11 - 05 - 2025

مجتمع جديد أو الكارثة .. زكى نجيب محمود

مجتمع جديد أو الكارثة .. زكى نجيب محمود

لم يكن من الميسور، فى ذلك الوقت، شراء كتاب يصل ثمنه إلى ستة جنيهات، بينما لا يزيد ثمن عموم الكتب عن الجنيهين. إبداعات توفيق الحكيم بأقل من جنيه، وروايات نجيب محفوظ، قبل حصوله على نوبل للآداب فى عام 1988، بقروش معدودات. اتسمت كتب الدكتور زكى نجيب محمود بجودة طبعاتها وارتفاع ثمنها. اكتفيت بقراءة مقاله الأسبوعي كل ثلاثاء فى جريدة الأهرام جنباً إلى جنب مع مقالات الدكتور حسين فوزى ومحفوظ وإدريس وبنت الشاطىء والشرقاوى وإحسان عبد القدوس وأحمد بهاء الدين، وأنيس منصور، وغيرهم. خلاصة الفكر العربى فى جريدة واحدة. أين منا هذه الكوكبة الآن. عثرت بعدها على كشك يبيع الكتب المستعملة بأقل من نصف السعر فاشتريت كل ما وجدته من مؤلفاته.آ 

فى مثل هذه الأيام، 8 سبتمبر 1993، توفى استاذنا زكى نجيب محمود. كان قد حصل على الدكتوراه فى الفلسفة من انجلترا واغترف من بحار العلم الأوربى حتى ظن ان لا حياة بدون التحول الكامل للغرب، فما أن سافر للعمل فى الكويت عام 1968 واطلع على ذخائر التراث العربى حتى أعاد صياغة معادلة جديدة للتقدم تعتمد على مزج الفكر الغربى بالتراث فأصدر كتبه تجديد الفكر العربي، المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري، وثقافتنا في مواجهة العصر.

على الرغم من التعقيدات الفلسفية التى تعرض لها استاذنا الجليل إلا أنه امتلك القدرة على صياغتها بأسلوب أدبى بسيط تستشعر معه أنه يخاطبك وحدك. يجيب على أسئلتك الخاصة. يمسك بيدك فى رفق ويتمشى بك بين قضايا قديمة وحديثة، يربط بينها فى براعة فإذا القديم جديد، والجديد متصل فى القدم. أسس مدرسة تعتمد على التوفيق بين الدين والعلم، والإيمان والعقل، والشرق والغرب، مؤكداً أن الإيمان الروحى لا يتناقض مع العقلانية العلمية، فبرغم إقرارنا بأن الدين قِوامه الإيمان لا براهين المنطق العقلى، إلا أن ذلك لا ينفى إمكان إقامة تلك البراهين العقلية على صحة العقيدة الدينية، كما أن جانب الدين ينطوى على عقيدة وشريعة معاً، وهو ميدان يُعمِل فيه الإنسان عقله ليستخرج منه ما ينظم له حياته العملية.آ 

ويُرجع استاذنا فى كتابه أفكار ومواقف أسباب عدم نفاذ الأمة العربية، فى حاضرها الراهن، إلى العالم الخارجى بفكرها وأدبها إلى شيوع منهج الترديد الأبتر إما لأفكار الغرب الحديث أو العرب الأقدمين ترديداً يتوافق فى العناوين ويختلف فى المضامين لأنه بُنى على قِلة إدراك وعلم. أيضا، يغلب على كتاباتنا الهمس الداخلى، بمعنى عدم تخطى الكثير من إنتاجنا المعرفى حدود اللغة العربية. ويُرجع استاذنا سمو الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات ارتكازها على محور الأخلاق، فى الوقت الذى أسست حضارات أخرى قواعدها على الفن، أو على العلم، مما يؤهلها، الحضارة الإسلامية، لاستيعاب ما عداها من حضارات.

وأملاً فى التقدم يعرض كتابه مجتمع جديد أو الكارثة خلاصة بحث قرأه يقارن بين الدول المتقدمة والنامية فيُشير إلى بعض الفوارق ومنها، أن أهل البلاد المتقدمة يحبون أعمالهم بينما يبغضه أهل البلاد النامية، كما أن أغلبية أهل المدينة فى الدول المتقدمة تتمنى السكن فى الريف طلباً للهدوء والراحة وهو عكس ما يحدث فى الدول النامية، حيث يسعى الريفيون للهجرة إلى المدينة، حتى حدث ما اسماه الاستاذ محمد حسنين هيكل (ترييف المدينة). من هنا يطرح أفكاره فى ضرورة المشاركة الحقيقية للأفراد فى تعيين الحاجات الضرورية للمجتمع، وعدم سقوط المجتمع فى فخ الاستهلاك على حساب الانتاج، تأسيساً على مبدأ أن التعليم هو المحور الرئيسى للتقدم شاء من شاء وأبى من أبى.
_______________
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد