اللواء أركان حرب مجدى أحمد شحاتة، أحد أبناء القوات المسلحة المصرية الذي كان ضمن أبطال الكتيبة ٢٨٣ صاعقة في حرب 1937، حيث قضى مع زملاءه نحو ٢٠٠ يوم خلف خطوط العدو بواقع ٧ شهور، إلى أن عادوا والتقوا بالمشير "أحمد إسماعيل، الذي كرمهم على مجهودهم في الدفاع عن أرض الوطن.
والتقيناه باللواء البطل في حوار يروي فيه حكايات من نصر أكتوبر العظيمة، لتكون جزء من التاريخ الذي يستعين به الأجيال الحالية والمقبلة للإستفادة منه لتعزيز القيم الوطنية التي تنتقل من جيل لجيل.
قال اللواء مجدي أحمد شحاته: إن حرب يونيو 1967م نشبت أثناء دراستي بالمرحلة الثانوية مما زادني إصرارًا على أن ألتحق بالكلية الحربية لأكون أحد المشاركين في معركة الكرامة وتحرير كل شبر في أرضنا الحبيبة، وقد وفقني الله سبحانه وتعالى في الإنضمام ضمن طلبة الكلية الحربية لأتخرج منها برتبة الملازم في نوفمبر 1969م، وانضميت لوحدات الصاعقة فور تخرجي.
وأضاف: قد شرفني الله بالاشتراك في حرب أكتوبر، وكنت برتبة النقيب ضمن مجموعة من رجال الصاعقة الأبطال الذين لقنوا العدو درسًا قاسيًا لن ينساه وكبدوه خسائر فادحة وسطروا بأرواحهم ودمائهم وجهدهم وعرقهم ملحمة البطولة والفداء"، قائلا: "كانت مهمتنا عمل كمائن خلف خطوط العدو وعرقلة تحركاته بالقرب من مطار أبو رديس بجنوب سيناء، خلال حرب 6 أكتوبر، ونفذنا عمليات خلف خطوط العدو أهمها عملية "السبت الحزين" التي أوقعت بالعدو خسائر فادحة خلال حرب الاستنزاف، حيث دمرنا دبابتين وخمس سيارات لنقل الجنود وقمنا بأسر مجنداً إسرائيلياً.
وأشار شحاته، إلى أهمية رفع الروح المعنوية للجنود، إن الضباط والجنود كانوا مشتاقون لعمل يشف غليلهم ويرد لهم ما سلبه من أرضهم حين غفلة لتعود بلادهم حرة أبية، ويرفرف علمها على كل شبر وحبة رمل، حتى وان كانوا ذاهبون بلا عودة، بل قرروا الموت ليحيا الوطن لمهمة الانتحارية "ذهاب بلا عودة"، قررت القيادة تحريك الطائرات إلى أماكن التمركز الجديد وكلها خلف خطوط العدو لتبدأ رحلة أبطال الكتيبة ٢٨٣ صاعقة في رد كرامة الوطن.
واستطرد: وصلتنا تعليمات بضرورة نقل الكتيبة قبل إعلان ساعة الصفر إلى منطقة نائية بالقرب من الزعفرانة ومنطقة الكريمات لتلقي التدريبات هناك، وهذا بالتزامن مع تأكيد رفيق الدرب واحد أهم أبطال الصاعقة اللواء "عبد الرءوف جمعه" بأنه تم تسريحه من الجيش هو وعدد كبير من الجنود وهو ما علمنا بعدها أنه كان نوعاً من التمويه، وبعد أقل من شهر تمت إعادته هو وباقي زملائه إلى صفوف الكتيبة في الزعفرانة.
ويواصل حديثه، قائلا: تحركت القوات وسط فرحة من الضباط والجنود بقرب لحظة الانتقام من العدو، وإصرار على الثأر لكرامة الأمة، وعزيمة على إلحاق أكبر قدر من الخسائر به في في الأفراد والمعدات معداته، مضيفا أن الجنود تلقوا تعليمات بالتحرك زالوا عنهم صدأ الانتظار وقلق الجوف، واستعادت أجسادهم انطلاقتها مع الاستعداد للقتال والاشتباك، الذهاب للميدان تتحرك معه ذاكرتهم باتساع وخيالات عريضة تستعيد ذُل الهزيمة بسرعة.
ويوضح: مهمتنا كانت عمل كمين على الطريق السريع لحظة الوصول إلى المكان المحدد، ننتظر حتى مرور قوات العدو فنقطع عليهم الطريق والإشارة "هي الله اكبر" لكي نبدأ في "إسخان العدو بطلقاتنا"، أو " الله اكبر مع ضرب دفعة في معدات العدو"، أبدا بإطلاق الإشارة للكتيبة فتمطرنا العدو بسيل لا منتهى له من الأخيرة حتى نقضي عليهم ".
ويستمر في الحديث : بالفعل تحركنا في عدة محاور، لكل محور منهم عدة طائرات، وكنت ضمن المجموعة التي توجهت إلى "وادي سدرة" في "أبو رديس"، وبعد أن وصلت في أول طائرة انتظرت بقية الطائرات، وبعد طول انتظار لم تصل سوى طائرة واحدة فقط، استمر الانتظار لمدة ثلاثة أيام ولم يكن هناك أية تحركات على الطريق الرئيسي وكانت مهمتنا قطعه وعمل كمين عليه".
ويشير إلى مدى تلهف أبطال الصاعقة للاشتباك مع عدوهم، تواقون للنصر أو الاستشهاد، وإذ هم يراقبون الطريق وبعد انتظار الأبطال للاشتباك مع العدو، فجأة ظهرت من بعيد أنواع كثيفة وصوت عالٍ يعمه الهرج والمرج، كما يقول: إنها كانت مؤمنة بأكثر من 15 سيارة وأصواتهم مرتفعة جداً كما لو كان يهللون وضحكاتهم ترج المكان والجبال من حولنا وصوت الأغاني توزعه السماعات على ثنايا الجبال فيما يشبه الفرح، ولم يكونوا يعرفون أنهم ذاهبون إلى جحيم رجال الصاعقة المصرية ينتظرونهم بالأحضان لينتقلوا منهم شر انتقام بعدد الدعوات التي حملاتها لهم ملايين الأنفس من المصريين منتظري النصر في البيوت من خلف المذياع.
ويروي، اتجهت إلى زملائي وبصوت عال : "صيدا ثمينا.. الخطة كما هي... كل منكم في مكانه حتى إشارة الانقضاض عليهم، "الله اكبر مع دفعة في المليان"، الإشارة تحولت إلى واقع والأبطال متلهفون للثأر، انهالت النيران على عربات العدو ليشعروا وكأنهم في جحيم، هكذا قال الجندي المأثور - فقد كان في مقدمة مجموعة العدو عدد 2 أتوبيس، ونظرا لأهمية من كانوا فيه من ركاب، قرر قائد المجموعة اللواء مجدي شحاتة ضرب هذه الأتوبيسات أولا، ومع أول صيحة "الله أكبر" انهال وابلا من الأعيرة النارية وقذائف الأر بي جي والقنابل اليدوية باتجاه الأتوبيسات وباقي المجموعة، حتى دمرت بشكل كامل خلال دقائق ، فقد تم تنفيذ العملية بنجاح "." سببت العملية مشكلة للعدو وقرر ان يراجع حساباته.
يواصل حديثه: أرسل العدو قوات أجرت مسحاً شاملاً للمنطقة بحثاً عن أبطال الصاعقة المصرية ، توصلت إليهم في صباح اليوم التالي، دبت حولهم حصار كبير، كان عددنا لا يتجاوز ٤٠ مقاتلاً ويحاصرنا العدو بحوالي ٥٠٠ معهم الأدوات القتالية من دبابات ومدفعية وطائرات، ومارس العدو حرباً نفسية على الأبطال كي يعلنوا استسلامهم ويأخذهم أسرى، إلا أن قوة الإيمان والصبر والثبات وعزيمة الرجال جعلتهم يقاتلون في معركة شرسة، تجددت مع إصرار العدو على الثأر، تكبد في المعركة الثّانية خسائر فادحة، جعلتهم يتراجعون عن الضرب بعد أن استمرت المعركة حتى نفذت ذخيرة الكتيبة، واستشهد جميع جنود المجموعة، لم يتبق منهم سوى "مجدي شحاتة" الذي ظل أكثر من ١٢ يوما في مطاردة مع العدو بحثا عن أي ناجٍ من الفرقة ينقذه من العدو ولكي تشاء الأقدار ان يحمل هذه الملحمة البطولية للأجيال القادمة.
يروي شحاتة: بعد استشهاد زملائي أصبحت وحيداً قررت التوجه إلى الشمال للانضمام إلى باقي القوات باتجاه "وادي بعبع"، وهو المكان الذي يوجد به اللواء "عبد الحميد خليفة" ومجموعته من كتيبة الصاعقة، وبعد ثلاثة أيام من المطاردة العنيفة وملاحقة قوات العدو لي تقابلت مع عدد من البدو وصفوا لي طريق الوصول إلى "وادي بعبع".
انتهت المعركة وعاد البطل مع زملائه الذين بقوا والتفاهم المشير احمد إسماعيل وزير الدفاع، وقتذاك لتكريمهم، وعبر لهم عن امتنانه وتقديره للعمل البطولي الذي قاموا به خلف خطوط العدو لمدة ٧ شهور ساهمت في رفع رأس كل مصري وعودة الكرامة للشعب بعد الاحتلال والغدر الذي مارسه العدو.






