تهتم بارتداء النقاب٬ ولكنه مظهر سلفي٬ ولا داعي للاصطدام معهم٬ وتكتفي الدولة بحربها مع جماعة الإخوان.

إعلانات

ولفتت عبدالجواد إلى بعض الإعلانات التي تشترط في المتقدمة للوظيفة أن تكون منتقبة٬ هو تمييز ديني مرفوض أخلاقيا ودستوريا٬ ولكن هل من يعاقب هذه المؤسسات على شرطها٬ فالاستثناءات لابد أن تكون غير موجودة في قوانين العدالة٬ ومن حق الدولة أن تغيير بما يتوافق مع مقاصد الشريعة والعدالة٬ وما يتوافق مع مستجدات العصر٬ لا أن تضع عثرات في سبيل التقدم.

فالدولة إما أنها تقف موقف المتفرج أو المتآمر أحيانا٬ فهذا لا يبني الدولة٬ هناك شروط للعدالة لن تتحقق إلا بالقضاء على مظاهر التمييز بكل صوره.

مشاهدات

  • سبق أن أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 2009 قرارا بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة في جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية خلال الاختبارات؛ لكن هذا القرار لم يعد مفعلا الآن.
  • في حال كان  مرر مجلس النواب القانون، فإن مصر ستنضم لقائمة الدول التي منعت ارتداء النقاب في الأماكن العامة:فرنسا٬ بلجيكا٬ بلغاريا٬ النمسا٬ ألمانيا٬ هولندا٬ الدنمارك٬ الصين٬ إيطاليا٬ تشاد.

حالات تخفي

  • في العام آ 2017تمكنت الأجهزة الأمنية في محافظة الدقهلية من توقيف طالب أثناء ارتدائه «نقابا» والوقوف أمام مدرسة ابتدائية للبنات. 
  • وفي العام نفسه تمكنت قوات الأمن من ضبط أحد العناصر التكفيرية في مدينة العريش بسيناء وهو يرتدي النقاب للتخفي.
    * في عام 2014 تم القبض على شخص ينتمي إلى جماعة الإخوان يرتدي النقاب، ويقوم بتصوير مبنى مديرية الأمن بالإسكندرية. 
  • وفي عام 2015 تم توقيف شخص لاتهامه بمحاولة تفجير معسكر لقوات الأمن بالقاهرة متخفيا في زي منتقبة
    ----------------------------------
    تحقيق- آمال رتيب