12 - 05 - 2025

تعا اشرب شاي| إضحك الحقيقة تطلع حلوة

تعا اشرب شاي| إضحك الحقيقة تطلع حلوة

حين حل المساء على بيت الضابط - المنضبط - العميد جلال، آثرت زوجته أن تخلو بنفسها فى حجرتها تجنبا لأى صدام معه، فقلما كان يدخل البيت وتمر الليلة بسلام دون مشاكل معها أو مع أحد الأولاد الذين كان يرى أنها قد أفرطت فى تدليلهم، ويجب عليهم أن "يخشوشنوا" على حد قوله.

فجأة جاءت إبنتها تقفز فى حجرها كرضيع أنثى الكانجرو وقد تطاير شرر من عينيها يكفى لإنارة محافظة الدقهلية وما حولها .

كانت الأم لا تستطيع أن تميز كلمات إبنتها الشابة حين مدت لها يدها وهى تشير إلى صورة "سيلفى" لإحدى صديقاتها على الإنستجرام: شوفتى يا مامى، مريم اللى عاملة صاحبتى لابسة إيه؟ كله "براندات" وطول الوقت بتدعى إن معاهاش فلوس، وأنا بابى مصر أشترى كل حاجتى من عمر مكرم.

الأم مقاطعة: بعد الشر، قصدك عمر أفندى.

الإبنة وقد إزدادت غضبا: يا مامى عمر أفندى، عمر وسلمى! سو وات؟ ، كل ال "ديتيلز" دى مش موضوعى، أنا فى مريم اللى عزمتها مرتين على حسابى عشان بتكدب وتقول مش معاها فلوس، مرتين يا مامى مرتين ... عاااااااااااء.

وبينما الأم تحاول أن تهدئ من روع صغيرتها، بدا لها أن الإبنة كانت لا تسمع شيئا، فقد راحتآ  تعيد النظر فى الصورة وتتأمل التفاصيل الصغيرة فيها، فوقعت عيناها على ساعة يد صديقتها، فأخذت تكبر من حجم الصورة حتى تبينت "ماركتها" ثم صرخت بغيظ: كمان! تبذير اوفر الصراحة.

فجأة التزمت الصمت عندما سمعت صوت والدها بالخارج وهو يجادل أخاها لأن الأخير كان مصرا أن يذهب إلى الجامعة بالسيارة كل يوم، بينما راح أبوه يحكى له كالعادة، كيف كان يذهب سيرا على الأقدام فى الصحراء وقد أضنته شدة الحرارة وكيف كان يقاتل الجرذان والعرس والسلاحف البرية التى كانت تعترض طريقه بوقاحة أثناء ذهابه إلى مقر خدمته بمنتهى الشجاعة والشمم.

آ كان حديثا مملا بالنسبة لهم،آ  فقد كانوا يحفظونه عن ظهر قلب، إلا أنهم كانوا يحترمون فيه روح الكفاح التى كان يحاول أن يبثها فيهم دون جدوى.

همست الأم وهى تحذر إبنتها: إفصلى بقى وخلى الليلة تعدى على خير بدل ما يرسملنا مية وحداشر على وشه.

الابنة: مامى إنتى قديمة أوى، مية وحداشر دى مرحلة عدت من زمان!

الأم بملل: أمال حيرسم كام واحد يا أم لسانين؟

الإبنة تفكر وهى تعيش فى دور الحكيمة: تعرفى تعدى لغاية كام؟

فى هذه اللحظة دخل الأب: مساء الخير يا جماعة، ثم نظر إلى زوجته موجها إليها الكلام بكل حزم: أنا جبت معايا عشرة كيلو لحمة بلدى "وصاية"، ياريت تعمليها سندويشات كباب حلة أوكفتة داوود باشا، للعيال بدل الأرف إللى بيبعتوا يجيبوه من برة.

فجأة قفزت الإبنة من مكانها، وقد واتتها فكرة رأت انها أكثر من رائعة، وقد كان لها دلال على أبيها أكثر من إخوتها الأولاد.

آ كانت الأم فى طريقها إلى المطبخ لإعداد اللحم، فإعترضت طريقها ثم إلتقطت وردا صناعيا من إحدى الفازات وألقت به فى كف أبيها فتلقفه تلقائيا وقبل أن يعرف لهذا التصرف سببا، تقدمتهما الإبنة لتلتقط معهما صورة "سيلفى"، قائلة بإلحاح: عشان خاطرى.

ثم قامت بإلتقاطها أكثر من مرة حتى يبدو أبوها أكثر مرحا وودا على غير الحقيقة، ثم إنفردت بنفسها لتضفى عليها مظهرا يبدو اكثر دفئا وجمالا من خلال خاصية (الفوتوشوب)

.................

قطع صراخ السيدة سناء صوت الصمت الذى كان يخيم على منزل السيد إبراهيم: جرى الرجل نحوها وقد كان عائدا لتوه من العمل، تأملآ  أوداجها قائلا بإستغراب: إنتى نفختى برضه يا سناء!

سناء بغضب: نفخت إيه؟ دى نار بعيد عنك.

الرجل يتفرس وجهها قائلا بتأثر: إيه بس اللى حصل؟ إحكيلى بالراحة.

سناء وهى تمد إليه يدها بهاتفها المحمول: شوف بنفسك .

ينظر الرجل إلى الصورة ببراءة قائلا: الله! مش دى صاحبتك أمل؟

الزوجة وهى تذرف الدموع: كانت صاحبتى، دى اللى بتقوللى جوزها ناشف معاها ومش بيعرف حاجة عن الحب والرومانسية، وبتقعد تحكيلى إنه بيتصرف فى البيت كإنه فى "الكتيبة" وناقص بس إنه يعصرها وينزل منها عساكر صغيرين، وأنا كنت باصدق زى الهبلة، أتاريها خايفة من العين .

إبراهيم وهو يتأمل الصورة ببلاهة: كل دا عرفتيه من الصورة!

الزوجة وهى تكاد تلطم الخدود وتشق الجيوب: جابلها ورد ياإبراهيم، وبنتها منزلة صورتهم عالإنستجرام وكاتبة بابى عامل مفاجأة لمامى بمناسبة الفلانتين ...... عاااااااااااااء.

الرجل ضاربا كفا بكف، لا حول ولا قوة الا بالله، معلش يا حبيبتى ماتزعليش، حاجيبلك معايا بكرة غيط بالساقية والجاموسة اللى فيه ولا تزعلى نفسك، بس روقى كدة عشان أمى وإخواتى جايين دلوقت وأنا مسكت فيهم يتعشوا، وقبل أن تفتح الزوجة فمها بكلمة، عاجلها قائلا: ماتخافيش، أنا عامل حسابى و وصيت على أكل جاهز، ثم فر من أمامها سريعا، بينما إستلقت هى محلقة فى السقف وهى تستمع إلى أغنية "مفيش صاحب بيتصاحب".

كان وجود أهل زوجها وحده كفيلا أن يصيبها بإكتئاب ثنائى القطبين، أما صدمتها فى صديقتها فقد جعلت طبيبها النفسى يصل إلى إكتشاف طبى مذهل، ذلك أن الإكتئاب قد يتطور إلى لا نهائى الأقطاب .

مضى اللقاء فاترا كالعادة، فأراد السيد إبراهيم أن يلطف الأجواء بين الطرفين فأمسك فجأة بهاتفه المحمول ليأخذ معهم صورة "سيلفى" وهو يقول ضاحكا: "تشيز"، فطارت تلك الغربان التى كانت تعشش على وجوههم قدر إلتقاط اللقطة وسرعان ما عادت أدراجها بسلام بعد أن إنتهى الرجل من التصوير.

..................

والله العظيم الست دى مفترية ومتحاملة جدا على مراة ابنها، حسبى الله ونعم الوكيل.

هكذا قالت السيدة منى جارة الحاجة سامية لأمها الحاجة فوزية.

ردت الأخرى بدهشة: فيه إيه يا منى؟

منى وقد إفترسها الغيظ: أنا كان قلبى حاسس، بصى، ومدت يدها بهاتفها المحمول إلى أمها وهى تقول: شوفى إبراهيم إبن طنط سامية جارتنا منزل إيه عالفيسبوك؟، آدى صورته مع أمه وإخواته فى بيته وشوفى عاملالهم أكل أد إيه والست مرحبة بيهم إزاى!! و كل ما أقعد مع مامته، تقوللى دى ست متعبة، عمرها ما ريحت إبراهيم حتى لو جابلها الحبق والنبق وشوشة أمه فى الطبق!!!

ردت السيدة فوزية - وقد كانت امرأة حكيمة لا تتكلم حين يجد الجد إلا بالفصحى التى كانت تتقنها-: يامنى يا إبنتى، لقد أماتت تلك اللقطات مشاعرا كثيرة فى أنفسكم وأفسدت ما بينكم من أواصر الود، أصبحتم لا تهتمون إلا بها، تتجملون .. تحتفلون .. تضحكون ، فقط من أجل تلك اللقطات، أين تلك الأيام والليالى التى كنا نعيش فيها لحظات حقيقية، نسهر ونتسامر ونلهو ونعمل من أجل أن نسعد، لا من أجل أن يرانا الآخرون سعداء! ماذا يفيدك لو سكنك الحزن بينما شهد لك الكون أنك أجمل وأرق واغنى نساء الأرض!، أصبحنا نشترى الملابس بل و بعضنا يستعيرها للأسف الشديد لزوم اللقطة، ما أدراك ما وراء تلك اللقطات؟ ربما نفوس حزينة أو أقساط متعثرة أو مرض عضال، من الآخر يا منى الصح إنك (تضحك عشان الحقيقة تطلع حلوة)، مش (تضحك عشان الصورة تطلع حلوة)، إياك أن تحكمى على غيرك من خلال تلك الصور الصماء، إنظرى إلى الناس بقلبك لا بعينيك، عاملى أصحابك تبعا ل.... وقبل أن تتم كلمتها الأخيرة كان الهاتف مازال بيدها، فوقعت عيناها على صورة أحد أقاربهم وهو يقود سيارة مرسيدس أحدث طراز، فسقط الهاتف من يدها وهى تمسك بقلبها وقد تحشرجت انفاسها.

مالت منى على أمها وقد تجمدت من الرعب: مالك يا ماما؟ ردى عليا أرجوك.

الأم بصوت واهن: كان قلبى حاسس إنه واطى وواكل علينا حقنا فى ميراث الحاج الله يرحمه، جاب تمن عربية زى دى منين يعنى؟ ثم أشارت بيدها قائلة: منى يا بنتى.

ردت الإبنة ملتاعة: نعم يا ماما؟ ما تتكلميش يا حبيبتى، أعملك حاجة سخنة ؟ ولا أجيبلك دوا الضغط؟ ولا أكلملك الدكتور أحسن؟

الأم تهز رأسها بالنفى وتشير إلى جهاز الكاسيت وهى تلهث: شغليلى أغنية من كتر الناس إللى بميت وش، وحشونى الناس إللى بوشين.
 -------------------

بقلم: أماني قاسم


آ 

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف