12 - 05 - 2025

سليمان خاطر وأيمن حسن.. نموذجان لوعي أبناء البسطاء

سليمان خاطر وأيمن حسن.. نموذجان لوعي أبناء البسطاء

أعتقد أنّ شعبنا (مثل كل شعوب العالم) يعى أنّ (حدود الوطن) مثلها مثل (حرمة السكن الشخصى) بالمعنى الحرفى والواقعى، أى بدون تشبيه أومجاز.. ولعلّ التعبير الشهير(الأرض= العرض) لخـّـص تلك العلاقة الوطيدة بين حدود الوطن، وحدود الملكية الخاصة (سكن أوأرض زراعية إلخ)  

وبالرغم من أننى بدأتُ كلامى بصيغة التعميم، حيث قلتُ (شعبنا) بما يعنى- وفق قواعد اللغة- أننى ساويتُ جميع طبقات الشعب (فقراء وأغنياء) ثـمّ شغلنى سؤال: هل ما فعله سليمان خاطر الذى قتل سبعة مواطنين إسرائيليين، كان من الممكن أنْ يفعله شاب من أسرة أرستقراطية/ ثرية.. ويعيش حياة مُـرفــّـهة..وليست لديه أدنى مشكلة اجتماعية.. وليست لديه أدنى (معرفة) بمشكلات الفلاحين ومعاناتهم مع الأرض الزراعية (من رى وبذور إلخ) وهل هذا الشاب ابن الأسرة الثرية لديه أدنى (معرفة) عن الظروف المعيشية للعمال الزراعيين؟ 

وإذا كنتُ أزعم أنه لايعرف، فإننى أزعم- أيضـًـا- أنه حتى لو عرف، فإنه لايـُـبالى.. وحتى لو تعاطف معهم وتأثر بظروفهم المعيشية، التى تصفها التقارير الدولية أنهم يعيشون (تحت خط الفقر) فهل كان سيكون هو سليمان خاطر الذى أطلق الرصاص على الإسرائيليين، لأنّ خاطر كان (يعرف) الظروف المعيشية للفقراء مثله.. وجسّـد له تفكيره الطفولى/ الفطرى أنّ الاعتداء على حدود مصر، كأنه اعتداء على كرامته المُـفتقدة.. وعلى حريته التى لايشعر بها، فانفجر المكبوت فى اللاوعى (كما يذهب إريك فروم ومعظم علماء النفس) ولذلك لم ترتعش يداه وهو يمسك بندقيته ويـُـصوّبها على أعداء (الأرض..العرض) فمن هو سليمان خاطر؟ 

سليمان خاطر (1961- 1986) أحد عناصر قوات الأمن المركزى.. كان يؤدى مدة تجنيده على الحدود المصرية مع إسرائيل..وفى يوم 5 أكتوبر 1985وقف أمام محكمة عسكرية.. حكمتْ عليه بالسجن المؤبد مع الأشغال. 

فلماذا كانت تلك المحاكمة العسكرية؟ لأنّ هذا الشاب ابن الفلاحين البسطاء الذين غرسوا فى وعيه معادلة: الأرض، العرض، تحرّكتْ خلايا الدم فى رأسه.. وفى كل بدنه.. ووصل نشاط تلك الخلايا لدرجة (الغليان) عندما رأى سبعة إسرائليين وهم يتسلــّـلون إلى منطقة حراسته..وبدون تفكير(كأنما بداخله روبوت وجدانى) أمسك سلاحه وقتلهم.  

فى تلك الفترة الحالكة من تاريخ مصر فإنّ الصحف الحكومية، بدلا من أنْ تقف بجانبه.. وتـُـدافع عن غيرته الوطنية، إذا بها تصفه بالجنون، بينما تولــّـتْ بعض صحف المعارضة (خاصة صحيفة الأهالى) حملة غاية فى الأهمية لتحويل سليمان خاطر إلى محكمة الجنايات بدلا من المحاكمة العسكرية..وردّتْ صحف الحكومة بأنّ خاطر كان يرى الأشباح.. وصوّرله خياله المريض أنها (أشباح صهيونية) 

ولكن خاطر نجح فى تكذيب القضاء العسكرى..وتكذيب الصحافة الحكومية، حيث قال للمحقق العسكرى: كنتُ على أرض مرتفعة، شفتْ مجموعة أجانب: ستات وعيال ومعاهم راجل.. ولابسين مايوهات كاشفه جسمهم. قلت لهم يقفوا..ضحكوا..وما وقفوش.. ولما سأله المحقق: طيب ليه قتلتهم؟ قال: عشان التعليمات اللى خدناها من الظباط الكبار ممنوع مرور الإسرائيليين والأجانب..ولما إنتو بتحاكمونى كنتم قلتولنا سيبوهم يمروا.. وإحنا كنا سبناهم..وسأله المحقق: إنت ليه معمّـر سلاحك على طول؟ قال: اللى يحب وطنه لازم يعمـّـر سلاحه..وعندما تأكد خاطر أنّ النية مُـبيتة لإدانته، فإنه أبدع مشهدًا دراميـًـا (بشكل تلقائى) حيث نظر لعساكر حراسته وقال لهم: روحو احرسوا سينا..سليمان مش محتاج حراسة. 

بعد الحكم عليه تعاطفتْ معه أغلب جماهير شعبنا..وانطلقتْ مظاهرات طلبة الجامعات، حتى جامعات المحافظات مثل جامعة المنصورة.. وبعض تلاميذ المدارس الثانوية.. وبعد إغتياله داخل زنزانته قالت أمه: ابنى ما انتحرش، ابنى اتقتل عشان ترضى أمريكا وإسرائيل على حكومتنا. 

دراما سليمان خاطر انتهتْ بمشهد مأساوى، يصلح لعمل درامى رفيع المستوى، بدلا من الأعمال السطحية الفجة، إنه مشهد السماح لعناصر من المخابرات الإسرائيلية اقتحموا زنزانة سليمان خاطر وقتلوه..وما يـُـرجـّـح تلك الرواية أنه تـمّ العثور على خاطر مشنوقــًـا.. ولأنّ أداة الشنق- كما قالت صحف الحكومة- غاية فى السذاجة- كأنما موجهة لمعتوهين بلهاء بلا عقل: أنّ خاطر شنق نفسه ببطانية. ونتيجة غباء من كتب سيناريو الشنق، انكشفتْ الحقيقة.. وأنّ خاطر لم ينتحر كما قالت أمه.. ولكن قــُـتل سواء بأيدى إسرائيلية أو بمعرفة جهاز أمني مصري.   

وإذا كانت دراما إغتيال سليمان خاطر نالتْ حظها من الشهرة والانتشار، فإنّ دراما قصة الجندى أيمن محمد حسن، تستحق حفرها فى وجدان شعبنا.. ولو لدينا تعليم وطنى فإنّ قصة البطليْن أيمن حسن وسليمان خاطر يحب أنْ تكون ضمن مقررات مادة التربية الوطنية.. وذلك لأنّ أيمن قتل 21 ضابطــًـا وجنديـًـا إسرائيليـًـا، وجرح عشرين آخرين. لماذا فعل أيمن ذلك؟ لأنه رأى جنديـًـا إسرائيليـًـا يلقى بالعلم المصرى على الأرض.. ويدوس عليه بحذائه.. ولم يكتف بذلك وإنما أمسك العلم الإسرائيلي ومسح به حذاءه. 

كان المشهد الثانى (رد الفعل على أرض الواقع من النظام المصرى) تقديم أيمن للمحاكمة..والحكم عليه بالسجن.     

أيمن مواليد نوفمبر 1967 من الزقازيق محافظة الشرقية.. وفى يوم 26 نوفمبر  1990 كان بموقعه على الحدود المصرية الفلسطينية، أثناء قيام الجيش الإسرائيلى بمذبحة المسجد الأقصى.. ولما رأى سيارة جيب إسرائيلية تقتحم حدودنا المصرية/ الفلسطينية، هاجم السيارة لوقفها.. وأطلق الأسرائيليون عليه الرصاص..وأصيب فى رأسه بجروح سطحية.. وكان رد فعله الطبيعى (بعد أنْ رأى عربات نقل إسرائيلية) تتبع السيارة الجيب أنْ قتل وأصاب الضباط والجنود الإسرائيليين. 

فهل هذا الفعل من أيمن يـُـصنـّـف على أنه (من الأعمال الوطنية) أوأنه من الأعمال التى يستحق (مرتكبها) العقاب؟ كان من رأى النظام المصرى (آنذاك) أنّ أيمن يستحق العقاب، فصدر ضده الحكم بالسجن 12سنة، قضى منها عشرسنوات. وكل (جريمته) أنه مارس حقه المشروع فى الدفاع عن (حدود الوطن) لأنه تربى على ثقافة قومية غرستْ فيه القيمة المصرية الأصيلة: حدود الوطن مثلها مثل حدود السكن.. وتلازمتْ مع هذه القيمة ثنائية: الأرض، العرض.
 --------------

بقلم: طلعت رضوان

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟