(مؤشرات)
سمير أمين ورحلة الفجوة بين الشمال والجنوب
محمود الحضري
رحل عن دنيانا الخبير والمفكر الموسوعي دكتور سمير أمين، ربما مات وفي قلبه غصة من دولته وأنظمتها، والتي لم تسعى يوما للإستفادة من أفكاره ورؤاه ليس في الإقتصاد فقط، بل في الكثير من المعارف.
سمير أمين – رحم الله- لعب دورا مهما في الحياة الدولية بقضاياها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، وسعى أن يغير في الكثير من المفاهيم، والعمل على تقليل الفجوة بين الشمال والجنوب، وليس العكس، بهدف تحقيق العدالة للإنسانية في أرجاء الأرض، ليظل حيا في الدنيا.
ولنقف على هذه الرؤية المعمقة في واحدة من أخر ما كتب سمير أمين عن الأزمة في الإقتصاد العالمي، ورؤيته لها، والتي عمقت الفجوة بين الشمال والجنوب.. ولنقف على ما قال عالمنا الراحل...
خلف الأزمة الماليّة، أزمة نظام رأسمالي عجوز (متهالك).
لكن لا يكفي لفت الانتباه إلى الانهيار المالي، فخلفه، ترتسم أزمة في الاقتصاد الحقيقي، لأن الانحراف المالي نفسه، سيؤدّي إلى شلل النمو والبنية الإنتاجيّة؛ فالحلول المقدّمة للأزمة المالية، لا تستطيع إلا أن تؤدي إلى أزمة في الاقتصاد الحقيقي، أو بكلام آخر، إلى ركود نسبي في الإنتاج، مع ما سيتسبب به ذلك من تراجع مداخيل العمال وارتفاع في نسب البطالة، والمزيد من الهشاشة الاجتماعية وتعميق الفقر في دول الجنوب، وبات علينا اليوم الكلام عن انهيار لا عن نمو.
وخلف هذه الأزمة، تتبلور بدورها الأزمة البنيوية النظامية للرأسمالية، فإن مواصلة اللحاق بنموذج نمو الاقتصاد الحقيقي كما نعرفه، وبنموذج الاستهلاك المرتبط به، أصبح، للمرة الأولى في التاريخ، تهديداً حقيقياً لمستقبل البشرية والكرة الأرضية.
إنّ البعد الأساسي في هذه الأزمة النظامية، يتعلّق بالوصول إلى الثروات الطبيعية للكرة الأرضية، وهي ثروات أصبحت بشكل ملحوظ أكثر ندرة مما كانت عليه قبل نصف قرن، والصراع بين الشمال والجنوب يمثّل في هذا السياق، المحور الرئيسي للنضالات والصراعات المستقبليّة.
إن نظامي الإنتاج والاستهلاك ـــ التبذير المطبّقين حالياً، يمنعان وصول معظم سكّان المعمورة، وتحديداً سكّان الجنوب، إلى الثروات الطبيعيّة التي تختزنها الأرض.
في الماضي، كان يمكن لدولة صاعدة اقتصادياً أن تأخذ حصّتها من الثروات، من دون تهديد امتيازات الدول الغنيّة، لكن اليوم، لم يعد الأمر يسير على هذه الحال. فالدول الغنيّة التي يسكنها 15% من مجموع سكان العالم، تستحوذ على 85% من ثروات الأرض، لمصلحة استهلاك وتبذير مواطنيها وحدهم، ولا تحتمل بأي شكل أن تتمكّن دول أخرى من الوصول إلى هذه الثروات، لأن ذلك سيؤدي إلى نقصان هائل سيهدّد مستويات معيشة سكان الدول الغنيّة.
وإذا كانت الولايات المتحدة أوكلت لنفسها هدف السيطرة العسكرية على العالم، فذلك لأن حكامها يدركون أنه من دون هذه السيطرة، لا يقدرون على تأمين الوصول الحصري إلى هذه الثروات الطبيعية.
وكما نعلم، فإنّ الصين، كما هي حال الهند ومجمل دول الجنوب، بحاجة أيضاً إلى هذه الثروات الطبيعيّة لتنمية اقتصادياتها، أمّا بالنسبة للولايات المتحدة، فالهمّ مرتبط بالضرورة بالحدّ من وصول الآخرين إلى هذه المصادر الطبيعية، وفي نهاية المطاف، ليس هناك سوى وسيلة واحدة: الحرب.
ويزيد سمير أمين "إن النظام الرأسمالي الحالي تسيطر عليه حفنة من تجمّعات المحتكرين الذين يحكمون القبضة على القرارات الجوهريّة في الاقتصاد العالمي، وهم محتكرون ليسوا ماليّين مؤلّفين من مصارف وشركات تأمين فحسب، بل جماعات تساهم في الإنتاج الصناعي، وفي قطاع الخدمات والنقل... ميزتهم الأساسية هي صبغتهم الماليّة".
.. هل سنستوعب خطورة الموقف، كما حلله فقيدنا الراحل سمير أمين، الذي تضيع بين صراعاته واحتكاراته حقوق الفقراء والمطحونين في ظل جشع رأسمالي، وتوسعات بشعة فيما يسمى اقتصاد الخدمات، والمالية منها على حساب الإقتصاد التنموي، .. لعل القائمين على اقتصادنا يدركون !!!