- روز اليوسف أجرت حوارا معي ثم مجدت السارق وكادت أن تدينني
- سيناريست شهير أخذ يسب الرقابة لأنها منعت معالجاته الدرامية وحكاها لي ناسيا أنها أعمالي!
- قطاع الإنتاج بالتليفزيون رفض رواية لأن بها "جنس وفساد" وهيئة الكتاب احتجزت أخرى 10 سنوات وأفرجت عنها سهوا!!
ولد سيد نجم والشعارات تخرج من القلوب للحناجر، وترعرع ومصر تبني السد، واستقبل قوة الشباب على جبهة القتال، من يومها لم يعد من ساحة القتال، تغير السلاح من تسليح خفيف وتسليح شخصي وأدوات جراحة إلى القلم والقلم والقلم. عن حربه في جبهة القتال والحياة الأدبية نحاوره..
في الجزء الأول من الحوار قال نجم إن تعلقه بعد الناصر دفعه إلى الكتابة في سن العاشرة ، كما أكد أنه لم يخطر بباله أنه كان يكتب أدب حرب .. عبر قصصه القصيرة التي كتبها أثناء حرب أكتوبر، وقال إن اقتحام بؤر الأخطار مثلت ذروة البطولة لديه .. فالجندي لا يفكر في الموت بل يدافع عن الحياة
وهذا نص الجزء الثاني من الحوار:
* ثمة رابط بين نصوصك الإبداعية والنقدية كلها: "السعي لمستقبل أفضل" هل كان هذا واضحًا لك منذ البداية؟
- ربما تتضمن إجابات الأسئلة السابقة مضمون إجابة هذا السؤال، حيث أدب الطفل عندي مسئولية وتزكية لدور الادب فى تربية النشء ولكن بلا افتعال ولا صوت زاعق، مع الالتزام بكل المفاهيم الفنية.. ثم جاءت الروايات والقصص القصيرة معبرة عن مضامين خضائص أدب الحرب وادب المقاومة عموما، وايضا بلا افتعال حتى ان البعض قد لا يستشعر ذلك.. حيث الهم العام هو من أهداف النزوع نحو كتابة عمل أدبي جيد، ولعل هذا ما لاحظه النقاد ومنهم د. صلاح فضل: "وإذا نظرنا إلى تيمات القصة القصيرة عند السيد نجم الأساسية، وما هي شواغل الحياة الجوهرية لديه؟ أنها على ثلاثة محاور: الأول.. استلاب الإنسان، وطغيان الأشياء عليه تحت وطأة القهر والعوز والعجز والعذاب بالوجود نفسه، ليس الفقر هو الكابوس الحقيقي، ﺇنه التشيؤ وقصور الإرادة. الثاني.. هو التوتر الدائم فى الصراع مع الآخرين، ومن أبرز تجلياته العلاقة الزوجية، هذا الرباط الضروري الأليم مصدر دائم لعذاب الإنسان، نادرا ما يكون نبعا للسعادة..
* "أنت السيد نجم.. دي رواية تحض على الفساد كلها جنس" هل تذكر هذه الجملة ومناسبتها؟ ما دلالاتها حين تعود إليها؟
- تذكرني بما قال به مسئول اﻹنتاج بقطاع اﻹنتاج الدرامى التليفزيونى فى التسعينيات، حيث قدمت معالجة درامية لروايتى أيام يوسف المنسى مع نسخة من الرواية الأصلية. بعد شهر أو شهرين ذهبت للتعرف على نتيجة القبول من عدمه، أفاد الرجل الطيب بالرفض، وقد أحسنوا وضع هذا الرجل لمقابلة المتقدمين بأعمالهم.. فهو صموت ولا يبدو على وجهه سمة انفعال ما من مرح أو حزن، ولا يسعى لأن يزيح الذبابة التى ترشق سحنته مطمئنة!
كنت أتمنى أن أعرف أسباب الرفض، فالطلب المقدم منه عليه تأشيرة (غير مقبول) بأكلاشية أزرق اللون.. أمام صمتى الملح مقابل صمته البليد.. يبدو أنه اضطر أن يفرج ما بين شفتيه وأخبرنى بالحقيقة كلها: "دى رواية تحض على الفساد كلها جنس".. فلما زاد الحاحي مال نحو أذنى وقال أماكن رواية أيام يوسف المنسى لك، تبدو مشجعة على الفساد والرذيلة.. سألته بثقة أنه لا يوجد ما يقول به، فقال: أنت تحدثت عن الفجور بين عمال الطابونة وكمان فى مساكن الايواء بقلعة الكبش.. قلت له إننى أشرت إلى خلل ما ولم أتعمد الوصف المجرد أو استخدام الكلمات المسيئة.. لم يعقب حتى مللت جلسته وخرجت مسرعا غير نادم.
لكننى حزنت (جدًا) فيما بعد بشهور قليلة عندما توجه اﻹعلام والدراما في التليفزيون للتعامل مع ظاهرة مساكن الايواء والمناطق العشوائية وأنتج التليفزيون بعض المسلسلات المعبرة عنها، وأصبح الحديث عن العشوائيات ومساكن الإيواء مشروعا بل وقابل للانتاج والتوزيع فى العالم العربى، بسبب ما نوهت به حرمُ الرئيس السابق في هذا الخصوص!
.. كما سمعت الدلالة نفسها لتلك الجملة، أننى أحرض على الفساد بتوظيف الجنس، عندما تقدمت برواية "العتبات الضيقة" للنشر بهيئة الكتاب.. تمت الموافقة والنشر، وتسلمت نسخى من مكتب د.سمير سرحان رحمة الله عليه ومن العلاقات العامة بالهيئة. وبعد حوالي ثلاثة شهور ذهبت ﺇلى فروع الهيئة لشراء نسخ لى.. كانت المفاجأة أن أخبرتنى كل الفروع بوسط البلد أن هذا الكتاب لم يصل من مخازن الهيئة.
فلما ذهبت للاستيضاح علمت من موظف أن الكتاب لم بخرج من المطبعة، وصل المدير العام وعرفته بنفسي وشعرت فورًا أنه يعرف الموضوع (منع تداول الكتاب، بل لم يسلم للمخازن ولم يخرج من المطابع) لكنه أبدى وكأنه يستمع باهتمام عن موضوع لأول مرة.. شاء القدر أن دخل أحد عمال المطبعة، فنظر ﺇليه وقال: "الأستاذ كاتب رواية العتبات الضيقة" وصمت، لم يصمت برغبته فقد تغلب صوت العامل عليه ووجه ﻹصبعه نحو عينيَّ قائلا: أنت مؤلف العتبات الضيقة؟ الرواية دى مش حتخرج من المطابع عندنا"
لم أفهم ونظرت نحو المدير الذى سأله وكأنه لا يعلم شيئا: "ليه؟".. رد العامل: لأن فيها جنس وتحريض على الفساد، قالها وهو محتقن الاذنين وبدأ العرق يطفو على وجهه وهو ما أثارنى واستفز مشاعري، وبدأت أرد عليه بما يناسب المقام، وأبديت قدرًا من التعالى ووصفه بالجاهل.. ليتدخل المدير ويطلب منى العودة بعد أسبوعين ليكون حل المشكلة.
لم تحل المشكلة لا فى عهد د.سمير سرحان ولا عهد د.نصار وأظن أنها حلت فى عهد د.أحمد مجاهد، ضمن محاولة حل كم المخزون الهائل من الكتب بضرورة طرحها فى معرض الكتاب القريب وأظن كان ذلك عام 2000 أى تم الافراج عن الرواية بعد حوالى عشر سنوات سهوا منهم.. وإن لاحظت أن بعض النسخ التى اشتريتها مزقوا الورقة الأولى منها.. لم أجد إلا تفسيرًا واحدا أنهم وجدوا رصد تدليل الزوجة لزوجها لأن ينهض ويذهب ﺇلى عمله فيه من الجنس المكشوف الكثير الواجب مواجهته وهو السبب وراء حبس الرواية طوال تلك السنوات.
واضح أن تلك الفترة كانت فترة اقتحام الاخوان واﻹسلام السياسى لكل مناحى الحياة فى مصر وأيضا بالمرافق الاعلامية والثقافية.. لكن واضح أننا لم نتخذ الاجراء السياسى الواجب، وقد تم توظيفها لبيان قشرة الديمقراطية التى يتمتع بها المصريين!
* تعرضت إحدى روايتك للسطو من سيناريست كبير.. وأدى تعامل الوسط الثقافي إلى إصابتك بالإحباط.. كيف تذكر ذلك الآن؟
خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات شاعت ظاهرة سرقة الأفكار الدرامية من أصحابها سواء كانت من خلال رواية منشورة أو حتى معالجة درامية (تريتمنت).
كانت تجربتى الأولى مع سيناريست غير مشهور لكن نجح أن ينتج له أحد الأفلام التى نطلق عليها أفلام المقاولات فى تلك الفترة، حيث تعبر عن الشقاوة والمرح من خلال قصة حب بسيطة.
حدث أن تقابلت معه وعرف اهتمامي بالكتابة وبهدوء الواثق أخبرنى أنه يفكر فى أعمال جديدة ويمكن أن أكون معه ويقدمها بنفسه إلى دهاليز التليفزيون. وافقت وانتهى الأمر بأن سلمته حوالى خمس معالجات درامية. تسلمها منى بعناية شديدة وطلب منى أن أنتظر ولا أقلق!
بعد ثلاثة شهور لم أكتف بالاتصال التليفونى وذهبت لمقابلته فى بيته.. وفور أن جلست على المقعد المواجه لمكتبه أشار ﺇلى سلة القمامة وأخبرنى أنها تتضمن أعمالى الخمسة وإن رغبت يمكن أن يسلمها لى فورًا.. لم أتسلمها، وذهبت ناحية باب الخروج من الحجرة والشقة كلها.
حدث أن قابلنى فى الشارع فى وسط البلد بعد سنة تقريبا، استقبلني بترحاب غريب، وبدأ بسب ويلعن فى مدير الرقابة على المصنفات الفنية، لأنه رفض الخمس أعمال التى تقدم بها التى هي من تأليفه.. وبدأ يقص الخمسة معالجات درامية أو الأعمال التى سلمتها له، لكنه نسى انها أعمالى!
.. أما التجربة الأخرى فى السطو على ﺇحدى رواياتى فقد تحدثت عنها بعض المجلات وتم الإشارة إليها فى بعض الأحاديث التليفزيونية.
حدث أن قابلنى أنا وبقية مجموعة نصوص 90 يوم الثلاثاء بمقهى ركس كعادتنا فى تلك الفترة.. أحد الصحفيين بمجلة اكتوبر وطلب أعمالنا الروائية لإنتاجها فى السينما.. فى الأسبوع التالى تسلم منى رواية ثم اتصل بالتليفون وأخبرنى أنها تصلح للانتاج.. بعد بضعة أسابيع أخبرنى أن المخرج الكبير سوف يدخل بها قريبا الاستوديو بعد اانتهاء من السيناريو.. المفاجأة أن الرواية تم إعدادها لفنان كوميدى كبير وتسلمها كاتب سيناريو معروف فى تلك الفترة.
وقرأت خبر الانتهاء من التصوير وبدء العرض فى دور السينما، أسرعت وذهبت العرض السينمائي، لم أجد ما يشير إلى روايتى وبالتالى ﺇلى اسمى.
وبدأت رحلة طويلة مملة، علي أن أثبت أن الثيمة مسروقة من روايتي، وعلى ﺇقناع كل وسائل اﻹعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون ونقد سينمائى فى الصحف بأحقيتى.. الجميع تخوف.. إلا جريدة الأحرار التى تمثل جزب اليمين فى بداية تجربة الأحزاب بمصر.. ومجلة الوسط التى تصدر فى فرنسا بالعربية.. وتجرأ الناقد عبدالغنى داود وحده أن يتحدث حولها فى واحد من البرامج التليفزيونية.
ما سبق شاق وغير مجدٍ، لكن حدثت المفاجأة أن اتصل الصحفى الشاب (فى حينه) عن مجلة روزاليوسف لاجراء حوار حول الموضوع.. ترددت فى البداية لأن البعض يتخذ من الحوار معى سببا لمقابلة السيناريست وﺇكتساب ما يكتسبه منه.
تقابلت من الصحفى الشاب وقد ﺇشترطت عليه –بسذاجتى- أن ينشر كلامى بلا تحوير، ووعدنى وبدأ اللقاء فى المقهى الذى استمر لثلاثة ساعات.. فلما ﺇنتهينا ونحن فى طريقنا للخارج نظر نحوى وقال: أنا مصدق كل كلمة قلتها لكن لو لم تجد ما قلته فلن يكون منى، ربما من مدير التحرير أو رئيس التحرير!
وبالفعل نشر التحقيق الذي كاد أن يديننى على كتابة الرواية ويمجد فى السيناريست الذكى المغوار!
* كيف تستطيع إبعاد (الناقد) عن العمل الإبداعي الذي تكتبه؟ وكيف تستطيع إبعاد (الأديب) عن العمل النقدي الذي تكتبه؟
- بداية أنا لست بناقد، البعض ألصق هذا الشرف بي.. لكن الحقيقة أننى أكتب دراسات فى مجالى "أدب المقاومة) و(الثقافة الرقمية).. أما ما أكتبه حول بعض الروايات ومجموعات القصص فهي من منظور كاتب رواية وقصة وخبرتى الجمالية والحياتية، ولا يمكن أن تجعلنى ناقدًا.. الناقد قيمة كبيرة ورائد فى مجتمعه قبل أن يكون محلل للأعمال اﻹبداعية.
أما عن سؤالك.. أستطيع أن أقول أننى لا أفضل المبدع داخلي وأنا أقرأ أى عمل إبداع للكتابة عنه، وهذا يسهل الأمور على كثيرًا.
أما كيف يتم إبعاد الناقد عن العمل الإبداعى الذي أكتبه؟ أستطيع أن أقول باطمئنان أن هناك مراحل للكتابة عندى.. أولا مرحلة الكتابات الأولية، وهى البدايات، والطريف أننى لا أنتهى بما بدأت به فى كل الروايات التى نشرتها، مع متابعة الكتابة أبدأ بمدخل مختلف أو أزيد من المكتوب أو الغى بعضه وهكذا.
فلما ينتهى العمل كله.. تبدأ المرحلة التى تسأل عنها، حيث التقاط الروابط والأحداث والدلالات وﺇبراز فكرة ما، ما يلزم معهه إعادة الصياغة بكاملها. والحقيقة الثانية أن الرواية المنشورة معى يتم ﺇعادة الصياغة بما لا يقل عن خمس مرات على الأقل.
* من خلال متابعتك للأجيال المختلفة والكتابات المتنوعة.. أين تكمن أزمة الكتابة الإبداعية؟ كان لقاؤك الأسبوعي الصامت بنجيب محفوظ أثرً على كتابتك هل هذا صحيح؟
- لكل جيل شطحاته ومنجزاته وسلبياته، والتعميم يضر التقييم العلمى، واﻹختلاف بين الأجيال لا يعنى الأفضلية لجيل عن آخر، وﺇلا فقد التفاعل البيئى - بالمعنى الحديث للبيئة - دلالاته وأنكرنا حقيقته.. لا مانع أن نذكر الأباء والأجداد منجزاتهم، ولكن فى تلك الأجيال ما كان سلبيًّا وضعيفًا ويسىئ للجيل ولكن الحقيقة تقول إن الجاد والحقيقى هو ما يبقى بالرغم من كل الاعتراضات والعوائق.. نحن لا يمكن أن ننسى جهد سليم حسن، وجمال حمدان، طه حسين، عباس العقاد، ونجيب محفوظ.. ومع هؤلاء وبينهم راجت اسماء واختفت منهم من روج لقصص الجنس المكشوف وكانت كتبه تبيع أكثر من نجيب محفوظ، ودعنى أضرب مثلا صريحًا للرواج الكاذب ثم الخفوت التام مثل أنيس منصور!
لم تكن هناك أزمة فى الكتابة، بل فى التلقي مع ذلك يلزم أن التلقى زاد وراج وأثمر جيلا أو جيلين هؤلاء من استفادوا من تدخل الدولة ودعمها للكتاب والثقافة عموما خلال عقد الستينيات.. لم يكن قط الرواج فى كم ما يتم طباعته فقط، ولكن الروح والمناخ الثقافى العام..
-------------------
حوار: أحمد سراج