24 - 08 - 2025

"جرح الكتابة" و "ندم" (قصص قصيرة جدا)

جُرح الكتابة

لا أعرف الصلة بين تجدد نزيف جُرح الكتابة وساعات السفر. تتحوصل الأفكار فى رأسى. تتقاطر الحروف فى صدرى. تتجاذب. تصير كلماتٍ وجملا. تتلاطم. تنتفخ كريات تحت جلدى. تتحوصل. تكبر مع الثوانى والدقائق. أتعجل انفثاؤها. أنبشها بدبوس الأحزان. تتسارع قطرات الشجن على جلدى. تستحيل شلال أحزان. أتوضأ بها. أُوَلى وجهى شطر قبلة الكتابة. وأشرع فى صلاتى.

لحظة أقبض على جمر القلم أملاً فى سرسوب البوح. يضيق إناء اللغة. تشرئب هامات لغتى الخرساء. يتسع فضاء مشاعرى. يستحيل خيمة من نور. أحشو سن قلمى حروفاً طاهرة. تتعثر. تتدافع. أتابع مشدوهاً نفرة الحروف على صَعيد السطور. يجرفنى سيل البوح من حيث أفاض القلب. أغرق فى أعماق مشاعرى. أتنفس لغتى فيخذلنى التعبير.

===================

ندم

مللاً، أتسكع فى المجمع التجارى الشهير الممتد بطول الشارع. عنوان حضارتنا وفشلنا. ملتقى المهمشين والمرموقين. المنسيين والمحظوظين. وجهاً لوجه، تلاقت عيوننا. هى هى، بشحمها ولحمها، بإقبالها وإدبارها. مر أكثر من عشرين عام على آخر لقاء. يومها، مشى كل منا فى اتجاه، هى مع زوج تكفلت بطاقته الائتمانية بتحقيق أحلامها بينما انضممت إلى قطيع الثيران المعلق فى ساقية الزمن. أيامنا بلا عناوين، وسفرنا بلا محطات، ودوراننا لا يعرف التوقف.

ما زال بهاؤها طاغياً، لها إقبال فَرسٍ فَتىٍ حَرون. تمشى إلى جوار زوجها، اللامع وجهه من أثر حمامات الكريم والبخار. المصبوغ شعره. المتبختر فى قميص الشاطئ الزاهى الألوان وسرواله القصير وحذائه الباهظ الثمن. القابض بيمناه على كفها وبيسراه على سجائره المستوردة وهاتفين يتخطى ثمنهما راتبى فى سنة.

تلقيت ابتسامتها مشدوهاً من أثر المفاجأة. انسكبت حلاوة الأيام فى بشرتها ونسى الزمن آثاره على اعتابها. تعلقت عيناى بكفها البض فى يمين زوجها، جرجرتنى الذاكرة إلى أواخر الثمانينات، نمشى متجاورين بعد انتهاء المحاضرات، انتظرها حتى تستقل الأتوبيس إلى بيتها وأكمل طريقى سيراً على الأقدام. ذات يوم، انتهينا من محاضراتنا مبكراً، سألتها: "ما رأيك نذهب للسينما؟"، "بشرط ألا نتأخر"، أجابت بعفوية فتاة تحب. أخذنا مكاننا، جلست على يسارها لأكون الأقرب إلى قلبها. لفنا الظلام ورحنا نتابع الفيلم والقبلات المسروقة بين المحبين. تلاقت أيدينا عفوياً فسحبت يدى سريعاً. خاب أملُها قبل أملى. بعد انتهاء الفيلم، خرجنا صامتين بلا ذكريات، ومن يومها وأنا أُعد نفسى للحظة مماثلة فيقهرنى ندمى.

--------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

[email protected]