12 - 05 - 2025

صراع القطاع العام بين التطوير والبيع

صراع القطاع العام بين التطوير والبيع

نشأتْ شركات القطاع العام بعد مصادرة وتأميم ممتلكات (باشوات العهد البائد) وبالرغم من أنّ معظم تلك الشركات كانت تــُـحقق الأرباح، فإنّ معول الهدم بدأ مع عهد السادات وسياسة الانفتاح الاقتصادى.. فتـمّ إلغاء المؤسسات العامة التى تــُـدير شركات القطاع العام، بالقانون رقم111 لسنة 1975 الذى نصّ على تصفية تلك الشركات وأنْ ((تؤول الحقوق والالتزامات إلى وزارة المالية)) ومن هنا بدأ مسلسل تدهور الشركات المملوكة للدولة (وبعضها أنشأها بنك مصر بمجهود طلعت حرب) وهذا التدهور شمل قلاع الصناعة المصرية، مثل الغزل والنسيج والمحالج وكلورايد للبطاريات..إلخ 

جاء الفصل الثانى من التدهور فى عهد مبارك مع (حمى البيع) بناءً على تعليمات/توصيات صندوق النقد الدولى..وقام بهذه المهمة (بجدارة) عاطف عبيد الذى شغل منصب وزير قطاع الأعمال..وليته باع الشركات بالقيمة السوقية..وإنما بالقيمة الدفترية، أى برخص التراب عند مقارنة سعر البيع فى التسعينات والسعر الأصلى فى الأربعينيات والخمسينيات.. والمُـلفت للنظر أنّ مجاملة المستثمرين الأجانب الذين تسارعوا لالتهام الوليمة، تـمّ بالرغم من اعتراضات وزارة المالية، وملاحظات الجهاز المركزى للمحاسبات.. ونتيجة هذا الإنجاز الخطير (فى التفريط وإهدار المال العام) تـمّ تصعيد عاطف عبيد بترقيته لمنصب رئيس مجلس الوزراء. 

ومنذ أواخر عهد مبارك حتى الآن (ونحن فى عام 2018) تواصل مسلسل انهيار الشركات المملوكة للدولة.. وكانت حجة كل الحكومات: إنّ شركات القطاع العام تخسر الملايين كل عام.. وعلى هذه (الشماعة) يكون الحل هو البيع.. ولم يـُـفكــّـر أحد من المسئولين (طوال هذه السنوات) فى طرح الأسئلة الشجاعة لبحث أسباب الخسائر: أليس غزو السوق المصرى وإغراقه بالمنتجات المستوردة أحد الأسباب؟ أليس عدم تجديد وتطوير الآلات أحد الأسباب؟ أليس عدم التصدى لظاهرة المنافسة غير المتكافئة أحد الأسباب؟ أليس تدعيم الشركات المملوكة للدولة، بشراء الآلات والماكينات الحديثة التى ساعدتْ على تقدم الصناعة (كما فعلت الهند والصين) أهم من تبديد أموال الدولة على أشياء أقل أهمية؟ أليست الرواتب والمكافآت التى يتقاضاها رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات الباهظة (وبأرقام فلكية) أحد الأسباب؟ وأليس هذا إسرافا وسفها مع شركات تخسرالملايين؟ وأليس طوق النجاة الكاذب (الحل فى البيع) مع تجاهل تلك الأسئلة، يدل على مُـخطط مُـسبق لارضاء صندوق النقد الدولى، حتى ولو كان (الثمن) المزيد من تخلف الصناعات المصرية..وتشريد العمال وضياع خبراتهم؟ حتى يأتى يوم فتكون مصربلا مهارات فنية/ تصنيعية. 

***

وبالرغم من أنّ الإعلام روّج (طوال عدة سنوات) للتقدم الصناعى المصرى بما فى ذلك (تصنيع) سيارة مصرية، فإنّ وزير قطاع الأعمال الحالى (هشام توفيق) قال فى ندوة بمقر جريدة الأهرام: إنّ شركات السيارات تــُـحقق خسائر ولاتوجد إمكانات لتمويلها.. وفى مصر لايوجد تصنيع سيارات.. كلها عبارة عن تجميع.. وما يردده البعض عن تصنيع سيارة مصرية حلم بعيد المنال.. ومن الصعب تحقيقه.. ويوجد لدينا 11 مصنعا لتجميع السيارات.. كلها قائمة على التجميع وليس التصنيع، مثلما يحدث فى الخارج.. وعلى سبيل المثال فإنّ دولة المغرب، أنشأتْ لها شركة (رينو) الفرنسية مصنعيْن.. ولذلك فإنّ المغرب تــُـنتج300 ألف سيارة فى العام، بينما شركة النصر للسيارات أنتجتْ (طوال40سنة) 380 ألف سيارة كلها تجميع.. وأنتجتْ المغرب مليون سيارة فى ست سنوات.. وسأله أحد الصحفيين: ما هى معايير اختيار الشريك الأجنبى؟ قال: لن أفعل مثلما حدث مع شركة عمرأفندى، لأنّ المستثمراستحوذ على 90% من أصول الشركة وأراضيها.. وعن الموقف الحالى من صناعة الغزل والنسيج، تهرّب الوزير من الإجابة المباشرة.. واكتفى بالقول إنّ صناعة الغزل والنسيج تستحوذ على 65% من طاقة الغزل و55% من النسيج.. ولكنه لم يتطرق إلى كيفية النهوض بتلك الصناعة الرائدة والتى بدأتْ فى عهد محمد على، ثـمّ كان التطوير الأهم بعد إنشاء بنك مصر عقب ثورة شعبنا فى شهربرمهات/ مارس1919. 

وبالرغم من صراحة الوزير وشجاعته عن حقيقة تصنيع السيارات فى مصر فإنه من المؤيدين لمخطط (سياسة البيع) فاعترف بأنّ مصر تمتلك 40 محلجـًـا منها 25 مملوكة للدولة ونتوقع بيع 14 محلجـًـا (أهرام 19 أكتوبر 2018) 

ويبدو أنّ التفريط فى ممتلكات الدولة استفز المُـحترمين من مثقفينا، فتساءلتْ الأستاذة سكينة فؤاد: لوكانت شركاتنا تدار بعلم، فهل كانت شركة مثل القومية للأسمنت تــُـصفى بعد62سنة.. وتصل خسائرها وديونها إلى المليارات؟ وهل ازدهار الاستثمار يعنى أنْ يتاح لكل من يريد أنْ يشترى.. حتى لواشترى ما يـُـمثل نقطة ارتكاز لأمننا القومى.. خاصة فى مجال الصحة..وساءلتْ: لمن بيعتْ أغلب مستشفياتنا الكبرى ومعامل التحاليل.. وهل توجد رقابة وطنية تحفظ للمواطن أمنه الصحى؟ (أهرام7 أكتوبر2018)

وعن بيع القومية للأسمنت تساءل د.جمال عبدالجواد بسخرية مريرة: الشركة تخسر مليارىْ جنيه فى العاميْن الأخيريْن، فى بلد يقود فيه قطاع الإنشاءات النمو الاقتصادى، منذ عدة عقود..هذه بالتأكيد ((فزورة صعبة الحل)) بينما كان المستثمرون الأجانب يتزاحمون على الاستثمارفى صناعة الأسمنت المصرى.. وأضاف أنّ حالة القومية للأسمنت ليست الأخيرة..فهناك شركات أخرى كثيرة تتكبد خسائرفادحة مثل: الشركة القابضة للغزل والنسيج..والتى تنضوى تحتها32شركة وخسائرها 7ر2مليارجنيه وفقــًـا لأحدث ميزانية منشورة..والقابضة للأدوية تضم11 شركة بلغتْ خسائرها505ملايين جنيه..ومن بين الشركات التى حققت أرباحـًـا: القابضة للنقل (8ر3مليارجنيه) والقابضة للتأمين (7ر2مليارجنيه) وباقى الشركات لم تربح أكثرمن300مليون جنيه..وهذه أرباح هزيلة لوأدخلنا فى الاعتبارحجم الاستثمارات الضخمة التى تقوم عليها هذه الشركات..فى هدرفادح لموارد الوطن وأموال دافعى الضرائب (أهرام11 أكتوبر2018)   

***

إنّ بيع الشركات المملوكة للدولة، تــُـشبه الشخص البليد الذى (كلــّـما احتاج إلى المال) يبيع بعضـًـا من (عفش الشقة) واستمرعلى هذا الأسلوب حتى صارت الشقة (على البلاط) بالرغم من أنه يمتلك طاقة جسدية..وليس من المُـعوّقين ذهنيـًـا..ولكنه من النوع الكسول، العاشق لأسهل الحلول: البيع.
 --------------------------

بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟