أعتقد أنّ الرئيس الأمريكى ترمب لايختلف كثيرًا عما سبقوه، من حيث السياسة الأمريكية الخارجية، الهادفة للهيمنة على غيرها من الدول، خاصة الموصومة بأنظمة يحكمها ملوك ورؤساء يدورون (فى الفلك الأمريكى) على حد قول الراحل الجليل سمير أمين..والفرق الوحيد بين ترمب ومن سبقوه هو(الأسلوب) فقد كان السابقون يتميّزون بدرجة من الدبلوماسية الناعمة.. ويخفون السم داخل قفازاتهم، بينما ترمب قذف بكل الأقنعة.. وتعامل بأسلوب شديد المُـباشرة لأقصى (درجات الفجاجة) مثل قوله: من يـُـريد حمايتنا عليه أنْ يدفع.. وتلك الجملة ذكــّـرتنى بفتوة صالات الرقص الذى كان يفرض إتاوة على الراقصات بحجة حمايتهنّ.
وأعتقد أنّ الإعلام العربى (والمصرى) تجاهل (فى موضوع السلاح النووى الإيرانى) ما حدث مع صدام حسين بحجة امتلاك العراق للسلاح النووى، بالرغم من تخبط إدارة بوش ((حيث اعتمدتْ على معلومات زائفة حول امتلاك العراق أسلحة نووية، بينما أجمعتْ تقاريرالأمم المتحدة أنّ العراق..ومنذ حقبة السبعينيات أنهى أى نوع من تطوير تكنولوجيا الأسلحة النووية.. وقال (هانزبليكس) ومحمد البرادعى وغيرهما من خبراء الأمم المتحدة ((لم يكن العدوان على العراق مبررًا وفق الأدلة المتاحة (والتى تنفى إمتلاك العراق للسلاح النووى) وقال (بليكس) أمام وزيرالخارجية الأمريكى كولن باول.. وأمام مجلس الأمن بالأمم المتحدة فى فبراير 2003، أنّ المصادرالأمريكية (غيرجديرة بالثقة) وأنه يستند إلى تصريح سبق أنْ قالته كوندليزا رايس (مستشارة الأمن القومى) وقال البرادعى إنه لديه الدليل على أنّ العراق لم يستأنف برنامجه النووى.. وهوالبرنامج الذى قامتْ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفكيكه عام1997.. وقال (بليكس) أنّ صانعى السياسة فى واشنطن تجاهلوا تلك المعلومات (د.بكيل أحمد الزندانى- فى كتابه: عقيدة بوش والشرق الأوسط الكبير- مؤسسة أروقة للنشر- عام2012- ص144)
والمغزى أنّ الإدارة الأمريكية كانت (مُـبيتة النية على غزو العراق واحتلاله) وأنّ موضوع السلاح النووى (حجة أو شماعة لتبرير الغزو) وكانت النتيجة أنْ انقسم العرب، ما بين أنظمة وقفتْ مع العراق.. وأنظمة صـدّقتْ الملعوب الأمريكى (سواء عن اقتناع أو لمجرد تأييد السيد الأمريكى) خاصة وأنّ أحدًا لم يتعظ مما حدث فى ليبيا عندما نجح بوش فى اقناع القذافى بالتخلى عن برنامج الأسلحة النووية (المصدرالسابق- ص143) ومن المهم ربط ذلك بما قاله سيف الإسلام القذافى: إننا لانــُـمانع فى (منح قواعد عسكرية لقوات بريطانية وأمريكية) وأضاف (إننا نتخلى عن أسلحتنا ومن ثم فنحن نحتاج إلى مظلة دولية لحمايتنا) وقال الشيخ حمد بن جاسم (وزيرالخارجية القطرية) على دول الخليج ألا تخجل من الاحتماء بأمريكا.. ولاتخجل لوجود القوات الأمريكية فى المنطقة (أهرام 12 يناير 2004) ومؤخرًا أعلنتْ الدوحة أنها تبحث مع أمريكا تحويل (قاعدة العديد) الجوية (أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة إلى قاعدة دائمة) وذلك كما ذكرتْ وكالة الأنباء القطرية الرسمية.. وأضافتْ الوكالة أنّ قطر تعمل حاليـًـا مع حليفها الاستراتيجى الأمريكى على رسم خريطة الطريق لمستقبل العلاقات الثنائية بين البلديْن، ليشمل ضم قاعدة العديد الجوية لقائمة القواعد العسكرية الدائمة التابعة لأمريكا (أهرام25يوليو2018)
والسؤال (هل الحماية الأمريكية لدول الخليج) بدون مقابل؟ وأليس الكلام الذى قيل سنة 2004 هو ما يطبقه ترمب؟ ولكن بفجاجته المُـباشرة.
إنّ ما أخشاه- كما أعتقد- أنّ الحملة التى يقودها ترمب ضد إيران، تستهدف حشد أنظمة دول الخليج، تمهيدًا للحظة المجابهة العسكرية..وبالتالى يكون قد حقــّـق أكثرمن هدف: 1- تأجيج الحرب المذهبية بين الشيعة والسنة، ليس على مستوى دول الخليج وإيران (فقط) وإنما على مستوى شعوب المنطقة حيث التواجد المكثف للشيعة فى معظم الدول العربية 2- الحرب المسلحة بين دول الخليج وإيران، كما فعلتْ أمريكا عندما ورّطت بلهاء العراق وإيران فى حرب دموية/عبثية لمدة ثمانى سنوات، مات فيها عشرات الألوف من الشعبين بخلاف الدمار فى البنية الأساسية للدولتيْن 3- سيتكرّر نفس السيناريو بشأن الحصول على السلاح.. والمُـستفيد شركات السلاح الأمريكية التى ستبيع للطرفيْن المُـتنازعين 4- بعد إنتهاء كارثة الحرب، (وغالبـًـا لامنتصر ولا مهزوم) (يبدأ سيناريو الإعمار) والمُـستفيد شركات المقاولات الأمريكية (ولابأس من بعض الشركات الأوروبية) بالضبط كما حدث بعد خروج الجيش العراقى من الكويت (وكان نصيب مصر إزالة الألغام، بمراعاة أنّ الإنسان المصرى ليس له ثمن من وجهة نظرالحاكم المصرى)
أما الاستفزاز الأكثر وضوحـًـا وسفورًا فى موضوع الأسلحة النووية، فيطرحه هذا السؤال: هل إيران (فقط) التى تسعى لامتلاك السلاح النووى؟ وهل كوريا الشمالية (فقط) من تمتلك السلاح النووى؟ ولماذا تركيز أمريكا وأوروبا على هاتيْن الدولتيْن؟ أو ليستْ إسرائيل دولة نووية كما ذكر د.فوزى حماد (رئيس هيئة الطاقة الذرية) وأضاف أنه بحلول عام 1970 أصبحتْ إسرائيل الدولة النووية السادسة فى العالم (مجلة الهلال- يوليو2002) أى أنّ إسرائيل (المزعومة) كانت دولة (بيبى) قياسًـا بتاريخ غيرها الذى يمتد لآلاف السنين؟
فإلى متى سيستمر استسلام الأنظمة العربية لبلطجية الإدارة الأمريكية؟ ومن يضمن أنه بعد إنتهاء فترة رئاسة ترمب، سيأتى رئيس جديد أكثر صلفــًـا ووحشية (وفتونة) بها أساليب جديدة للإبتزاز لم تخطر على بال سلفه؟