09 - 05 - 2025

توحد لغة أنظمة الاستبداد

توحد لغة أنظمة الاستبداد

دخلتْ مظاهرات الشعب التونسى والشعب العراقى فى أسبوعها الثالث.. ومن يستمع لتعليقات المسئولين فى الحكومتيْن المذكورتيْن، سيـُـلاحظ التطابق التام فى لغة الخطاب.. وبصفة خاصة اتهام المتظاهرين بأنهم: عملاء وخونة ويعملون لصالح دول أجنبية.. ومُـنظمات عالمية تدفع لهم الأموال بهدف التحريض ضد حكوماتهم. 

يرى المسؤولون فى أنظمة الاستبداد أنّ تلك اللغة تــُـحقق لهم هدفيْن 

- الأول: قذف كرة النار فى وجه المتظاهرين، برفع أخطر تهمة ضد أى مواطن، أى العمالة لدولة أجنبية.. وبالتالى ينطبق عليه (مواد قانون الخيانة العظمى) وهى المواد التى تقضى بالإعدام. 

- الهدف الثانى: تجاهل مطالب المتظاهرين الذين ركــّـزوا فى شعاراتهم على تطبيق العدالة الاجتماعية والحق فى الحريات السياسية والفكرية والفردية. 

ومن المهم ملاحظة أنّ ما يحدث حاليـًـا فى تونس والعراق ضد المتظاهرين، هونفس السيناريو الذى حدث فى أنظمة الاستبداد طوال السنوات الماضية.. ولعلّ أقرب مثال على ذلك ما حدث أثناء انتفاضات يناير2011 فى تونس وليبيا وسوريا ومصر.. وبالرغم من أنّ الطبيب/ الجنرال التونسى (خدها من قصيرها، على حد قول شعبنا المصرى فى أهازيجه البديعة) وهرب وفرّ إلى السعودية..فإنّ من جاءوا بعده لم يستجيبوا لمطالب الجماهير الشعبية. 

أما فى مصر فإنّ الرئيس مبارك لم يهرب.. وظلّ يـُـماطل طوال ثمانية عشر يومًـا.. ولم يبال بالملايين الذين اعتصموا فى ميادين محافظات مصر.. والمطالبة برحيله.. ويبدو أنّ الجماهير فسـّـرتْ عدم استجابته لمطلب الرحيل بما قاله عن نفسه وحصوله على درجة (دكتوراه فى العند) وهو العند الذى تجسّـد فى أعلى درجات الغباء، لذلك أبدع شعبنا شعاره التوضيحى ((ارحل يعنى امشى.. يا اللى ما بتفهمشى))آ  

آ آ آ  جاء طوق النجاة لمبارك بواسطة البيان الذى ألقاه عمر سليمان مساء 11 فبراير، وهو البيان الذى تغافل معظم السياسيين والمفكرين عن تحليله.. وبطلانه من الزاوية القانونية.. حيث جاء فى بيان التنازل، أنّ مبارك كلــّـف المجلس العسكرى بإدارة شئون البلاد..إلخ. فمن أين جاء البطلان؟ الإجابة من نصوص دستور سنة 1971 الذى كان هو الدستور السارى وقتذاك، حيث نصّ على أنه فى حالة مرض الرئيس أوفى حالة الكوارث الطبيعية أوأى تهديد للدولة..إلخ يتولى الحكم: إما رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية..وتبعـًـا لذلك يتبيـّـن أنّ الدستور لم يذكر المجلس العسكرى، أضف إلى ذلك أنّ مبارك كان قد سقط بفعل الشعار الأول والرئيسى طوال الثمانية عشر يومًـا فى كل ميادين مصر((رحيل مبارك والشعب يريد اسقاط النظام)) وتبعًـا لذلك فإنّ بيان عمرسليمان ينطبق عليه القول المأثور الذى أعقب وعد بالفور الذى أهدى فلسطين لليهود ((من لايملك أعطى لمن لايستحق)) آ آ 

وأعتقد أنّ طوق النجاة الذى ألقى لمبارك حقق هدفيْن رئيسييْن الأول: حفظ ماء وجه مبارك الذى كان يذهب إلى المحكمة على سرير.. وهو فعل ـ وفقــًـا لقانون الاجراءات ـ لايـُـسمح به إلاّ فى حالتيْن الأولى: لمرضى الشلل الكامل، الثانية للسيدات الحوامل ـ وعلى وشك الوضع ـ ومطلوبات للمثول أمام المحكمة.. وبالطبع فإن الحالتيْن المذكورتيْن لاتنطبقان على مبارك، الذى كان يذهب إلى المحكمة كأحد الملوك المُـتـوّجين.. وكأنه يـُـخرج لسانه للشعب الذى ثار ضده. 

أما الهدف الثانى من بيان عمر سليمان فهو (إبقاء الحال على ما هو عليه) ويقول لجماهير مصرـ بصريح العبارة ـ أنّ نظام مبارك المُـتوارث عن نظام السادات، المُـتوارث عن نظام عبدالناصر هو النظام الذى سيحكمكم بعد يناير2011. آ 

والسؤال الذى يتبادر إلى العقل الحر هو: ما سر تواجد زكريا عزمى داخل القصر الجمهورى طوال ثلاثة أسابيع، أتاحتْ له التخلص من كل الوثائق التى تــُـدين نظام الحكم؟ وما سر تصريحات سفيرة أميركا فى مصر المُـرحبة بالإخوان المسلمين؟ ولماذا استجاب المجلس العسكرى لطلبات الإسلاميين فى استفتاء مارس؟ ولماذا وافق على عشرات الأحزاب الأصولية الإسلامية، المعادية لدولة الحداثة والمواطنة.. وهى الأحزاب التى ترعاها وتؤيدها الإدارة الأمريكية؟ 

كان المُفترض أنْ تكون انتفاضة يناير انطلاقة للنهضة وللحرية، وإذا بها تتحول إلى كارثة. ولكن ماحدث بعد مجزرة محمد محمود الثانية ومجزرة قصر الاتحادية، غيّر رأيى إذْ رأيتُ الشباب الذين كانوا وقود الانتفاضة تعلموا من أخطائهم عندما تركوا ميادين الحرية مساء 11فبراير 2011 الأسود.. وتذكروا المؤامرة ضد الإنتفاضة.. ولكن رغم الدور العظيم للشباب فى إزاحة نظام الإخوان المسلمين فى يونيو 2013، إذا بالسيناريو المظلم يتكرّر من جديد، بعد السماح لحزب الضلمة (الاسم الحركى لحزب النور) بالمشاركة فى الحياة السياسية وخوض الانتخابات البرلمانية، رغم أنّ أعضاء هذا الحزب الظلامى الماضوى، أعلنوا أكثر من مرة عن رغبتهم فى إلغاء تدريس اللغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية.. ورغبتهم فى إلغاء تدريس العلوم الطبيعية.. وعلى رأسها الكيمياء والفيزياء والإحياء.. وبالتالى تظل مصر بعيدة عن روح العصرالحديث.. كما أنهم لايعترفون بالمفهوم العلمى لتعريف معنى (الوطن) ويُصرون على تعبير (أهل الكتاب) و(أهل الذمة) على المصريين (المسيحيين) وبالتالى سيظل الاحتقان الدينى قائمًا.آ  

وأتذكر أنه بعد انتفاضة يناير 1977 العظيمة التى سمّـاها السادات وأبواقه (انتفاضة الحرامية) أنّ من بين التهم المُـوجـّـهة للعمال (قلب نظام الحكم) فقال المحامى/ القديس/ أحمد نبيل الهلالى لرئيس المحكمة ((يا سيادة القاضى هوّ نظام الحكم، عربية بطاطا أى حد يقلبها؟)) ضجـّـتْ المحكمة بالضحك وصدر الحكم التاريخى بالإفراج عن كل العمال والمُـتعاطفين معهم وعددهم 576 وهوالحكم الذى أصدره ابن مصر البارالمستشار منير حكيم صليب.
 ----------------

بقلم: طلعت رضوان

***آ 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟