17 - 05 - 2025

أزمة البطاطس.. دولة غائبة.. ومافيا التجار يربحون وإمكانية لتكرارها في سلع أخرى

أزمة البطاطس.. دولة غائبة.. ومافيا التجار يربحون وإمكانية لتكرارها في سلع أخرى

خسائر الفلاحين وراء تراجع المساحات المنزرعة 200 ألف فدان

نقيب الزراعيين: ضرورة وجود الحكومة كطرف ثالث في تسويق المحاصيل الزراعية للمستهلكين

نقيب الفلاحين: 25 ألف جنيه تكلفة زراعة فدان البطاطس و7500 خسائر الفلاح 

مختار الشريف: تقاوي مستوردة دون المستوى دخلت السوق أضرت بالإنتاج النهائي بشدة

جمال صيام: ارتفاع التكاليف وراء عزوف المزراعين عن الزراعة وانخفاض المساحات

سعيد خليل: وضع استراتيجية للزراعة ستحمي مصر من كوارث العشوائية بالبلاد

كشفت أزمة البطاطس عن غياب وجود إدارة أزمة لدى الحكومة، بل وصل الإتهام من المزراعين والمواطنين إلى غياب الدولة نفسها في مثل هذه الأزمات، وقوبل ارتفاع أسعار البطاطس عن التفاح والرمان، بحالة سخرية خصوصاً من وزارتي التموين والزراعة.

الحقيقة التي غابت عن الجميع أن هناك أزمة حقيقية منها وجود مشكلة في التقاوي، وتجاهل الحكومة لتحذيرات المزراعين قبل شهور من وجود مخاطر على محصول البطاطس، والجانب الآخر هو استغلال المحتكرين للأزمة، والذين خزنوا كميات من البطاطس في أوقات مبكرة لتحقيق مكاسب، أما السبب الآخر يتعلق بانخفاض المساحات المنزرعة خلال الموسم الحالي، بعدما تعرض المزارعون إلى خسائر كبيرة في الموسم الماضي، فهربوا إلى محاصيل أخرى خشية تكرار المأساة.

200 ألف فدان تراجعا

حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، حدد السبب وراء أزمة البطاطس، في عزوف عدد كبير من المزارعين عن زراعة البطاطس، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، موضحاً أن تكاليف زراعة البطاطس ارتفعت بشكل غير مسبوق، خلال الشهور الماضية، حيث خسر الفلاحون أموالًا طائلة، بعد ارتفاع تكاليف زراعة الفدان الواحد إلى 25 ألف جنيه فى الدورة، وتراجع سعر البيع، حيث وصل سعر طن البطاطس فى المزرعة لـ900 جنيه، ووصول خسائر الفدان لـ7500 جنيه، هذا بخلاف ارتفاع تكاليف الزراعة ممثلة في أسعار الأسمدة والتقاوى وأجور العمالة.

وأضاف: أن التراجع في مساحات الأراضي المنزرعة من البطاطس كان سبباً رئيسياً وراء انخفاض المعروض، موضحاً أن المساحة المنزرعة تراجعت، من 600 ألف فدان، إلى حوالى 400 ألف فدان، الأمر الذى أدى لقلة المعروض، مقابل ارتفاع الطلب، فزادت الأسعار بشكل كبير.

ومن جهته ذكر نقيب الزراعيين، عماد أبوحسين، أن البطاطس فى مصر ليست لها تسعيرة، وليس لأى شخص أن يقوم بتسعيرها، ولكن مافيا التجار هى من أربكت السوق المحلية، موضحاً أن الفلاح باع المحصول بـ90 قرشًا، وتحمل الكثير من الخسائر والمعاناة وخسر أموالًا طائلة، ولم يكن يتوقع أن يصل سعر البطاطس التى باعها الفلاح من 60 إلى 90 قرشًا، إلى 15 ضعفا، حتى تصل إلى 15 جنيهًا للكيلو الواحد.

وأكد، أن الفلاحين تكبدوا خسائر كبيرة من البطاطس، بينما المستفيد الوحيد هم التجار الكبار، وهم 5 أو 6 تجار، وهم من تسببوا فى الأزمة، والجميع يعرفهم، ويعرف ما الجريمة التى اقترفوها فى حق الفلاح والمواطن، حيث جمعوا محصول البطاطس بأزهد الأسعار، وخزنوه فى الثلاجات، مرتكبين أعلى شكل من أشكال الاحتكار، مشيراً إلى أن تاجرا واحدا استحوذ على أكثر من 1400 طن بطاطس فى محافظة الغربية.

يرى أبوحسين، أن البطاطس المخزنة والتي تم احتكارها هى سبب رئيسي وراء الأزمة، فليس هناك من التجار من يستطيع أن يحتكر السوق بمفرده، فمصر بلد كبيرة، وحتماً جرى اتفاق سري بين مجموعة من التجار على جمع محصول البطاطس من المزارعين، وتخزينه بالثلاجات حتى يعطشوا السوق.

وأكد، أن حل هذه الأزمة يبدأ من تدخل الحكومة كطرف ثالث فى التسويق، لأنه كما حدثت أزمة فى البطاطس، محذراً من تكرار الأزمة فى أسعار الطماطم، ومن الممكن أن تلحق بأصناف ومنتجات جديدة، والهدف هو حل هذه الأزمة، ومنع حدوثها مرة أخرى.

وأشار إلى أن كيلو البطاطس يكلف الفلاح حتى يخرج من أرضه جنيهين، ويتم بيعه بمبلغ 2.5 للحكومة، حتى يحقق للفلاح هامش ربح معقولًا، ولو ظهر فى السوق تصدير يتم بيع الكيلو بـ3 جنيهات، ومع اختفاء التصدير ستشتريه الحكومة بـ2.5 للكيلو، وعندما تشتريه الحكومة بهذا المبلغ ستستخدم البطاطس فى صناعة الشيبسي، وصناعة النشا، ويتم تصديره للخارج، كما أنها تُصنع المخلفات أعلافًا للمواشي، وهناك استخدامات كثيرة للبطاطس إذا تم بيعها بـ2.5 للكيلو.

وشدد على أهمية ضبط الأسواق، فتدخل الحكومة كطرف ثالث، بتسعيرة المحاصيل من خلال شراء المحصول سيضع حداً للمحتكرين، موضحاً أنه ليس هناك فلاحون قاموا بزراعة بطاطس جديدة، فالإنتاج الحالي من عروة شهر 4، وهى عروة صيفية، ولكن عروة شهري 8 و9 مازالت في الأرض، وسيتم حصدها بعد شهر ونص.

ليس بالإحتكار وحده

الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادي، يشير إلى أن أسعار البطاطس من المتوقع أن تتراجع وتعود لأسعارها الطبيعية في منتصف نوفمبر الجاري على الأكثر، موضحاً أن مصر تزرع البطاطس 3 مرات في السنة وأنه على الرغم من أهمية المحاصيل الزراعية إلا أن الغالبية العظمى من المواطنين لا تعرف عن ثقافة الإنتاج والتوزيع للمحاصيل التي يستهلكونها، مؤكداً أن بعد أسابيع قليلة سيكون موسم العروة الجديدة للبطاطس وبالتالي ستحل المشكلة، وأشار إلى أن خطوط الإنتاج في اسكندرية والمنيا والدقهلية ستحل الأزمة المؤقتة.

وأكد على أزمة البطاطس ليست فقط بسبب جشع التجار، صحيح أنهم جزء من المشكلة، لكن مشاكل أخرى بالإضافة إلى التجار تسببت في ارتفاع الأسعار المبالغ فيه، موضحاً أن بعض التقاوي المستوردة كانت دون المستوى المطلوب مما أضر بكميات المنتج النهائي.

ومن جانبه قال الدكتور جمال صيام، الخبير الزراعى وأستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، إن ارتفاع تكاليف زراعة المحاصيل بشكل عام، والطماطم والبطاطس بشكل خاص، كان سببًا رئيسيًا فى ارتفاع أسعارها، خلال الفترات الماضية.

وأشار إلى أن مصر لديها اكتفاء ذاتى من البطاطس، بل ونصدر كميات كبيرة من المحصول، وهناك مساحات كبيرة تتم زراعتها بأصناف معينة عالية الجودة خاصة بالتصدير، إلا أن ارتفاع التكاليف مؤخرًا كان سببًا فى تقلص المساحة المزروعة، نتيجة عزوف المزارعين، حتى لا يتحملوا مصاريف إضافية فى الإنتاج، من أسمدة وتقاوي، كذلك ارتفاع تكاليف النقل، بعد رفع أسعار المحروقات والمواد البترولية.

ولفت صيام إلى أن للتجار دور كبير فى أزمة البطاطس، فالفترة الحالية هى فترة تسمى فاصل عروات، ويكون المعروض قليلًا، ويلجأ أصحاب الثلاجات إلى التخزين، لاحتكار المحصول، من أجل رفع أسعاره، ومن هنا يجب مكافحة جشع التجار بتكثيف الحملات التفتيشية على مخازن وثلاجات البطاطس، من أجل إنهاء الأزمة؛ متوقعًا أن تنخفض أسعار البطاطس، خلال الفترة المقبلة، وبالتحديد فى النصف الثانى من نوفمبر، مع جنى محصول بطاطس العروة النيلية.

اختفاء استراتيجية وزارة الزراعة 

أما الدكتور سعيد خليل، مستشار وزير الزراعة الأسبق، ورئيس قسم التحول الوراثى بمركز البحوث الزراعية، فيرى أنه لا توجد استراتيجية واضحة لدى وزارة الزراعة، مشيراً إلى وجود محاصيل مثل الخضروات، بينما هناك محاصيل الاستراتيجية التى وصلت فيها الفجوة إلى ما يقارب 69% وهى محاصيل استراتيجية مهمة جدًا، مثل القمح والذرة الصفراء وفول الصويا والقطن وقصب السكر والبنجر، والمحاصيل الزيتية، فأين رؤية الوزارة لمعالجتها.

وقال: لقد بدأت أزمة المحاصيل الزراعية بمشكلة الطماطم، والآن بالبطاطس، وفي رأيي فإن ذلك يرجع لعدم وجود استراتيجية محددة وواضحة لإنتاج المحاصيل فى وزارة الزراعة، وتخبط القرارات داخل القطاعات المختلفة للوزارة، مما أدى لانهيارات متتالية فى الزراعة.

وتساءل الدكتور خليل: كيف يكون إنتاج مصر من البطاطس يزيد بنحو 30% عن احتياجات السوق، ورغم ذلك وتحدث هذه الأزمة ويصل كيلو البطاطس إلى مستوايات عالية جداً، وهو ما يحدث فى محصول الطماطم، على الرغم من أن انتاجها أعلى 20% من احتياجات السوق، مضيفاً أعتقد أن هناك أزمة وتخبطا في منظومة الزراعة.
 -----------------

تقرير - رامي الحضري 


آ