24 - 04 - 2024

القراءة للجنين

القراءة للجنين

وضع رأسه على بطن زوجته وأخذ يقرأ سورة " الإنسان " وعلى مدار فترة الحمل ظل يعاود فعلته حتى أهدته بنتا جميلة ، بعد سنوات قليلات بدأ في تحفيظها القرءان الكريم ، وحينما وصل لسورة " الإنسان " تفاجأ بانها تحفظها ؛ ابتسم في نفسه وأدرك أنها كانت تنصت له وهي لم تزل جنينا في ظلمات ثلاث ، حين بدأت القصة في الذيوع والانتشار قابلها المتربصون بالسخرية والاتهام بالمبالغة .. وبعد سنوات معدودات تثبت الدراسات أهمية أن تقرأ الحامل لجنينها بصوت عال بل وتعيد عليه القصة التي أعجبته ، وعن طريق حركة الجنين أو ركله لأمه يمكنها أن تفهم مدى رضاه أوسخطه ، بل وتسمعه الموسيقى وتتحدث معه وتحكي له حدوتة قبل النوم .

 صناعة الأجيال التي هي أمنية كل غيور على أمته مرهونة بالرغبة الصادقة التي لاتخبو نيرانها ، وهي ضربة فأس في تربة صالحة للزراعة ، والتربة هنا هي عقلية طفل  يجب أن نطرقها بلياقة تليق ، والحقيقة لن أقع في فخ التكرار الممل الذي حفظناه عن ظهر قلب حول أهمية القراءة ، ولن أندب حظ أمة " اقرأ " التي تعزف عن القراءة بدلا من أن تعزفها ! اسمحوا لي أن نجعل القراءة لحنا يستمتع به الطفل ويعشقه فنصبح كمن يصنع قارئا لا أن يشجعه فقط ، فبعض الدول حتى من العالم الثالث نفسه تطبق مشروع " قراءة ألف كتاب للطفل قبل أن يصل لسن الخامسة " أي قبل مرحلة الروضة ، حيث تبدأ القراءة منذ فترة الحمل خاصة من الشهر الثامن ؛ فتقوم الأم بقراءة القصص لجنينها وعن طريق مكتبة الحي أو المدرسة – المفتوحة صيفا كذلك – يقوم الوالدان بتسجيل عدد الكتب التي تمت قراءتها للطفل منذ كان جنينا فرضيعا وهكذا حتى سن الخامسة ، وكلما أتما قراءة خمسين كتابا تقدم لهذه الأسرة شهادة وجائزة رمزية .

 المشروع لا يكلف الدولة شيئا ؛ حيث تقوم بعض المطاعم الشهيرة ومحلات ملابس الأطفال بتقديم التجهيزات اللازمة من أرفف مكتبية ومقاعد وبعض ألعاب الأطفال مقابل وضع إعلاناتها داخل المكان المخصص ، وتقوم تلك المكتبات بشراء الكتب المستعملة الرخيصة وتشجيع الأسر على التبرع بالكتب القديمة أو إعارتها للمكتبة واستردادها بعد فترة معينة ، ثم تقوم بتقديم بعض الإرشادات البسيطة للأهل مثل توعيتهم بضرورة القراءة لطفلهم بصوت مسموع لخلق صلة عاطفية بين الطفل والقراءة من ناحية وبينه وبين والديه من ناحية أخرى ، كذلك تخصيص ركن بسيط في البيت يحوي بعض الكتب والمجلات المصورة حسب المقدرة المادية ، وضرورة اصطحاب الطفل وقت شراء بعض الكتب والقصص واحترام اختياراته حتى لو لم تعجبنا ، وكذا اهدائه قصة مثلا مع هدايا الملابس والمأكولات المعتادة ليفهم أن متعة العقل لا تقل أهمية عن متعة الجسد ، وعدم إجباره على قراءة الكتاب أوالقصة حتى نهايتها ، فليتركها وقتما يشاء فحتما سيعود لها بعد أيام أو أسابيع .

تروي الكاتبة كاترين باترسون أنها قابلت طفلا سألها كيف يقرأ كل كتب العالم ، بعدها عرفت أن معلمته كانت تقرأ له بطريقة مشوقة جعلته يعشق القراءة ، فأطفال الروضة الذين يُقرأ لهم بصوت عال يزداد معدل ذكائهم عن نظرائهم الذين لم يُقرأ لهم ، وتؤكد كاترين على ضرورة اختيار الوقت المناسب ؛ كأن يكون الطفل شبعانا غير مرهق بعيدا عن التليفزيون وألا تكون القراءة عقوبة لأنه لم يفعل أو ارتكب خطأ ما ، واختيار أفضل الأوقات خاصة قبل النوم حيث نصوغ لأبنائنا بنهايات القصص السعيدة أحلاما ماتعة . وحبذا لو تمت مبادلة الأدوار كأن يقوم الطفل بقراءة قصة ثم يحكيها لأحد والديه قبل النوم ، فهذا يكسبه ثقة في نفسه ، ورائع أن تتحول القراءة للعبة جماعية في المنزل ، بأن يقول أحد أفراد الأسرة جملة يكملها الثاني فالثالث حتى تكتمل القصة ، وأن نخصص مكافأة مادية بسيطة كلما أنهى الطفل قراءة قصة .

يقول الحكيم الصيني كونفشيوس " قل وسوف أنسى ، أرني ولعلي أتذكر ، شاركني وسوف أتذكر " وتُفسر عبارته تلك بأن الإنسان بعد نحو شهر لا يتذكر سوى13 % من المعلومات التي يسمعها و17% من التي يراها ببصره و95 % مما حصل عليه بالحوار والنقاش ، لذا فإن مناقشة الطفل فيما يقرأه من أنجع الوسائل لتثبيت معلوماته .

 

مقالات اخرى للكاتب

(اعترافات قرصان اقتصادي)





اعلان