إلى متى الخضوع لتوصيات (تعليمات) صندوق النقد الدولى؟
لماذا لاتأخذ مصر حقها من الرأسماليين كما تفعل فرنسا والصين؟
أثناء مناقشة الاتفاقية بين النظام المصرى وصندوق النقد الدولي، فى اللجنة الاقتصادية، اعترض بعض النواب على الشروط المجحفة التى وضعها الصندوق، وهذه الشروط تأخذ اسم الدلع (توصيات) الذى يحرص النظام على استخدامه.. وكان من أبرزالأعضاء الذين اعترضوا على شروط الصندوق سيد عبدالعال (رئيس حزب التجمع) فقال إنّ الاتفاقية تنص بوضوح على ضرورة بيع أجزاء من أصول البنوك الوطنية، من خلال الطرح فى البورصة، ونصّ الاتفاق أيضـًـا على بيع رأسمال المشروعات العامة مثل البترول والكيماويات ومواد البناء.
وأضاف أنّ الحكومة تعهـّـدتْ بعدم فرض قيود على الواردات، سواء كانت هذه القيود على الكميات أوعلى رفع التعريفة الجمركية، كما تضمنتْ الاتفاقية ضرورة (خفض بند أجور العاملين بالدولة من 5ر7 إلى 6% من الناتج المحلى الاجمالي، مع ضرورة إلغاء الدعم تمامًـا خلال خمس سنوات) وكان تعليق أ.سيد عبدالعال (وكل ذلك دون فرض ضريبة على الأغنياء، مثل الضريبة على الثروة، أوشرائح إضافية فوق5ر22%، بينما اعتمدتْ الحكومة على فرض ضريبة القيمة المضافة التى تتحمّـلها الجماهيرالشعبية (صحيفة الأهالى29مارس2017)
تزامن مع مناقشة الاتفاقية مع صندوق النقد، تصريح الرئيس السيسى الذى قال فيه إنّ موظفى الدولة (وعددهم6مليون موظف) هم الذين يمثلون العبء الأكبر، وأنّ أجورهم التى تتحملها الدولة (تــُـثقل كاهل الموازنة العامة) وبالتالى يكون الحل هوالتخلص من هؤلاء الموظفين.
وأعتقد أنه من المهم ربط ماجاء فى شروط الصندوق..وماجاء على لسان رأس النظام، بالتمهيد له منذ أكثر من سنتيْن، مع بداية مناقشة قانون العاملين المدنيين بالدولة، بل إنّ التخلص من موظفى الدولة، يرجع إلى سنوات بعيدة فى عهد مبارك، حيث تـمّ بيع أصول شركات قطاع الأعمال للمستثمرين، وطبـّـق النظام (المعاش المبكر) على عمال وموظفى قطاع الأعمال، واستسلم البعض للفخ فكانت جريمة فى حق العمال والموظفين..حيث كانت (مكافأة الخروج) هزيلة لاتتناسب مع سنوات الخدمة والخبرة.
فإلى متى سيستمر نظام الرئيس السيسى فى الاعتماد (على القروض)؟ سواء من صندوق النقد أو من بعض الهيئات الدولية، التى تسعى إلى إخضاع الأنظمة التابعة للرأسمالية العالمية، وجعلها فى قبضتها بشكل دائم ومستمر، بربطها بسلسلة القيود الناتجة (عن الدين وفوائد الدين) بل إنّ صندوق النقد يشترط (رهن بعض المرافق العامة مثل السكة الحديد) لضمان سداد قيمة الدين، كما حدث كثيرًا طوال فترة حكم مبارك.
ولماذا لا يأخذ نظام السيسى بالاقتراحات التى كتبها اقتصاديون وطنيون للخروج من الأزمة الاقتصادية؟ وهى اقتراحات تستبعد تمامًـا الاعتماد على القروض الخارجية، وتعتمد على حلول من واقع ظروف مصر، مثل الاستفادة من الخبرة المصرية فى إدارة الموارد الطبيعية، والاستغناء عن الشركات الأوروبية والأمريكية، التى يكون استغلالها أقرب إلى الاحتكار، وكأنّ تلك الشركات (دولة داخل الدولة) وهذا الاقتراح واحد من بين عشرات الاقتراحات التى لا يرغب المسئولون فى تطبيقها، أو مجرد الانصات إليها، حتى لاتتوقف (منظومة الاعتماد على القروض الخارجية) بإصرار يـُـثيرالكثيرمن الشكوك والأسئلة حول هذا الإصرار المُـريب.
من بين الملاحظات التى أبداها بعض المصريين (الوطنيين) على موقف النظام من الجماعة التى أخذتْ الاسم الذى لاتستحقه (أى رجال الأعمال) هو المعاملة الخاصة والمُـتميـّـزة التى خصّ نظام الحكم بها تلك الجماعة من الرأسماليين الذين يمارسون النشاط الاقتصادى الطفيلى.
وكانت سعادتى بالغة عندما قرأتُ فى أكبر صحيفة حكومية (نقدًا) لنظام الحكم فى عهد الرئيس السيسى والانحياز لما يسمى (رجال الأعمال) حيث كتب الصحفى أ.شريف عابدين ((سبق أنْ مارستْ الدولة (الطبطبة) على هؤلاء، عندما رفضتْ أنْ تفرض عليهم (ضريبة مؤقتة على من يزيد دخله السنوى على مليون جنيه) وتأجيل فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية فى البورصة، بعد أنْ هـدّد رجال الأعمال بإجراءات تضرب الاقتصاد القومى، وهى تهديدات لاتقل فى وقعها عن الإرهاب الأسود فى سيناء، فأعلن رجال الأعمال الحرب على الدولة وداسوا على قيمة لطالما عرفتها مصر فى تاريخها الحديث وهى (رجل الأعمال الوطنى) وأعتقد أنّ هذه الفقرة- كى تكون مفهومة للقارىء- كان يجب أنْ يكون ختمامها: لماذا اختفى رجل الأعمال (الوطنى) أمثال فرغلى باشا وأبورجيله..إلخ. الذين استثمروا ثرواتهم داخل مصر، ولم يـُـحوّلوا جنيهـًـا واحدًا إلى أمريكا وأوروبا كما يفعل (رجال الأعمال) حاليـًـا.
واستمر أ.شريف عابدين فى توجيه انتقاداته فأضاف (لقد آن الأوان لأنْ تستخدم الدولة سلطتها لأخذ حق الشعب من رجال الأعمال بالقانون، كما تفعل بلاد "رأسمالية" غنية مثل فرنسا، بل وما تفعله الصين وغيرهما، حيث تقتطع نحو45%من أرباح الأثرياء للإنفاق على المجتمع. وعلى الرئيس (السيسى) أنْ يـُـحوّل مداعبته التحذيرية لهم خلال أحد اللقاءات معهم بقوله: لن تخرجوا من القاعة قبل أنْ تدفعوا تبرعات لصندوق "تحيا مصر" (كما فعل الرئيس بوتن، ط. ر) وعلى الرئيس أنْ يحوّلها إلى أمر واقع، فيفرض على هؤلاء منطق (هات وخد) بأنْ يدفعوا للمجتمع ثمن استمتاعهم الآمن بثرواتهم، وضخ الاستثمارات التى يشعربها المواطن لرفع مستوى معيشته وتحقيق السلام الاجتماعى) وكتب فى بداية مقاله إنّ (رجال الأعمال أخذتهم العزة بالإثم وظنوا أنهم بمنأى عن محاسبتهم على إنعدام وطنيتهم وتهربهم من واجباتهم القومية، ويتمترسون خلف فضائيات أنفقوا عليها المليارات لخدمة مصالحهم، أوما يـُـعرف بأحزاب (الموالاة) فى البرلمان (أهرام29مارس2017)
وأعتقد أنّ أهمية هذا الكلام أنه صادرعن صحفى يعمل فى صحيفة (حكومية) ولكنه لم يهتم برد فعل النظام، حيث يسهل التخلص منه بشتى الوسائل، وأبسطها حظر نشر مقالاته..إلخ. ولكنه حكــّـم ضميره فكتب ما (آمن به) حيث أنّ قبلته الأولى كانت الوطن (مصر)
---------
هامش: (فرغلى باشا) أطلق عليه الاقتصاديون (ملك القطن) وتــُـعتبر شركته من أنجح شركات القطن فى تاريخ مصر. وقالوا عليه أنه (من رجال الأعمال الوطنيين) وفى سنة 1935 تمّ انتخابه وكيلا لبورصة مينا البصل، فكانت المرة الأولى بعد أنْ كان المنصب حكرًا على الأجانب. ورغم دوره الوطنى فإنّ عبدالناصر أمم شركته.
***