تصاعدت أعمال العنف في البصرة، جنوب العراق، فبعد إحراق القنصلية الإيرانية، توجه الآلاف من المتظاهرين إلى القصور الرئاسية في المدينة، حيث أحرقوا مقرا لميليشيات الحشد الشعبي هناك، كما أحرقوا مقر حركة ما يسمى "البشائر" التابعة لرئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الموالي هو الآخر لإيران.
وتضاف القصور الرئاسية ومقر "البشائر" إلى العديد من المقار الحكومية والحزبية التي اقتحمها المتظاهرون الغاضبون على تردي الأوضاع المعيشية في المحافظة الغنية بالنفط، خلال الأيام الماضية، وتحولت فيها الاحتجاجات إلى مواجهات دامية قتل فيها 10 محتجين.
ومن جهتها، سارعت إيران، بالرد عبر ميليشيات "عصائب أهل الحق" حيث نزل تابعوها إلى الشوارع وأطلقوا النار على المتظاهرين، الأمر الذي أدى مقتل أحدهم وإصابة عدد آخر، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية.
وفي وقت لاحق، اندلعت مواجهات مسلحة بين الميليشيا والجيش العراقي الذي تدخل لفض المواجهات بين المتظاهرين ومسلحين في مقر العصائب في منطقة "بريهة" بالبصرة.
وخلال الأيام الماضية، اتهم متظاهرون ميليشيات تابعة للأحزاب الموالية لإيران بارتداء زي عسكري، وإلقاء الرصاص والقنابل عليهم.
وفي محاولة متأخر لتدارك الاحتجاجات، أعلنت قيادة العمليات العسكرية في البصرة فرض حظرا للتجول على المدينة بأكملها قبيل الساعة التاسعة مساء بالتوقيت المحلي (1800 بتوقيت غرينتش) وسط احتجاجات عنيفة، وفق "رويترز".
وأضاف البيان أن قوات الأمن ستعتقل أي شخص تمسك به في الشارع وقت سريان الحظر.
وفي السياق استدعت الأحداث عقد جلسة استثنائية للبرلمان العراقي غداً السبت، في حضور رئيس الوزراء حيدر العبادي، لمناقشة الأزمة الاجتماعية والصحية في المدينة، ودعا المرجع الأعلى للشيعة في العراق آية الله علي السيستاني اليوم الجمعة، إلى إصلاح الوضع السياسي في بغداد، ووقف العنف ضد المتظاهرين، متهما الزعماء السياسيين بالمسؤولية عن التوتر وقال إن الحكومة الجديدة لا يجوز أن تتشكل "وفق الأسس والمعايير التي اعتُمدت في تشكيل الحكومات السابقة".
وقال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي حل تكتله السياسي في المركز الأول في الانتخابات التي أجريت في 12 مايو، لرئيس الوزراء حيدر العبادي عبر موقع "تويتر": "سارع بإطلاق أموال البصرة وتسليمها إلى أياد نزيهة لتتم المباشرة فورا بمشاريع مستقبلية".
وقد انطلقت شرارة الأزمة في البصرة على خلفية الاحتجاج ضد الفساد، بعدما أدى تلوث المياه في المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط، إلى نقل أكثر من 30 ألف شخص أصيبوا بحالات تسمم إلى المستشفيات.
ويتذمّر أهل البصرة عموماً من حالة الإهمال وغياب الخدمات العامة الأساسية، خصوصاً أن البنى التحتية في منطقة يفترض أن تكون غنية منهارة تماماً.
وعندما انطلقت حركة الاحتجاج ميدانياً أوائل يوليو، هاجم المتظاهرون مقرات الأحزاب الشيعية والجماعات المسلحة في البصرة، وهدأت الأوضاع بعدما أعلن العبادي في الشهر نفسه إطلاق خطة طوارئ بمليارات الدولارات لتحسين أوضاع مناطق جنوب العراق، إلا أن أهل البصرة يعلمون أن لا قدرة لحكومة منتهية ولايتها على الوفاء بالوعود التي قطعتها، وخصوصاً محاسبة الفاسدين الذي أثروا على حساب خزينة الدولة وحقوق المواطنين.
وإجمالا، قتل 24 شخصا منذ مطلع يوليو في أنحاء العراق، ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، في حين تتحدث السلطات عن "مخربين" تسللوا بين المحتجين مؤكدة أنها أمرت الجنود بعدم إطلاق النار.
ويذهب رئيس مجلس عشائر البصرة الشيخ رعد الفريجي إلى القول إن قادة البلاد "فقدوا السيطرة على الشارع لأنهم فقدوا ثقته"، ويستدل على ذلك بالمقاطعة الواسعة التي شهدتها محافظة البصرة لانتخابات مايو، ويرى الفريجي أن "الحديث عن أزمة أقتصادية مزحة، فالصناديق هي الفريسة بالنسبة للصوص، أتحدى أي شخص أن يقول إن هناك مشروعا كاملا لخدمة الشعب، أين ذهبت الاستثمارات بالملايين؟".
ويضيف الفريجي: "الشارع يغلي، لكن عندما تتظاهر تقابل بالعنف، وعندما تشتكي تكون الحكومة هي القاضي والخصم معاً". ويحذر من أن "التظاهرات لن تعود سلمية في وقت قريب، ولن يستطيع أي زعيم عشائري إيقافها".
ويقول عضو مفوضية حقوق الانسان الحكومية فيصل عبد الله إن "محافظة البصرة لم تعد تطاق والناس يعتبرون أن استجابة الحكومة ليست بمستوى الأزمة".
ويطالب سكان البصرة الذين يصفون المحافظة بـ "البقرة الحلوب" للعراق، بالحصول على حقوقهم مقابل كل ما أعطته المحافظة لبقية أنحاء البلاد، وهم ينتقدون غياب مشاريع لتطوير شبكات الكهرباء والمياه المتهالكة التي لم تعد كافية لمواجهة ارتفاع عدد السكان في ظل هجرة كبيرة من الريف إلى المدن والمناطق المحيطة بها، بسبب الأزمة في قطاع الزراعة الذي يعاني من الجفاف وتلوث المياه.
ويرفض أهل البصرة تقاذف التهم بين الحكومة المركزية في بغداد والسلطات المحلية، إذ تحاول كل من الجهتين تحميل الأحرى مسؤولية الوضع القائم. وهم ينتظرون ما ستتمخّض عنه جلسة البرلمان غدا ليقرروا مسار تحركهم ومصيره.