بمجرد صدور الحكم بإعدام بعض قيادات الإخوان المسلمين، خاصة الذين شاركوا فى اعتصام رابعة..فإنّ الفضائيات الإسلامية التى أنشأتها وموّلتها بعض الأنظمة المُـعادية لمصر، خصـّـصتْ برامجها للهجوم على الحكم.. وأنه صادرعن توجه سياسى.. وليس له علاقة بصحيح القانون.
وبالرغم من أننى أعترف وأقر بالجرائم التى ارتكبها الإسلاميون (رسميون وشعبيون، إخوان وغير إخوان) سواء جرائم قتل كل مختلف مع مرجعيتهم الدينية، أو جرائم نهب الأموال وتهجير المسيحيين من قراهم..إلخ، ناهيك عن رفضهم لدولة الحداثة والمواطنة.. ودفاعهم عن منظومة العصور الوسطى..فإننى أرفض توقيع عقوبة الإعدام على قيادات الإخوان المسلمين..وأسبابى هى:
لقد ألغتْ الأنظمة الحديثة (فى أكثرمن دولة) عقوبة الإعدام..ووسّـعتْ منظمة العفو الدولية نظرتها الإنسانية إلى (المجرم) فنصّ قانونها الأساسى على إلغاء كافة العقوبات البدنية (الجلد وقطع اليد وقص الرقبة) علىآ أساس منطلقيْن الأول: قانون الاحتمالات الذى يضع قاعدة احتمال ظهور براءة المتهم بعد تنفيذ الحكم. الثانى: منطلق واقعى مستمد من التجارب العديدة فى دول كثيرة.. وأنّ إلغاء عقوبة الإعدام يتأسس على ثلاثة أسباب، الأول: مراعاة الشفقة بالجانى حتى ولو كان مدانــًـا. الثانى: مراعاة البعد الاجتماعى ومجمل الظروف التى دفعته لارتكاب الجريمة. الثالث: احتمال البراءة بعد تنفيذ الحكم.
ونظرًا لتلك الاعتبارات تبنــّـتْ منظمات حقوق الإنسان فى أوروبا، مانصّ عليه القانون الأساسى لمنظمة العفو الدولية، التى سجـّـلتْ آلاف الحالات لأشخاص أعدموا لأسباب سياسية.
وقد اكتسبتْ المنظمة تقدير الأحرار لأنّ قانونها الأساسى يستهدف إلغاء كافة العقوبات البدنية بما فيها التعذيب داخل السجون..وعن إلغاء عقوبة الإعدام قدّمتْ- لتبريرهذا الهدف- العديد من الوقائع التى تـمّ فيها إعدام كثيرين فى أكثرمن دولة، ثم تبيـّـن أنهم أبرياء، سواء كان إتهامهم فى قضايا جنائية أولأسباب سياسية، من ذلك ما سجّلته المنظمة عن حالات الإعدام السياسى فى إيران الخومينية، وأنّ مايزيد عن ألفىْ سجين قضوا نحبهم ضحية الإعدامات السياسية السرية فى الفترة بين يوليو 88 ويناير 89..وأوضح آية الله يزدى (رئيس الهيئة القضائية) أنّ أعضاء المعارضة مثل منظمة مجاهدى خلق مدانون بصورة جماعية ((بشن حرب على الله)) (كتاب انتهاكات حقوق الإنسان فى إيران من عام 87 - 1990) وفى عام 80 اعتمد النظام الليبى رسميًا سياسة التصفية الجسدية للخصوم السياسيين (كتاب عقوبة الإعدام ضد حقوق الإنسان ص194) أما نظام صدام حسين فقد تـمّ إبلاغ المنظمة عن إعدام المئات كل عام (الفترة من85 - 88) والإعدام كان علنيًا والمحاكمات غير عادلة ولا حق فى الاستئناف ضد أحكام تفرضها محكمة (الثورة) وإعدام أطفال (المصدرالسابق ص167) وفى السودان تم إعدام الشيخ محمود محمد طه فى سجن كوبر يوم 18 يناير 85، رغم أنه لم يكن ضد تطبيق الشريعة الإسلامية..ولكن ضد قطع يد الفقراء فى حكومة جعفر النميرى..وامتلكتْ المنظمة شجاعة نقد أمريكا بسبب فضائحها فى مجال حقوق الإنسان ((والاستخدام المتزايد لعقوبة الإعدام)) (نشرة سبتمبر92) خاصة بعد أنْ ثبت براءة 23 إنسانًا بعد إعدامهم عام 87.آ وإذن تتأسّـس فلسفة إلغاء عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية على وقائع ظهور براءة المتهم بعد تنفيذ الحكم..وفى مصر تـمّ إعدام العامليْن محمد البقرى (18سنة) ومصطفى خميس (5ر19سنة) بتهمة الشيوعية فى أحداث اعتصام عمال مصانع النسيج بكفر الدوار، التى بدأتْ يوم 12 أغسطس 1952، أى بعد عشرين يومًـا من سيطرة ضباط يوليوعلى مصر.آ
ولكن هل يعنى معارضتى لعقوبة الإعدام (لأسباب فلسفية وأخلاقية) أننى ضد معاقبة الإخوان المسلمين على جرائمهم ضد شعبنا؟آ
الإعدام فيه الراحة الأبدية للمجرم.. وهوأشبه (برصاصة الرحمة) التى تــُـطلق الخيول المريضة، بينما أحكام السجن (مع الأشغال الشاقة) هى الأحكام التى يستحقها أى مجرم ضد الإنسانية.. وأنّ المجرم الذى كان يعيش فى رفاهية القصور وخدمة الأتباع، عندما يقارن وضعه الجديد وينام على (البرش) مثله مثل الغلابة (النشالين فى الأتوبيسات) أوالمرتشى الصغير..إلخ. فى هذه الحالة تكون العدالة قد تحقــّـقتْ.. وليس بالإعدام الذى هوالراحة الأبدية للمجرم.
وبعد نجاح الثورة الصينية عام 1949 حكم الثوارعلى الامبراطور بأنْ يعمل (جناينى) يرعى المُـتنزهات العامة..وبعد انتفاضة يناير2011 كتبتُ أنّ العقوبة المُـلائمة لمبارك العمل فى مصلحة المجارى أوكناس فى هيئة النظافة، لأنه لايستحق أنْ يكون (جناينى)
ومن إبداعات جدودنا المصريين القدماء فى التشريعات الجنائية، الحكم على الجانى (خاصة فى حالات ذوى الرحم) أنْ يحتضن جثة القتيل لمدة ثلاثة أيام..وتحت الحراسة المُـشـدّدة.
وعندما قرأتُ هذا النص التسريعى تساءلتُ: ما نوع التداعيات النفسية والعقلية للقاتل وهو يحتضن جثة القتيل؟ أليس من المُـرجـّـح أنه سيستعرض سيناريو جريمته..ويتخيل ـ والأدق يتمنى ـ السيناريو البديل الذى ستخرج منه الأسئلة التالية: لماذا قتلت؟ وهل كنتُ على صواب وأنا أقتل؟ ولماذا لم أفكــّـرفى حل آخر لإنهاء الخصومة؟
إننى أتوجه بسؤالى إلى فقهاء الدستورالمصريين ـ وفى كل دول العالم ـ لماذا لانــُـطبـّـق التشريع الجنائى المُـستمد من الحضارة المصرية؟ وأيهما أشد قسوة: الإعدام (أى رصاصة الرحمة) أم عذاب الضمير؟
***