كعادته، ومن جانب واحد، أعلن الرئيس ترامب إلغاء الاتفاق النووى مع إيران. كانت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أمريكا، انجلترا، فرنسا، روسيا، والصين، قد توصلت لاتفاق مع إيران في يوليو 2015 يفضى إلى تقليص أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عليها. جرت المفاوضات عبر ألمانيا، أحد أهم الشركاء الصناعيين لإيران، من هنا جاءت التسمية، اتفاق 5+1.
على الرغم من القيود التى وضعها الاتفاق على الأنشطة النووية لإيران إلا أنه فتح لها الباب أمام تجارة النفط مرة أخرى وتحسين عائداتها المترتبة على زيادة صادراته من نحو 2,5 مليون برميل يومياً إلى حوالى 3,8 مليون برميل يومياً، تشكل حوالى 4% من الإنتاج العالمى، لترتفع مدخلات الناتج القومى المحلى بشكل مؤثر.
تحت وطأة الصخب الإسرائيلى وتهييج الرأى العام الدولى من تبعات امتلاك إيران قنبلة نووية، جرت حرب سرية باردة بين الطرفين، اغتيال أربعة علماء طاقة نووية إيرانيين خلال عامين، 2010 حتى 2012، مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي، ومصطفى روشن. على التوازى، ضرب فيروس أجهزة الطرد المركزى المستخدمة في تخصيب اليورانيوم، حيث يعطى الفيروس رسالة أن العملية تسير بشكل جيد وطبقاً للمخطط، بينما يحدث تسارع رهيب يؤدى إلى خروج الأجهزة عن السيطرة علاوة على إرسال بيانات العمليات إلى أحد الجهات المجهولة، الأمر الذى أرجعه المتخصصون إلى وجود وكالات مخابرات خلف الفيروس. أيضا، جرى رصد الإجراءات التى قامت بها إيران لتطوير بنيتها التحتية في مجال تخصيب اليورانيوم والوصول إلى نسبة نقاء تضعها على أعتاب تصنيع قنبلة نووية.
على الجانب الآخر، حركت إيران خلاياها في لبنان، عبر حزب الله، وفى فلسطين، عبر حركة حماس، وفى العراق عبر الكتلة الشيعية، لإحداث حالة من القلق في الجانب الإسرائيلي من جهة، والساحة الإقليمية من جهة أخرى، مما جعلها حرباً بالوكالة تكمن خطورتها في بعدين، الأول عدم ظهور إيران على الساحة، وبالتالى تمكينها من إدارة ورقتى التوتر والحوار في نفس الوقت، بل واستخدام كلا الورقتين، للحصول على مراكز قوية عند التفاوض. وتمثل البعد الثانى في عدم تعرضها لضربات مباشرة تُضعف بنيتها التحتية.
ليس هذا فحسب، بل بدا المنهج جذاباً للقيادة الإيرانية وقابلاً للنسخ في مناطق أخرى، فتوتر الخليج عبر بوابة البحرين بدا سهلاً مع دولة صغيرة الحجم قوية التأثير. أيضا، صرح الإيرانيون غداة إعلان الرئيس الأمريكى انسحاب بلاده من الاتفاق النووى عدم أمان إمدادات نفط الخليج العربى ممثلة في باب المندب، ليس هذا فحسب فقد بلغ الأمر تعدى الحوثيين على ناقلة نفط سعودية وإصابتها، مما هدد بتوقف حوالى 35% من إمدادات الخليج العربى لأوربا وأمريكا. على الفور، تغيرت لكنة الرئيس ترامب، أعلن قبول دراسة مقترحات، وقبول التفاوض مع إيران دون شرط، ثم ما لبث أن عاد إلى المشهد الأثير. كاميرات في المواجهة بينما هو جلوس على مكتبه يقلب عينيه فى أوراق يجمعها غلاف جلدى فاخر. يقطب جبينه. يَزُم شفتيه. ترتفع ذقنه قليلاً. يضع توقيعه الميمون. يعرض الملف فى عيون الكاميرات موقعاً عقوبات اقتصادية على إيران.
تباينت ردود الفعل، بين متحفظ ينتظر ما تسفر عنه الخطوة الأمريكية من آثار، ومعترض يرى فيما تم تجاهل لاتفاق وقع عليه رئيس سابق، مما يضع كافة الاتفاقيات المبرمة مع أمريكا فى مهب الريح.
--------------
بقلم: د. محمد مصطفى الخياط
mohamed.elkhayat@yahoo.com