أخيرا عرفت الطريق الذى يؤهلنى للحصول على لقب مواطن صالح .. لا أعرف لماذا أضعت سنوات طويلة قبل أن أكتشفه.. أو بالأدق لماذا أغفلت السير فيه رغم أن ضوءه لم يكن خافيا، وبريقه لم يكن خافتا، ووضوحه لم يكن غائبا عن أعين كل من يرغب فيه ويختاره ويفضله.. مسلكه آمن.. ووصوله مريح.. ومزاياه سريعة ومضمونة ومأمونة العواقب، لكنه العناد والتمسك بأوهام وشعارات عفى عليها الزمن.
لن أعبأ كثيرا بأطفال بؤساء محشورين فى علب سردين المسماة خطأ بالفصول.. لن أرثى لحالهم ولن أتعاطف معهم ولنآ أرق لتعبهم وإرهاقهم وتأوههم، لكننى أحيي الوزير على تجربته الرائدة وأتحمس لتجربته فى تطوير التعليم، وأثمن فكره، وأصدق وعده بالتغلب على كثافة الفصول خلال العشر سنوات القادمة، تماما مثلما صدقنا وعوده وحماسه لوهم التابلت الذى بشرنا به قبل بداية العام.. سأثمن جهوده مثلما أثمن جهود وزارة الصحة فى علاج غير القادرين ومد مظلة التأمين الصحى للجميع، والضرب بيد من حديد على كل من يتاجر بآلام المرضى ويزيد معاناتهم ولايمد لهم يد المساعدة والعون.. سأثمن جهود الجميع ولن أنظر سوى لنصف الكوب الممتلئ بتفاؤل.. سأقتنع أن المليارات التى تنفق لبناء العاصمة الإدارية الجديدة لا تهدر فى غير محلها، وأن حاجتنا لتلك العاصمة أكبر كثير من حاجتنا لإنفاقها في بناء المستشفيات والمدارس وتحسين أحوال الناس.. لن أعترض على غلاء المعيشة وضيق حال الناس، ولن تؤرقنى همومهم الشهرية فى تدبير ثمن فواتير المياه والكهرباء التى تحولت لكابوس مخيف يؤرق لكل بيت.. لن أتعاطف مع راكبى الأتوبيسات والميكروباصات التى لم تعد بمقدورهم تحمل أجرتها لأنها تقفز بلا رحمة، وبالطبع لن أرق لحال أصحاب السيارات ذوى الدخول المحدودة التى بات وقود سيارتهم معضلة وأصبح تصليح أى عطل طارئ بها أزمة.. لن تهمنى كثيرا تفاصيل البسطاء ولا حتى المقتدرين الذين باتت حياتهم جميعا صعبة. الكل يعانى ضنك العيش وإن إختلفت التفاصيل.. لن أعبأ بهموم هؤلاء ولن أعطى آذانا صاغية لمتاعبهم، لن أصدق شكواههم ولن أتعاطف مع متاعبهم، فقط سأصدق تصريحات المسئولين الوردية وتبريرات منافقيهم اللوذعية وإلقائهم المسئولية على الشعب الكسول السلبى ضيق الافق المتعجل نتائج الإصلاحات دون مشاركة حقيقية فى تحمل تكاليفها وتبعاتها.. صحيح اللى إيده فى المية غير اللى إيده فى النار.. وعشان ماتحسش بوجع النار وتبقى مواطن صالح فعلا فى نظر الدولة، عليك أن تبقى أعمى حتى لاترى من الغربال آلام الشعب وأوجاعه.
--------------------
بقلم: هالة فؤاد
آ