19 - 04 - 2024

بالذمة ده كلام؟

بالذمة ده كلام؟

دولة تئن من بطالة تطوق أكثر من 13% من سكانها ويبلغ عدد العاطلين من خريجيها أكثر من 3 ملايين عاطل ومع ذلك تفتح ذراعيها ومصانعها وأراضيها للعمالة الوافدة.

لو كانت دولة غنية لقلنا عادي وطبيعي: ربما يتعالى أبناؤها على أنواع من الأعمال فيتركونها لغيرهم ممن هم أكثر احتياجاً وأقل بطراً. لكن الحال لايخفى على أحد، والأزمة المالية الطاحنة تمسك برقابنا منذ عقود وازدادت وطأة في السنوات العجاف الأخيرة. يعني لا بطر ولا ترفع ولا رفض للمهن البسيطة. 

ما الأمر إذن؟ كيف يفترش أبناء مصر الشوارع والأرصفة لاقتناص فرصة للعمل بينما تمنح الوزارات المعنية  الموافقات لملاك المصانع الجدد لاستقدام عمالة من الخارج، وتصدر تصاريح العمل حتى للعمالة التي دخلت البلاد لغير غرض العمل وواصلت الإقامة بطرق غير مشروعة؟

وكيف وصلنا إلى مرحلة أصبحت العمالة الوافدة تزاحم المصريين حتى في أبسط المهن وتتقاضى أجوراً تفوقهم دون أن يطالبهم أحد بأدنى مقابل؟ وكيف تترك هذه المسألة تتفاقم لدرجة لا يدري بها المعنيون حتى أن التقديرات لأعداد العاملين غير المصريين في السوق المصري تتفاوت بجنون بين 25 ألف شخص  ومليون!! أي تقدير هذا؟!!

الإجابة موزعة على ثلاث جهات لكنها تبدأ وتنتهي بالتأكيد عند الدولة الرخوة التي لاتريد أن يشتد عودها وتقوى قبضتها وتتراخى بلا مبالاة عجيبة عن اتخاذ إجراءات هي ألف باء الإدارة والحكم.

أما الجهات الأخرى فأولها طبيعة العمالة المصرية التي باتت موزعة بين صنفين: صنف يريد أن ينحت في الصخر بأظافره ليخرج قروشاً يسد بها رمقه ويلبي احتياجات بيته لكنه لايملك الوسيلة ولا يجد من يمكنه منها. هؤلاء يعيشون على الفطرة العملية المنزوعة المهارة والمفتقرة للتأهيل. سيقضي هؤلاء أعمارهم على الكفاف الذي تحصده أيديهم العارية لأنه للأسف لا توجد دولة ومؤسسات تلتفت إليهم وتيسر لهم سبل التدريب والاحتراف. ولو كان هؤلاء من قدامى الأجيال الذين لم يلحقوا بفرص تعليم  أو ينضووا تحت مهنة أو حرفة لهان أمرهم لكنهم طابور متجدد ينضم إليه وافدون جدد كل يوم من صغار السن الذين تلفظهم  القرى الفقيرة والعشوائيات المدقعة الفقر.

والصنف الثاني هم متعلمون،أو هكذا يفترض. لكنهم اختاروا أو سيقوا لدراسة تخصصات غير مجدية لهم وللمجتمع.أو هم من خريجي التعليم الفني/ الصناعي الذي لا يعلم فناً ولا صناعة بل يخرج –في العادة – أنصاف متعلمين حصّلوا بالكاد قشوراً حول صناعات عفى عليها الزمن وتجاوزتها احتياجات الأسواق الجديدة والصناعات المتطورة.  هذا الصنف هو مشروع مثالي لمن يبحث عن عمالة قابلة للتدريب واكتساب المهارات لكن مشكلته أنه لايعرف طريق الوصول إلى فرص التدريب ولا يمكنه أن يشق لنفسه آفاق العمل بغير سلاح الخبرة والإعداد الجيد. وسيظل هؤلاء في انتظار دولاب العمل الحكومي المكتظ أو يلقيهم وهم الهجرة في مراكب تهريب البشر في مياه البحر أو شطآن خيبة الأمل أو سجون الهجرة غير المشروعة مادامت الدولة غافلة عن دورها في التوجيه – قبل الدراسة- والتأهيل العلمي والعملي المتطور- أثناء الدراسة وبعدها.

الجهة الثانية هي المستثمرون الذين يأتون بأموالهم ربما ولكنهم يمتصون كل المزايا حتى النخاع. وتتركهم الدولة  بزعم فتح آفاق العمل أمام المصريين، حتى أفقنا على حقيقة استقدامهم لعمالة غير مصرية أي أن الذريعة  الأساسية التي تضطر الدولة للانحناء أمام المستثمرين ومنحهم كل المزايا والإعفاءات والموارد المدعمة ليس لها مردود حقيقي على صعيد الحد من مشكلة البطالة.

 للمستثمرون منطقهم بالقطع وحجتهم جاهزة: لم نجد العمالة الماهرة بين المصريين ومن الطبيعي أن نستقدم من لديه القدرة على العمل والإنتاج.ربما. ولكن هذا يصدق على المهن المتطورة ذات المهارات المتخصصة فلماذا يمتد الأمر حتى إلى الحرف البسيطة التي تتطلب الحد الأدنى من المهارات؟ ولماذا يحصل غير المصريين على أجور تفوق المصريين؟ وهل يعقل أنه بين جموع العاملين المصريين لايوجد من راودته نفسه عن اختيار تخصصات يحتاجها سوق العمل وطور مهاراته فيها؟

لماذا لاتفيق الوزارة المعنية لدورها الحقيقي في النهوض بمستوى العمالة المصرية وتأهيلها للصناعات المتطورة وتنظيم أوضاعها وحماية حقوقها؟ ولماذا لاتصدر الدولة قوانين تحظر حصول غير المصريين على أجور تفوق المصريين فيما يختص بالمهن والوظائف المتماثلة؟ ولماذا لاتفرض على المستثمرين نسبة لايتجاوزونها من العمالة الأجنبية؟ وتشترط إتاحة فرص التدريب والتطويركحق من حقوق العمال؟

هي الدولة الرخوة مرة أخرى التي لاتبسط حمايتها على مواطنيها ولاتفرض قواعد محكمة لاستقدام العمالة ولا تتقاضى مقابل مناسب لمن استباحوا الإقامة والتكسب والاستفادة من كل الحقوق التي ينالها المواطن بالكاد.. هذا إن نالها. 

مقالات اخرى للكاتب

رؤية خاصة| نورا على طريق الغارمات





اعلان