06 - 05 - 2025

قضية خاشقجي.. تمثيل جديد بـ"جثة" الإعلام العربي الرسمي

قضية خاشقجي.. تمثيل جديد بـ

وسائل الإعلام الأجنبية تكشف تفاصيل مقتله منذ الأيام الأولى وتحرج الأنظمة العربية

وسائل الإعلام العربية من النفي وادعاء المؤامرة إلى الاعتراف الإجباري

كشفت قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بتركيا، عن القوة الحقيقية للإعلام الغربي الذي تبنى قضية الاختفاء وركز على فرضية القتل منذ البداية حتى الاعتراف الرسمي السعودي بها، في مقابل نظيره العربي، الذي انتقل من الإنكار المطلق إلى التماشي مع الروايات الرسمية، مرورًا باللعب على الأنغام المتكررة بخصوص المؤامرات الدولية والقطرية لما أسموه التربص بالمملكة العربية السعودية.

فمنذ إعلان التركية خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، اختفاءه داخل قنصلية بلاده في الثاني من أكتوبر الماضي، تبنت وكالة "رويترز"، الأمر، لتوفد مراسلها بإسطنبول لزيارة مقر القنصلية، حيث استقبله القنصل السعودي المقال محمد العتيبي، وأخذه في جولة "ساخرة" من أنباء الاختفاء، فتح خلالها أدراج المكاتب بحثًا عن خاشقجي.

وكان خاشقجي يقيم في منفاه الاختياري بالولايات المتحدة منذ أكثر من عام، ومنذ ذلك الحين كتب مقالات بصحيفة "واشنطن بوست" تنتقد السياسات السعودية تجاه قطر وكندا والحرب في اليمن وتعامل السلطات السعودية مع الإعلام والنشطاء، إلا أنه تقدم بقنصلية بلاده بتركيا بطلب أوراق للزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز، التي ذهبت معه في رحلته الأخيرة إليها، لكنها انتظرته خارجها، لتكون المبلغ الأول عن اختفائه، والشاهد الأبرز على عدم خروجه منها.

بعدها، بدأت جريدته، تسليط الضوء على اختفائه بترك مساحة مقاله فارغة، لتنطلق القنوات الإخبارية الأجنبية و"الجزيرة" القطرية، في الاهتمام بالأمر، ونقل أي أخبار عن مصادر تركية أو أمريكية حول الاختفاء.

ونشرت الصحيفة الأمريكية، مقالات تدعم خاشقجي انقسمت بين التغطية الخبرية للملف في قسم السياسة، والدعم المباشر عن طريق قسم الآراء الدولية، وهو نفس القسم الذي كان خاشقجي يكتب فيه مقالاته الناقدة لسياسات السعودية، بعد وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة.

كما اهتمت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية بالقضية، وطالبت في البداية السلطات السعودية بالكشف عن مصيره ثم بتوقيع عقوبات على المملكة بعد إعلانها عن مقتله داخل القنصلية، تبعتها كبرى الوكالات والصحف التي دخلت المعركة، ونقلت أنباء عن القتل وتقطيع الجثة داخل القنصلية، نقلا عن مصادر أمنية تركية، إضافة للإعلان عن تسجيلات لتعذيب خاشقجي قبل قتله.

ولعبت وسائل الإعلام التركية دور منبع المعلومات في هذه القضية، بعدما أخذت على عاتقها فضح وصول فريق سعودي مكون من 15 شخصا إلى إسطنبول قبل الواقعة بيوم، ووصولهم إلى مبنى القنصلية، وضلوعهم في قتل خاشقجي، وتقطيع جثته بواسطة منشار كهربائي جلب خصيصا لهذا الغرض، إضافة لتتبع مسارات سيارات القنصلية السعودية بإسطنبول خلال الساعات التي تلت الاختفاء، والإشارة إلى ذهاب بعضها لمنزل القنصل محمد العتيبي، وأخرى لبعض مناطق الغابات.

وعلى الجانب الآخر، بدأت وسائل الإعلام الخليجية وقرينتها المصرية بإعلان خروج خاشقجي من القنصلية، وترديد ادعاءات المؤامرة الأمريكية القطرية المشتركة على السعودية، مع الابتعاد تمامًا عن نقل أي خبر عن وجهة النظر الأخرى التي تؤكد مقتله، وحافظت على موقفها طيلة 18 يومًا، حتى صباح العشرين من أكتوبر، عندما أعلن المدعي العام السعودي، مقتل جمال خاشقجي خلال شجار داخل القنصلية، واشتباك بالأيدي مع عدد من الأشخاص داخلها، وأوقفت 18 سعوديا على ذمة القضية. 

وبالتزامن مع الإعلان، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري والمستشار في الديوان الملكي برتبة وزير سعود القحطاني، إضافة إلى مسؤولين آخرين في جهاز الاستخبارات، لتتحول لهجة الإعلام الداعم للملكة إلى مجرد ناقل لكل ما هو رسمي، مع التأكيد على محاسبة الجناة.

وقد تسبب التبني الإعلامي الدولي واسع النطاق للقضية في غضب عالمي من السعودية، وأثار اهتمام دول كبرى، مثل فرنسا وبريطانيا اللتين طالبتا السعودية بإجابات "مفصلة وفورية" عن اختفاء خاشقجي، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي لوحت أكثر من مرة بعقوبات على الرياض بسبب تلك الواقعة، كما ألغت أكثر من دولة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مشاركتها بمؤتمر الرياض الدولي للاستثمار، تحت رعاية ولي العهد محمد بن سلمان.

وكانت آخر تطورات القضية، إعلان مكتب النائب العام في إسطنبول، إن خاشقجي قُتل خنقا بمجرد دخوله القنصلية السعودية، في عملية جرى التخطيط لها مسبقا وإنه تم تقطيع أوصاله بعد ذلك والتخلص منها. ورغم أن العديد من وسائل الإعلام تناولت ذلك مسبقا، فهذه هي الرواية الرسمية الأولى التي تقول فيها تركيا هذه المعلومات، وذلك عقب إعلانها أن زيارة النائب العام السعودي لم تنته إلى شيء، ولم يلاحظ فيها أي تعاون من الجانب السعودي.

ولم تسفر أزمة خاشقجي وتبعاتها، حتى الآن، عن أي انفراجة إعلامية عربية في التعديل من السياسات التحريرية لوسائل الإعلام سواء بالسعودية أو باقي دول الخليج الداعمة لها أو مصر، بتناول أي من القضايا الشائكة بالتحليل والفحص، بعدما دأبت السلطات المسؤولة عن مراقبة وسائل الإعلام على حصر المتداول في البيانات الرسمية أو التصريحات التلفزيونية فقط، مع توسيع عقوبات الحجب والغرامات على المخالفين، وكذلك المطاردات الأمنية بحق المغردين خارج السرب الإعلامي الرسمي.
 ------------------------

تقرير - محمد سعد