لم أكن يوما من عشاق قراءة صفحة الحوادث .ولا مدمنى متابعة مآسيها وفواجعها كما يفعل البعض من باب "اللى يشوف بلاوى غيره تهون عليه بلوته "".. إنضمامى لهؤلاء بالطبع لم يكن وفقا لقناعتهم لكنه لإحساسى بأن ماينشر فى هذه الصفحة هو الأكثر صدقا وقربا للحقيقة مقارنة بما تضمه باقى الصفحات فى أغلبها من موضوعات مشكوك فى مصداقيتها وأهدافها ومساعى أصحابها فى تجميل الواقع والتسويغ للزيف والإلهاء وتضليل الوعى بغسل أدمغة القراء وإبعادهم عن كشف الحقيقة. إنجذبت لصفحة الحوادث تدريجيا بينما أفقد تباعا صحيفة معارضة قوية وأخرى كانت يوما مستقلة قبل أن تخسر تلك الصفة بعدما تحولت لنشرة حكومية . يبدو أن الجميع آثر السلامة إلا من رحم ربى خشية شبح الإغلاق الذى تسبب فى إغلاق مواقع قوية وألقى بقيادتها خلف الأسوار.آثروا السلامة وأغلقوا الباب الذى يأتى بريح تعصف ليس باقلامهم فقط ولكن بأمنهم ذاته .. وإن كان من المؤكد أن هناك من يستمريء التطبيل للنظام وتمجيد كل مايفعله طمعا فى رضاه ومكاسبه التى بالطبع لاينالها إلا المحظوظون أمثاله .. مهما كان السبب فالنتيجة واحدة، صحف لاطعم ولامضمون ولاجاذبية ولاتشويق ولامصداقية، إنصرف عنها الجميع أو كاد بعدما فقدت أهم مهامها وهى أن تكون صوتا للشعب وصدى لأنات المظلومين وأوجاع المطحونين .. أوجاعهم التي تكشفها بصدق صفحات الحوادث.
من جريمة لأخرى تكتمل حلقات المآسى التى نعيشها .من مصرع الصحفية الشابة هند موسى ضحية الإهمال واللامبالاة فى التعامل مع ابسط حقوق الصحفيين وتأمين وسائل تضمن سلامتهم وراحتهم إلى مأساة طبيبة شابة فى مقتبل عمرها تحترق إهمالا فى سكن الطبيبات غير الآدمى والمفتقد لأدنى قواعد الأمان .. كان هم مدير المستشفى نفى أن الطبيبة على قوة المستشفى وأنها كانت فى زيارة لصديقاتها وكأن مصيرها يمكن ألا تقع فيه طبيبات المستشفى المعينات، متجاهلا فى نفس الوقت حقيقة مايحدث للأطباء المنتدبين والذى تجبرهم المستشفيات على التوقيع بعدم أحقيتهم فى السكن كشرط قبولهم فى الزمالة لتلك المستشفيات، ومتجاوزا عن الحالة السيئة التى باتت عليها أكثر من 90% من إستراحات الأطباء والطبيبات كما أكد نقيب أطباء المنيا .. تلك الحالة التى دفعت أيضا الدكتورة منى مينا الأمين المساعد لنقابة الاطباء لدعوة الأطباء لتصوير أماكن إستراحتهم وإرسالها لوزير الصحة ووسائل الإعلام لكشف الحالة التى وصلت إليها من الإهمال والسوء .
فى صفحة الحوادث فقط كشفنا حجم الماساة التى يعيشها شباب الأطباء .. مثلما ندرك أيضا حجم المأساة التى يعيشها المطحونون الذين إكتووا بنار الغلاء بشكل أطار عقولهم واوصلهم لحد الجنون، فهذا أب يقتل زوجته وأطفاله وينتحر بعدما خسر أمواله وعجز عن تدبير إحتياجاتهم، وذلك زوج يذبح زوجته بعد طلبها زيادة مصروفات البيت، وتلك أم تلقى بنفسها من شرفة منزلها بعدما فقدت كل أمل فى تلبية أبسط احتياجات أسرتها .. وهذه أم تطلق كلبا يعقر طفلا صغيرا لأنه ضايق إبنتها فى المدرسة لترسخ قانون الغاب الجديد حيث البقاء للأشرس ولتصبح معها القاعدة الغريبة التى كانت الأمهات تعلمها لصغارها، كأول درس للتعامل مع زملاء المدرسة "اللى يضربك إضربه" عفى عليها الزمن وحلت محلها القاعدة الأكثر شراسة "اللى حيضربك حدبحه"..
فى صفحة الحوادث فقط نعرف مصير معارضى الأنظمة العربية إذا ما خرجوا عن الخط المرسوم لتجميل ملوكهم وقادتهم.أؤلئك الذين فتحوا الباب لإبتزاز القوى المهيمنة فوضعوا شعوبهم بين شقى رحى الديكتاتورية والتبعية تسحقهم بلا رحمة.
وفوق كل تلك المأسى التى تكشفها صفحة جرائم الوطن تطل علينا بين حين وآخر جرائم فساد ونهب وسرقة للمال العام، أبطالها مسئولون كانوا يوما ملء السمع والبصر يحدثوننا عن حب الوطن والنزاهة والشفافية والتضحية من أجله.
فقر وعنف، إهمال وتردى أحوال، خنقة وظلم وجوع، قسوة وشراسة وتبجح ، ديكتاتورية وقهر وضياع، كلها تدفع للعودة لقانون الغاب بعدما اهتزت الثقة فى العدالة ..هذا للأسف واقعنا الذى لاتجمله صفحات الحوادث.