06 - 05 - 2025

ملامح "صفقة القرن".. منطقة جديدة تماما محورها إسرائيل وتذويب الفلسطينيين

ملامح

كالمتوقع جاءت اجتماعات قادة العالم في الدورة ال 73 للجمعية العامة للامم المتحدة في نفس سياق التحول التدريجي نحو اعتماد نظام عالمي جديد تحكمه سياسيا حدود السوق والاقتصاد و التجارة وهو الامر الجاري منذ بدء الألفية الجديدةبقيادة الولايات المتحدة التي ضاعفت جهود فرض إعداد أرضية لهذا النظام الجديد الرافض لمفهوم السيادة والدولة الوطنية في ظل وجود رئيس مختلف يريد تكريس مصالح امريكا بغض النظر عن رغبات الدول والقوي الدولية الاخري بما في ذلك الحلفاء التقليديين لواشنطن .

فرأيناه في أروقة الامم المتحدة و في كلمته الموجهة للشعب الأمريكي قبل شعوب وقادة العالم يعدد انجازاته و يعلن صراحة أن الولايات المتحدة لن تستمر في القيام بدور شرطي العالم مجانا , هذا الدور الذي ما فتئت تقوم به واشنطن لعقود طويلة و كان بالاساس لحماية المصالح الأمريكية حول العالم.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد بمقره ودعينا الِي حضوره استمر في التأكيد علي نفس السياسات و اعاد التلويح بالمواجهة التجارية مع الصين وبنصره الذي أحرزه في التقدم في ملف كوريا الشمالية وهو النصر الذي سيحقق للولايات المتحدة نصرا لاحقا ألا هو ابعاد كوريا الشمالية عن حليفها الصيني.

وفي نيويورك كان كثيرون يتوقعون ان يعلن الرئيس الأمريكي عن تفاصيل مايسمي بصفقة القرن أو مبادرته لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي لاسيما وانه التقي الرئيس محمود عباس و تسربت بعض من تفاصيل هذا اللقاء بما فيها مناقشة الكونفدراليه, كما رشحت أجواء عدم ارتياح فلسطيني وامريكي علي السواء لدرجة تحدث بعض المصادر الأمريكية عن ان الوقت قد حان لإحداث تغييرات فلسطينية تأتي بقيادة جديدة في رام الله وتم طرح ثلاثة اسماء لقيادات فلسطينية امنية!

ومع ذلك فإن الرئيس الأمريكي فضل عدم التحدث حول الامر الا بعد لقائه برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وساعتها ادلي بتصريحات غير مسبوقة -سرعان ما زايد عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد أكد ترامب لنتنياهو أن العمل على صفقة القرن يجري على قدم وساق، وأبدى سعيه إلى تسوية النزاع على أساس حل الدولتين، واصفاً إياه بأنه “الحل الأمثل الذي يعجبه ”.

وقال ترامب انه واثق بأن الفلسطينيين يرغبون في العودة إلى طاولة المفاوضات، وانه يحلم بـ إنهاء النزاع قبل نهاية ولايته الرئاسية الأولى.

وذهب الرئيس الأمريكي الِي القول بـأن أنه سيكون على إسرائيل بموجب الصفقة “أن تفعل شيئا لصالح الطرف الآخر” قبل ان يضيف مؤكدا علي مساندة الولايات المتحدة لاسرائيل بنسبة “مائة بالمائة”

بعدها أعلن نتنياهو إنه لم يفاجأ بتفضيل ترامب لحل الدولتين مع الفلسطينيين، واشترط نتنياهو لتحقيق حل الدولتين أن تكون أي دولة فلسطينية مستقبلية هي منزوعة السلاح وتعترف بالدولة العبرية!

وبعد تداول تصريحات نتنياهو الرافضة لحل الدولتين اعاد الرئيس الأمريكي ترامب صياغة تصريحاته هذه -وذلك في مؤتمر صحفي بحضور وزير خارجيته و صهره كوشنر وكبار مستشاريه بما فيهم جون بولتون - وقال إنه منفتح على حل الدولة الواحدة للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل إذا كان هذا هو ما يفضله الطرفان و قال " اذا كان الإسرائيليون والفلسطينيون يريدون دولة واحدة فلا بأس"

كان الامر واضحا بأن هناك تضاربا متفقا عليه! وان هناك ثمه رسائل مقصودة وموجهة للرأي العام وكذلك للجيران العرب. فقد اشترط نتنياهو لتحقيق حل الدولتين أن تكون أي دولة فلسطينية مستقبلية هي منزوعة السلاح وتعترف بيهودية الدولة العبرية.وهو ما سيترتب عليه بحسب مراقبين" لروز اليوسف " فتح الطريق امام نتنياهو لإحداث تبادل ديموجرافي مع الفلسطينيين يجري بموجبه نقل عرب اسرائيل الِي مناطق فلسطينية ويسمح بإعادة يهود مقيمين في مناطق الفلسطينيين في عملية يمكن وصفها " بتبادل السكان ". وفي تصريحات حصرية كشف مصدر امريكي مطلع عن بعض من مضمون صفقة القرن التي ينطوي الرئيس ترامب الإعلان عنها قبل نهاية العام الحالي . وتتلخص المقترحات الأمريكية في التالي:

- ان التسوية التي تجري بين الأطراف تكون بموافقة الطرفين وبمساعدة الولايات المتحدة و"الدول العربية المعنية " وغيرها من مصادر تمويل صفقة القرن.

- ان الولايات المتحدة منفتحة لاحتمالات القبول بحل سواء كان قائم علي أساس دولتين أو دولة واحدة تجمع بين الاسرائليين والفلسطينيين إذا وافق الطرفان علي ذلك , وفي كل الاحوال ستكون هناك دولة فلسطينية منزوعة السلاح ويتم تأمين مناطق التماس للدولة الفلسطينية بين مصر و قطاع غزة بقوات اسرائيلية أو مصرية إذا اتفق الاطراف علي هذا, وتكون مناطق التماس بين المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية والاردن تحت حماية القوات الاسرائيلية.

وفيما يتصل بمسألتي القدس ستبقى الأوضاع علي ما أقرته الحكومة الأمريكية مؤخرا بإعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيل مع السماح باستخدام ابوديس الواقعة إداريا في نطاق مدينة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. وإعطاء الإشراف على الأماكن الإسلامية في مدينة القدس الموحدة للمملكة العربية السعودية التي ستتكفل بتمويل الحفاظ على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس.

- توسيع نطاق قطاع غزة على ساحل البحر المتوسط بين ساحل غزة والعريش لتوطين بعض اللاجئين الذين لا يتم توطينهم في البلاد العربية الاخرى وكندا والأمريكتين وأوروبا والبلاد العربية التي بها معسكرات لاجئين الفلسطينيين كسورية ولبنان والاردن ومصر .

- اجراء حملة لجمع هبات وتبرعات ومساعدات تتراوح مابين 150 مليار دولار -200 مليار دولار لتنفيذ مشروعات كبرى للبنية التحتية للمناطق الفلسطينية في غزة الكبري والضفة الغربية وسيناء - وعندما استفسرت من المصدر الأمريكي عن قصده بذكر سيناء هنا؟ قال: سيجري معظم مشروعات البنية الأساسية على شاطيء البحر المتوسط لتحلية المياه وتوليد الكهرباء وغيرها من المشروعات اللوجستية بمعرفة شركات مقاولات مصرية ويستفيد بها الاقتصاد المصري و هي مشروعات مكلفة و ستمول من هذه المساعدات بينما سيتم استخدام جانب في تمويل في دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين غير الراغبين في العودة لديارهم الاصلية! وكذلك دفع تعويضات للاجئين الذين يرغبون في التوطن في دول أخرى .

اقناع اسرائيل بالموافقة على عودة عدد محدود قد لا يزيد يزيد عن خمسين ألف فلسطيني وذلك وفق برنامج لم شمل للأسر الفلسطينية .

منح مساعدات للدول العربية التي سستقبل بتوطين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين بها .

العمل على تكريس استقرار المنطقة بمشروع إقليمي لتشجيع التكامل الإقليمي بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل ومصر والأردن والسعودية في إطار برنامج التكامل الإقليمي والذي ستكون نواته المشروع المعروف بإسم " نيوم"

بالنسبة للطرح الأمريكي لفكرة " الكونفدرالية" , فهم يرون ان تكون بين كل من اسرائيل والفلسطينيين والاردن, وذلك في المرحلة الاولي, ينتج عنها تسوية للقضية الفلسطينية في حالة موافقة كل الأطراف, بالتوازي مع انطلاق مشروع نيوم الذي سينطلق بغض النظر عن التسوية. وهو المشروع المرشح ليكون نواة لتنفيذ افكار امريكية لخلق مشروع تكامل اقتصادي ممتد في المنطقة كلها بين الدول العربية المحيطة بإسرائيل, ويضم مصر والسعودية والاردن ولبنان وفلسطين والكويت و الامارات بحيث تقام مشاريع تعاون مشتركة متنوعة من السياحة وخطوط انابيب غاز وطاقة وتصدير واستيراد ومواصلات والصناعات التكنولوجية و الالكترونية … الخ

علي ان يتم ادخال جنوب العراق لاحقا نظرا لأن ضمها مازال رهنا لتطورات الاوضاع في الموضوع السوري الإيراني والوضع الكردي وحيث مازالت واشنطن غير مرحبة بعد بخلق كيان كردي مستقل علي عكس إسرائيل التي ترحب وتعمل علي تشجيع حدوث ذلك .

هذه الأفكار التي يتم تداولها من فترة لاسيما المتعلقة بخلق محيط تكاملي في المنطقة يجمع بين الكونفدرالية الثلاثية ودول المنطقة سيكون خاضعا لمجموعة قوانين حديثة يتم التوافق عليها بين الكيانات المشتركة في هذا التكامل بغض النظر عن القوانين الخاصة بكل دولة مشتركة في هذا الكيان المتكامل .

علي اية حال فإن كل هذه الافكار تظل مجرد افكار عرضة للتشاور حولها بين الاطراف, و كما ذكر الرئيس الأمريكي صراحة فإن لا شيء يمكن ان يتم دون موافقة كل الاطراف المعنية ولو ان الادارة الأمريكية مع ذلك مازلت تضغط في كل الاتجاهات لانجاز صفقة القرن التي عجزت كل الادارات الأمريكية السابقة منذ ادارة الرئيس الأمريكي هاري ترومان الِي اليوم وبالتالي إذا ماتم انجاز هذه الصفقة فإن حظوظ الرئيس ترامب في الحصول علي جائزة نوبل للسلام تكون مضمونة .

وما علينا سوي انتظار اعلان ترامب في غضون الشهرين المقبلين عن تفاصيل هذه الصفقة, تمهيدا لفتح باب مفاوضات جادة قد يتم تأجيلها الِي مطلع العام المقبل.
____________

حنان البدري – نيويورك

 الموضوع نقلا عن مجلة روز اليوسف الاسبوعية