09 - 05 - 2025

مجلس النواب يـُـمثـل من؟

مجلس النواب يـُـمثـل من؟

بعد نضال فكرى وقانونى قام به فلاسفة التنوير فى أوروبا..وبعد النماذج العديدة من تضحيات المُـفكرين، دخلتْ أوروبا فى (مرحلة النهضة الحديثة) خاصة بعد الثورة الصناعية.. فى تلك المرحلة استقر الأمر على فصل المؤسسة السياسية عن سلطة القضاء وسلطة التشريع.. وهوالمطلب الذى نادى به فى القرن السابع عشر  الفيلسوف جون لوك (1632- 1704م) والفيلسوف مونتسكيو الذى أصدركتابه الموسوعى (روح القوانين) عام1748م وآخرون. 

كان الهدف من تكوين (مجلس تشريعى) هو أنْ يكون بمثابة التعبير عن آمال وطموحات الغالبية العظمى من أبناء الوطن.. وذلك من خلال انتخابات حرة نزيهة، بحيث يكون أعضاء المجلس التشريعى، هم النواب عن الذين أعطوهم أصواتهم، بل هم النواب عن جميع أبناء الوطن، بغض النظر عن أية اعتبارات (دينية/مذهبية/ عرقية/طبقية..إلخ) 

والمجلس التشريعى يختلف دوره من دولة إلى أخرى.. وكلمــّـا ارتفع سقف الليبرالية، بالتوازى مع نظام سياسى حريص على تطبيق قواعد العدالة الاجتماعية، كلــّـما كان البرلمان هو المُـمثل الحقيقى لأغلبية أبناء الوطن.. والعكس صحيح فى حالة عداء النظام لأدنى أشكال الليبرالية.. وهو ما يعنى عدم الحرص على تطبيق قواعد العدالة الاجتماعية. 

ومن خلال النظر إلى مجموعة التشريعات التى صدرتْ بعد عام 1974 يتبيـّـن أنّ تلك التشريعات ظلمتْ الغالبية العظمى من شعبنا مثل (قانون استثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة..وقانون بيع شركات القطاع العام..إلخ)  

هذه القوانين لم يكن لها أنْ تصدر لو كان لدينا مجلس تشريعى ينظر بعين الاعتبار لمصلحة غالبية أبناء الوطن.. وليس لصالح قلة مُـقرّبين من السلطة السياسية. فى كل هذه القوانين كان بالبرلمان قانونيون جاهزون لتنفيذ كل طلبات / أوامر السلطة التنفيذية.. وهؤلاء هم من استحقوا بجدارة تعبير(ترزية القوانين) 

استمرّ الوضع حتى جاء قانون الإيجار الجديد الصادرعام1996وهو القانون الذى نزل على رأس جيل الشباب (من المعدمين والبسطاء) كنزول المطرقة بلا أدنى رحمة، بمراعاة أنّ الذين صاغوا مواد القانون.. وضعوا جيل الشباب المُـقدم على الزواج، أو كبار السن الذين ليس لهم مأوى ويبحثون عن سكن مُـستقر(وفق قانون الإيجار القديم) الذى استقر فى مصر عشرات السنين، إذا بالوضع يختلف اختلافــًـا جذريـًـا، حيث وضع (ترزية القوانين) الراغب فى استئجار شقة تحت (مقصلة) صاحب العقار.. حيث له الكثير من الصلاحيات من بينها: 1- تحديد مدة العقد وفق (مزاجه) فيكون سنة أوثلاث سنوات أو- لوتكرم- تكون المدة خمس سنوات 2- له حق تجديد العقد وله حق رفض التجديد 3- إذا تكرّم وتنازل ووافق على التجديد فيكون له حق زياة الأجرة (وفق مشيئته) بالرغم من أنّ القانون حـدّد نسبة مُـعيـّـنة للزيادة، ولكن مُـلاك العقارات لم يلتزموا بهذه النسبة، وإذا اعترض الساكن، فعلى المُـتضرّر اللجوء للشارع. 

وأعتقد أنّ هذا القانون الإجرامى لم يتسبب فى تفاقم أزمة الإسكان (فقط) وإنما تسبب فى كارثة أفدح وهى عزوف غالبية الشباب عن الزواج.. خاصة عندما يكون مبلغ الإيجار أكبر من دخل الشاب، أو أنّ الإيجار سيبتلع ثلثىْ دخله.. ومع مراعاة أنّ العزوف عن الزواج نتج عنه مشكلة أخرى.. وهى تلبية الاحتياج العاطفى والجنسى لمن هم فى ريعان الشباب (وهذا حق طبيعى) وهنا انقسم الشباب بين من لبى احتياجاته بطريقة غيرمشروعة.. ومن تمسك بقيم النــُـبل والفضيلة.. ولكن بثمن فادح وهو الأزمات النفسية (نتيجة الكبت) ولعلّ أبسط تلك الأزمات (مرض الاكتئاب) 

قانون الإيجار الجديد استفز (وقت صدوره) الأحرار من الكــُـتاب المصريين، الذين طالبوا بتطبيق القانون القديم، أو- على الأقل- تهذيب صرامة القانون الجديد بإلزام المالك بعدم المغالاة فى تحديد قيمة الأجرة.. ورفع مدة العقد بحيث لاتقل عن عشرسنوات.. فكأنّ من طالبوا بهذا التعديل كانوا يقرأون (المستقبل) حيث مأساة الشاب الذى رفض المالك تجديد عقده، عليه البحث عن سكن جديد وبشروط جديدة، وللعقل الحر أنْ يتخيـّـل مأساة نقل أثاث البيت كل سنتيْن أوكل ثلاث سنوات وأحيانــًا كل سنة حسب (مشيئة) المالك، بخلاف البحث عن مدارس تقبل نقل أطفاله.. إلخ. 

ومن سنة 1996 إلى سنة 2018 فإنّ الوضع يزداد خطورة.. فبدلا من تعديل قانون الإيجار الجديد ليكون أكثر إنصافــًـا للبسطاء والفقراء، إذا بإصرار عدد من مجلس النواب (فى عام 2018) على إلغاء قوانين إيجار المساكن القديمة.. وبالرغم من أنّ الشاعر فاروق جويدة لايـُـعانى من أزمة السكن.. فإنه من مُـنطلق مشاعره الإنسانية كتب عن أعضاء مجلس النواب المُـتحمسين لإلغاء قوانين الإيجار القديمة أنهم يفعلون ذلك ((دون مراعاة لظروف الملايين من المصريين البسطاء الذين يعيشون فى هذه العقارات.. وعليهم أنْ يسمعوا صرخات السكان الذين لايملكون شيئا..ولا ينبغى أنْ يتهمهم أحد بالاستغلال.. ونسى السادة الأعضاء أنّ هناك نظامًـا سبق نظام التمليك الحالى (وهو الخلوات) التى كان يدفعها المستأجر للمالك..وقد تجاوزتْ فى أحيان كثيرة سعر الشقة..وهى أموال لن يستردها الساكن.. وهناك صغار الموظفين الذين يعيشون فى شقق بالإيجار وهم الآن على المعاش.. فكيف يواجهون ظروف الحياة بعد طردهم من مساكنهم؟ (أهرام26/8/2018) 

ألا يدل هذا القانون المُـقترح- وعشرات غيره- أنّ تشريع القوانين فى قبضة قساة القلوب (فى أنظمة الاستبداد) حيث تقسيم أبناء الوطن الواحد إلى أبناء (شرعيين لهم كل الحقوق القانونية وغير القانونية) وأبناء (عليهم أداء الضرائب وليس لهم أية حقوق حتى حق السكن).
 --------------

بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟