06 - 05 - 2025

مستشفيات الأمراض العقلية .. هل تعود أداة "مغلفة بالسلوفان" للاعتقال السياسي!

مستشفيات الأمراض العقلية .. هل تعود أداة

في البلاغات الأخيرة التي تم تقديمها من "المحامين الشرفاء" ضد المرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي بعد كلمته أمام مؤتمر الحركة المدنية ترددت نغمة تكاد تكون واحدة بعبارات مختلفة ، فالمطالب تتنوع بين "فحص قواه العقلية"أو "إيداعه مستشفى الأمراض العقلية"أو التأكد من سلامة قواه العقلية قبل محاكمته بالتهم التي نسبوها إليه، ويبدو أن كلا منهم قد سمع نفس الرسالة وصاغها بطريقته.

المشهد تبحر في تاريخ استخدام هذا النوع من العقاب للسياسيين.

استغلت العديد من الدول في جميع أنحاء العالم الطب النفسي سياسيًا، بمعنى تعمد إساءة التشخيص النفسي والاحتجاز والعلاج، لمنع جماعة معينة أو مجموعة من الأفراد في مجتمع ما، من ممارسة حقوقهم في التعبير عن الرأي أو المعارضة للأحداث أو السياسات الراهنة.

وثبت تورط أطباء نفسيين في انتهاكات حقوق الإنسان في عدة دول، من بينها أوروبا الشرقية مثل رومانيا وتشيكوسلافيا ويوغسلافيا، ودول الإتحاد السوفيتي السابق وكان ذلك جليًا في الفترة ما بين ستينات القرن العشرين حتى عام 1986، وقد قضى احتجاز المعارضين السياسيين في المستشفيات النفسية في تلك الدول على مصداقية الطب النفسي فيها، وعرّضها لإدانة قوية من المجتمع الدولي، وبذلك تم استغلال الطب النفسي والمستشفيات النفسية كمعتقلات سياسية للسياسيين والمعارضين أكثر منها لعلاج نفسي.

ففي ألمانيا النازية مثلًا، شهدت أربعينات القرن العشرين إساءة استخدام الطب النفسي، فكان للأطباء النفسيين دورًا فعالًا في إرساء نظام لتحديد مئات الآلاف من الأشخاص "الأدنى عرقيًا ومعرفيًا" والمرضي النفسيين وإخطارهم ونقلهم في وقتلهم في مواقع بين المستشفيات العقلية المركزية والسجون ومعسكرات الإبادة، وذكرت الأبحاث والتقارير فيما بعد تورط 6 مراكز للطب النفسي في الإبادة.

وفي رومانيا، تم استخدام مستشفيات الأمراض العقلية كمراكز للاعتقال قصير المدى، فمثلًا تم اعتقال ما يزيد عن 600 شخص من المعارضين السياسيين قبل أولمبياد الألعاب الرياضية الدولي في عام 1982، داخل المستشفيات النفسية.

وكان يتم في الاتحاد السوفيتي عشية الأعياد الشيوعية، احتجاز "مثيري الشغب" المحتملين وإرسالهم في حافلات إلى مستشفيات الأمراض العقلية، ثم إطلاق سراحهم بعد انتهاء الأعياد.

وفي عام 1981 تم القبض على المؤرخ الماركسي أرييل هيدالغو في كوبا، وتم اتهامه بالتحريض ضد النظام الاجتماعي والتضامن الدولي والدولة الشيوعية، وحُكم عليه بالسجن ثمان سنوات، وتم نقله إلى مستشفى هافانا للأمراض النفسية بعدها واستمر فيها عدة أسابيع، كما نشرت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية في تقارير لها، تشير إلى حالات احتجاز في المستشفيات النفسية دون مبرر قبل نهايات ثمانينات القرن العشرين، وتتعلق هذه التقارير بمستشفى جوستافو ماشين جنوب شرق البلاد، ومستشفى الأمراض العقلية الكبيرة في هافانا.

وفي مصر تذكر الوقائع أحداث مشابهة لإيداع سياسيين داخل مستشفى الأمراض العقلية، ففي أوائل سبعينات القرن الماضي نذكر على سبيل المثال ايداع الكاتب والمفكر والسياسي إسماعيل المهدوي، التي اختلفت الأقاويل فيه حول هذه الواقعة، فحسب ما ذكر الكاتب الكبير صلاح عيسى في كتابه "تباريح جريح" الصادر عن مدبولي عام 1988، أن المهدوي بعد أن تيقن أنه لم يكن مرغوبًا فيه بجريدة الجمهورية وكتاباته أصبحت من الممنوعات، طلب إجازة بدون مرتب للذهاب لفرنسا لدراسة رسالة دكتوراة كانت منحة من الحكومة الفرنسية، ومنحته الجريدة تذاكر السفر مجانًا من القاهرة إلى باريس عبر الكويت، وقبل انتهاء الإجازة بثلاثة أيام أرسلوا إليه يبلغوه بسحب موافقتهم على الإجازة وأنه إذا تغيب يومًا واحدًا أصبح مستقيلا.

وبعد عودته ظل طوال عام وخمسة أشهر يطرق أبواب الجهات الرسمية والقانونية المختلفة دون جدوى، حتى اعتبروا أن بلاغاته دعاية سياسية ضد نظام الحكم وتم القبض عليه وتحويله إلى مباحث أمن الدولة، فسُجن بالاستئناف، ثم مستشفى الأمراض العقلية التي استمر فيها 17 عامًا.

وفي تقرير تم نشره بموقع جريدة "الأخبار" الإليكتروني في أكتوبر 2011 بعنوان "أطباء مستشفى الأمراض العقلية يكشفون عن مهازل.. حكايات مرعبة من معتقل أمن الدولة في مستشفى العباسية"، ذكر خلاله على لسان أحد الأطباء النفسيين الموجودين بالمستشفى، عن صنفين من ضحايا جهاز أمن الدولة – حسب تعبيره –من بينهم أشخاص لديهم مبدأ يدافعون عنه، وهم ذوو الاتجاهات السياسية الذين يتم القبض عليهم، ويرى أن هؤلاء يزيدهم التعذيب صلابة وقوة أكثر من ذي قبل.

ولم تقف الإدعاءات والوقائع الفعلية حول إيداع السياسيين مستشفيات الأمراض العقلية إلى هذا الحد، فقد ذخرت فترة عبد الناصر بمثل هذا النوع من الوقائع، وربما ذخرت الفترات التي تلته وحتى الآن، ولكن المعلومات الحقيقية حولها مبهمة وغير موثقة.
 ---------------

تقرير: إيمان جمعة