09 - 05 - 2025

علاقة الضباط بالمجتمع المدني

علاقة الضباط بالمجتمع المدني

أعتقد أنّ من بين كوارث أبيب/ يوليو1952 تقلد الضباط للوظائف المدنية، فانتشرتْ ظاهرة أنْ يكون المحافظون ورؤساء المدن والأحياء ورؤساء الشركات إلخ من اللواءات. وهى الظاهرة التى بدأها عبد الناصر وتمسك بها خليفته (السادات) والخليفة الثانى (مبارك) ومازلتْ مستمرة فى عهد الرئيس السيسى.  

وعن سلسلة كتاب الهلال (العدد 616) صدركتاب (أول الحكاية- حكايتى مع الدبلوماسية) للأستاذ جميل مطر..فى هذا الكتاب كشف مؤلفه عن جانب مهم من أسرارالدبلوماسية المصرية بعد يوليو 52 (فترة الخمسينات والستينات) حيث عمل أ.جميل مطر بوزارة الخارجية المصرية بالسلك الدبلوماسى، متنقلا بين سفارات مصر فى الأرجنتين وشيلى والهند والصين وإيطاليا. 

تعود أهمية هذا الكتاب إلى إزاحة الستار عن حقيقة يرفض كثيرون الاعتراف بها وهى أنّ ضباط يوليو حوّلوا المجتمع المصرى إلى معسكر كبير، أو ما يمكن تسميته (عسكرة المجتمع) إذْ لم يكتف الضباط بالسيطرة على المؤسسات الاقتصادية والمالية والتعليمية والإعلامية من خلال تعيين الضباط كرؤساء مجالس لهذه المؤسسات.. وإنما إمتد المخطط ليشمل وزارة الخارجية، فيتم نقل عدد كبيرمن الضباط إلى تلك الوزارة المسئولة عن وضع الاستراتيجية العامة لسياسة مصر مع العالم الخارجى..وذلك بغض النظرعن خبرة الضباط أوكفاءتهم للعمل الدبلوماسى، ناهيك عن نزاهتهم.. فى ضوء الأمثلة التى ذكرها المؤلف.   

كما تعود أهمية هذا الكتاب إلى أنّ مؤلفه (ناصرى وعروبى) فذكر أنه عندما تم نقله من سفارة مصر فى سنتياجو(عاصمة شيلى) إلى سفارة مصر فى بيونس أيرس (عاصمة الأرجنتين) قبل أنْ يُـكمل مدته فى الأولى، فالسبب أنّ بعض الضباط فى مكتب المشير عبدالحكيم عامر كانوا غير مرحبين فى استمراره بسفارة مصر فى سنتياجو.. ويصل الأمر لدرجة أنّ ضباط المشير كانوا يمتلكون ويحتكرون إدارة القرار والسياسة فى مصر.. وأنّ كبار العاملين فى مكتب وزير الخارجية (وكان محمود رياض قد تسلم منصب الوزير قبل أسابيع قليلة) من العسكريين وأنّ عددًا منهم أقارب لضباط فى مكتب المشير(من ص16- 21) 

ونقل أ.جميل مطر ماذكره السفير أحمد حسين الفقى فى مذكراته، أنّ عبدالناصر برّر أمامه عدم قدرته التعليق على تقرير كتبه أحد السفراء المصريين عن أحوال مصر (لأنى وأنا رئيس الجمهورية كنتُ مغلوبًا على أمرى من المشير وعصابته) (ص19) فى هذا المناخ كان من الطبيعى أنْ يكون الرعب هو المسيطرعلى العاملين بوزارة الخارجية من المدنيين لمجرد سماع اسم شخص معين (الصفحات 48، 64، 68، 248) والسؤال المسكوت عنه فى الثقافة (المصرية) السائدة، إذا كان عبدالناصر يعترف بأنه كان (مغلوبًا على أمره من المشير وعصابته)) فلماذا سكتَ على هذا الوضع؟ ولماذا فعل العكس مع كل شرفاء مصر، من ليبراليين وماركسيين، حيث امتلأتْ معتقلاته بهم لعدة سنوات.. واغتيال البعض داخل المعتقلات، ناهيك عن تحويل مصر كلها إلى معتقل كبير، لدرجة اعتقال ومطاردة والبحث عن مؤلفى النكت ضده وضد نظامه؟   

وذكرالفريق أول محمد فوزى (وزيرالحربية) بعد هزيمة يونيو 1967 أنه تم الربط بين وزارة الحربية.. وكل من إدارة المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة ووزارة الحكم المحلى ((بهدف إتمام السيطرة العسكرية على المحافظات.. وتم الربط بين قيادات وزارة الحربية.. وبين قطاعات كثيرة من الدولة (بحجة الاستفادة من خبرات العسكريين بتعيينهم رؤساء مجالس إدارات وأعضاء فى أغلب مؤسسات وشركات القطاع العام..وربط ذلك كله بوزارة الخارجية.. حيث تم تعيين بعض السفراء فى الخارج من الضباط.. كما تمت السيطرة على المدارس الثانوية والكليات الجامعية، من العسكريين (بحجة التدريب) 

كان تعيين الفريق أول محمد فوزى فى مارس 1964 ليكون رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة (على غير رغبة المشير وجماعته) ولكن سلطاته سُـحبتْ منه.. فقال فى مذكراته (وأصبحتُ أنا ووظيفتى بدون مسئولية قيادية أو سلطة، بل ومُـحاصر من وجهة النظرالأمنية) (نقلا عن طارق البشرى: الديمقراطية ونظام يوليو1952- كتاب الهلال- ديسمبر1991- ص353، 354) 

ونقل البشرى ما كتبه محمود رياض (وزيرالخارجية) فى مذكراته: أنه فى ذروة أحداث مايو 1967 (وسحب قوات الأمم المتحدة كما طلب عبدالناصر) والتلويح بالحرب ضد إسرائيل، فإذا بالمشير عامر يتقدم بمذكرة لعبدالناصر يطلب فيها أنْ ينقل إلى وزارة الخارجية عشرة من قيادات الضباط الذين فوجىء محمود رياض بأسمائهم، لسابق معرفته بأنهم من القادة الأكفاء.. وكان فى مقدمة هؤلاء اللواء أحمد إسماعيل الذى قاد فيما بعد حرب1973.. وقد وافق عبدالناصر على طلب المشير (دون اعتراض من وزيرالخارجية).  

ونقل البشرى عن أمين هويدى (الذى تولى المخابرات العامة ووزارة الحربية فى عهد عبدالناصر) فذكر من الثابت أنه لم يـُـخصص من البنزين لأعراض التدريب أكثرمن5%من حجم الوقود المُـخصّـص للقوات المسلحة.. كما أنّ القوات الجوية عجزتْ عن تدريب الطيارين.. فلم يجاوز عددهم 150 طيارًا، بينما كانت الطائرات القاذفة يبلغ عددها 154 طيارة (بعجز أربع طيارين وبدون احتياطى) بينما الوضع فى إسرائيل: ألف طيار للعمل على 376 طيارة (أى أنّ عدد الاحتياطى بلغ624) وانتهى هويدى فى مذكراته إلى أنّ قادة الجيش فرّطوا فى الأمانة التى وضعتها مصر بين أيديهم (المصدرالسابق- من ص351- 355) 

وبالرغم من كل تلك الكوارث كانت مكافأة معظم الضباط المحالين للمعاش، بتعيينهم محافظين ورؤساء مدن وأحياء إلخ، أى أنهم يجمعون بين المعاش وبين دخلهم من الوظيفة المدنية..والتى تشمل الراتب والمكافآت وعضوية اللجان..إلخ.. وبالرغم من (كل) هذا الدخل فإنّ البعض لايتورّع عن اللجوء إلى الرشوة.. كما فعل اللواء (رئيس حى الهرم) الذى أمرتْ النيابة العامة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق.. وثلاثة من المسئولين بشركات المقاولات بتهمة الرشوة البالغة 2 مليون جنيه (صحيفة الأهرام 10/8/2018).
 -----------------

بقلم: طلعت رضوان

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟