قد تظن لأول وهلة أنني أقصد من وراء كلمات العنوان، أن هناك مؤسسات إعلامية بعينها مطروحة للبيع، أو لدخول مستثمرين جدد، بما أن الإعلام أصبح وسيلة للاستثمار السريع والثراء المضمون، ولاسيما في السنوات الأخيرة..
لكن لعلك تشاركني حزني على ما آل إليه حال بعض الإعلاميين الذين سعوا ـ بكل جهدهم ـ لبيع أنفسهم بثمن ليس بخسا، بل بعقود عرفت قيمة الملايين من الجنيهات، يبغون من ورائها إفساد عقول أجيال تلو أجيال، أو توجيه بوصلة الضمير المهنيّ باتجاه من يدفعون لقمة عيشهم، بهدف التأثير لتبني موقف معين ضد أو مع الدولة.
لا أدعوك هنا عزيزي القارئ لمعرفة أسرار أي من الشخصيات التي تفرض نفسها على الساحة الآن، أو يفرضها آخرون، ولا أسعى لنشر خبايا عن أشخاص قد تلوك سيرتها الألسنة دون أدلة أو براهين لمجرد اختلافهم عليهم، بل أدعوك كقارئ إلى أن تعي جيدا لمن تقرأ ولمن تنصت، ولمن تشاهد، وتضع كل ما تسمعه أو تشاهده أو تقرأه أمام عقلك، بل استفتِ قلبك إن شئت وقل: هل تستقيم تلك المعلومات المتدفقة إلى ساحة عقلي بسهولة ويسر مع بعضها؟، وماذا وراءها؟، وما حقيقتها؟
إذن ما الذي يدعوني لكتابة هذه الكلمات التي يملؤها الحزن والألم على صناعة باتت في صراعٍ داخليّ فيما بينها، وصراع آخر مع أركان الدولة للاستحواذ على قلب وعقل الجمهور المستعد، في أغلب الأحيان، للتصفيق لمن يهاجمها بشدة؟، إنني أدعو من منبر هذه الجريدة المحترمة لذاتها ولقرائها إلى صناعة إعلام صادق قادر على التصدي للأزمات ولتقديم حلول لها دون تجريح، أو الانتقاص من قدر أو قيمة أي مسئول، ولعل ذاكرتي تتداعى أمامها صورة الصحفي المحترم الراحل مجدي مهنا، الذي لم أشرف بلقائه يوما، في تقديمه للممنوع بشئ من الاحترام والوقار والنقد الهادف القابل للرد، الذي يستهدف بناء مجتمع لا بهدمه وزعزعته والمساهمة بدرع أو رمح في حرب هدفها وغايتها هدم هذا البناء القائم مثلما هو قائم على الساحة الآن.
قد تصبح أداة طيعة في يد من سوّلت له نفسه أن يشارك جهة ما، أو أشخاص بعينهم دون أن تدري، أو ربما تدري، وينتهي بك المطاف إلى أن تكون معول الهدم الذي هدم أركان المعبد.
ليس معنى كلامي أنني أدعو الإعلاميين أو القائمين على صناعة الإعلام، للتهليل للقيادة السياسية للدولة، أو للحكومة على ما تقوم به من مشروعات، ولا أدعوهم في الوقت نفسه للتقليل من شأن كل ذلك، بل كل ما أتمناه أن أجد في يوم آت الإعلام الواعي المتحضر المتفهم لطبيعة الأوضاع والصراعات الدولية والإقليمية.
لقد تغيّرت الخريطة الإعلامية بشكل واضح، بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، وتغيرت للمرة الثانية بعد ثورة 30 يونيو، وتكاد تشم رائحة تخوين تنتشر فحواها على الساحة، وكأنها عدوى أصابت نفر من أولئك الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الدولة والإعلاميين، وكأن كل فرقة تحارب ضد الأخرى بقلم أو بميكروفون بدلا من آلات الحرب التقليدية.
الأمر برمته يحتاج إلى إعادة صياغة بين كل الفرق المتناحرة في ضجيج ليس مسموعا، وليكن شاهدا عليهم جميعا ميثاق عمل موحد تدور فحواه حول أن من يرى شيئا نافعا يشهد به، أو يرى شيئا ناقصا فليدلي بدلوه بكثير من الحكمة والتعقل والنقد القائم على الاحترام، هذا المشروع مثلا رائع ولكن ينقصه كذا وكذا.
أذكر أنه في إحدى السنوات الماضية، كتب أحد كتاب الأعمدة في صحيفة " تليغراف" الهولندية مقالا رائعا، صحبه بمجموعة من الاستدلالات عن إهدار مال عام في إحدى وزارات حكومة "يان بيتر بالكننده"، والحقيقة أن كاتب المقال لم يمس الوزير المعني بالاتهام بأي شئ من التجريح أو الإهانة المتعمدة، بل طلب بشكل فائق الاحترام بضرورة إصدار بيان عن تلك الأموال المهدرة وفي أي شئ أهدرت، وبالفعل حققت الحكومة في الأمر ووجدت أن كاتب المقال صدق فيما ادعى، وقامت على فورها بتقديم استقالتها، وأسندت الملكة المسئولية للحكومة ذاتها مرة أخرى بدون هذا الوزير، الذي تم تقديمه للمحاكمة.
نحتاج لمن يرشد عن الخطأ ويؤدي مهمته كإعلامي ينفذ ما ندرسه لطلابنا في الجامعات عن دور الإعلام في التثقيف والمساهمة في بناء المجتمع، ولا نكون الأداة التي سيتولى بها أعداء الوطن هدم المجتمع.
الأمر هيّن ولا يحتاج لأكثر من أن تكون طوع قلمك وضميرك فقط.
---------------------
بقلم: إسلام مصطفى