09 - 05 - 2025

سيدتى الجميلة

سيدتى الجميلة

بحرفية قدم سمير خفاجى والثنائى غير المتكرر، الأستاذ وشويكار، مسرحية سيدتى الجميلة لبرنارد شو على المسرح المصرى. استحق فؤاد المهندس لقب الاستاذية فى المسرح ولم ينافسه أحد. انفرد به كما انفرد غيره بذات اللقب فى مناح أخرى، الاستاذ محمد حسنين هيكل فى الصحافة، والست عندما نقصد سيدة الغناء العربى، أم كلثوم. 

فرضت المسرحية نفسها، فصار من الصعب تجاوزها فى تاريخ المسرح العربى عامة، والمصرى خاصة. أن تسلخ نصاً إنجليزياً من أصله وتعيد إنتاجه بصبغة مصرية خالصة، ليس بالعمل السهل. عادة، يعيش المترجم بين جدران عقل المؤلف، لا يستطيع فكاكاً. تطارده تعبيراته اللغوية وقاموس مفرداته الخاصة. تحاصره جغرافيا المشاهد والأماكن. يظله مناخ وعادات وتقاليد العمل الأدبى، رواية كانت أو مسرحية، أو غيرهما من أشكال النصوص الأدبية. يُنقع المترجم فى هذه التفاصيل كافة، وربما تقمص روح أحد شخصياتها، حتى يتمكن من نقل مشاعر الراوى إلى القارئ. سهل أن تترجم. صعب أن تُنسى القارئ النص الأصلى.

تخطى الكاتبان، سمير خفاجى وبهجت قمر حاجز الترجمة إلى التمصير، بمعنى نسخ أحداث الرواية إلى أجواء المحروسة، بنكهتها وزخمها، همومها وأفراحها، انتصاراتها وانكساراتها، ملحها ومليحها، بصمة تشكلت على مهل، اختزنت عبر آلاف السنين وانطبعت فى طبقاتها الجيولوجية، اختلطت فيها موروثاتها الدينية والثقافية وتباينت مستوياتها من الجودة فشاب بعض من صحيحها شيء من تشويش. استطاع خفاجى وقمر تمصير المسرحية حتى كاد المتفرج أن ينسى النص الأصلى وكاتبه.

جورج برنارد شو، كاتب انجليزى حصل على نوبل فى الآداب 1925 ذاعت شهرته ككاتب مسرحى من الطراز الأول. تأثرت كتاباته بنشأته الفقيرة فانعكست على رواياته ومسرحياته. لم يمكنه الفقر من استكمال تعليمه، فعلم نفسه بنفسه وكابد آلام تجاهل القراء والنقاد رواياته الأولى. نشر خمس روايات لم يصادف أحدها النجاح فعمل ناقداً للموسيقى حيث ذاع صيته، تلى ذلك كتابته العديد من المسرحيات ومنها بيجماليون، الأشهر بين أعماله، ويرجع أصل المسرحية إلى الاسطورة اليونانية.

كان بيجماليون أعظم نحاتى عصره، يصنع من التماثيل ما لا يستطع نظراءه محاكاته. انتهى ذات يوم من تمثال من العاج لامرأة جميلة، ومن فرط إعجابه بها وقع فى هواها وزينها بالنفيس من الجواهر، ثم دعا فينوس، إلهة الحب والجمال، ان تمنحها الحياة فحذرته من ذلك، ونصحته بالإبقاء عليها كتمثال جميل، فما كان منه إلا ان توسل إليها، فحققت له امنيته، فمنحها اسم "جالاتيا".

وبينما كان بيجماليون يتضرع لفينوس شكراً، فتحت جالاتيا عينيها لتجد أمامها صديقه نرسيس فتعجب به وتحبه وتهرب معه، عندها تغضب فينوس وتتدخل لتعيد جالاتيا إلى بيجماليون، وتشرح لها حقيقة أمرها، وأنه النحات الذى صنعها، فتندم على ذلك وتعود زوجة مخلصة محبة لزوجها، وفى لحظة صفاء يبتهل بيجماليون إلى الآلهة أن تعيد جالاتيا إلى حالتها الأولى، تمثال فائق الجمال.

من هذه الخلفية التقط برنارد شو خيط سرد مسرحيته، فعَالم الصوتيات، السيد هنرى هيجنز، يراهن صديقه على مقدرته تدريب الفتاة الفقيرة "دوليتل"، التى تبيع الورود فى الشارع وتتحدث بطريقة سوقية على أداء دور سيدة ارستقراطية فى حفل يقيمه السفير، فيأخذ فى تعليمها ويكابد فى ذلك معاناة شديدة حتى ينجح وتصبح سيدة مجتمع ويقع فى حبها.
 --------------

بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد