12 - 05 - 2025

الخوف

الخوف

نخاف من التجربة، لكنها عندما تأتي، تتركز الدعوات و الأمنيات في أن نكون قادرين عليها.. وربما هذا مايجعلني اليوم أنشر هذه اللقطة التي تعبر ببساطة عن “تجربتي” مع السنوات الأخيرة الصعبة، والتي جربت فيها للمرة الأولي منذ اسابيع نوعا جديدا من الخوف.. حدث ذلك وأنا أوقع شيكات أول قرض بنكي لشراء سيارة (بالتقسيط) بعد أن إضطررت إلي بيع سيارتي (كاش) لأشارك (بالباقي بعد المقدم) إبني الكبير "نور" في مصاريف الاسابيع الاولي فقط من إقامته قبل ان يبدأ منحته الدراسية في قسم الجغرافيا وعلوم الارض بجامعة كيمبردج، وتلبية بعض متطلبات الحياة وإبني الأصغر "شادي" .. كنا أنا ونور نتحرك بهذه السيارة عبر عامين، بعد أن باع كل منا سيارته الخاصة لخفض النفقات بعد ارتفاع اسعار البنزين.. يحدث هذا و أنا في عمر الثانية و الخمسين. أعمل في الاعلام منذ أن كنت في الثامنة عشرة من عمري. بدأت كمراسلة لمجلة "نيوزويك"، قبل أن أعمل في التليفزيون المصري .. وحتي آخر تجربة مع تليفزيون "النهار" في ٢٠١٢، وبعدها بدأت أبواب العمل في الإعلام تدخل تحت الحصار، ولم أعد قادرة على العمل بشروط "اللحظة الراهنة" في مصر وحتي عندما عرضت فرص عمل في قنوات بالخارج، لم أشعر أن مكاني هناك.. وبدون الخوض في التفاصيل، لم أكن قادرة علي العمل في هذه الفترة من حياتي ،بدون قدرة علي الإختيار والتحرر من فكرة “الضرورة” للعمل من خلال شروط السوق التليفزيوني اليوم ومواصفات سابقةالتجهيز ..

ليس موضوعي هنا تقييم السنوات الأخيرة للإعلام، بل أكتب لانني منذ سنوات دعوت الي الله "أن يدخلني التجربة"، لكن لم أتخيل انها ستصل إلى هذا الحد من "الخطر" .. راهنت على قدرتي على التحمل.. والإستمرار واقفة .. أعمل وأفعل وأقول وأكتب ما يتسق مع نفسي وفقط.. وما يضيف من وجهة نظري للمهنة و لمن حولي. ومع تزايد “تضييق سبل العيش.." وعلي عكس المتوقع لم تتوقف ايضا الحملات المنظمة علي شخصي و كان هذا غريبا فعلا .. 

هل في الخطر متعة..؟ لم أصل إلي رفاهية ان أردد مثل هذه الحكمة الخفيفة الظريفة، لكنني وسط كل هذا بدات قبل سنوات تجربة مهنية جديدة، برغبة داخلية في التجديد، وبإحساس النجاة من الجلوس في طوابير “الشاكيات” ربما لأتعلم أن الخوف والخطر، جزء من الإختيار، والمعاناة لن تتوقف بالشكوى، ولا الخطر سينتهي إذا إستسلمت… وبالطبع لو كنت في أحوالي العادية حتي لو كانت المعاناة والخوف و الخطر أكثر ضراوة، لم يكن من الممكن أن أحكي علانية.. لكن ضمن ما تعلمته في السنوات الاخيرة شجاعة الحكي، وما يحمله ذلك من كشف الأجزاء الهشة من شخصيتي، لأن الحكاية فيها مواجهة للضعف، ولهذا ولكل ما سبق صورت لحظة شعوري بالخطر وانا أوقع علي شيكات كثيرة مقابل قرض لاول مرة في حياتي و قررت أن أنشرها وأكتب عنها الآن، وأن أجعلها جزءا من الحلقة القادمة من "حكايات جميلة" و التي ستكون عن "الخوف" .. من الأعباء.. من السداد.. من المرض.. من الزمن.. من الفقد.. من الحياة

-------------
بقلم: جميلة إسماعيل

مقالات اخرى للكاتب

الخوف