8 براءات اختراع وأبحاث علمية حولته لبيوت صديقة للبيئة وورق ومبيد ومادة لاصقة وطاقة وبحث عالج به مياه الصرف!!
أيام ونقترب من سبتمبر بداية موسم حصاد الأرز "الخير" الذى تحول إلى أزمة تتجدد سنويا، تعلن من أجلها الحكومة حالة الطوارئ وتتأهب فيها قوة الانتشار السريع لوزارة البيئة لمطاردة السحابة السوداء.
إسهامات علمية حبيسة جدران المعامل.. وخامات وصناعات تبحث عن مستفيد.. وتضارب الاختصاصات وتداخلها، كلها عوامل جعلت مصر أسيرةً لـ"السحابة السوداء" لسنوات، رغم نجاح تجارب دولية عديدة في الاستفادة من المخلفات الزراعية، وخاصة قش الأرز.
------------
حرائق ونيران ودخان وسحابة سوداء في شهري سبتمبر وأكتوبر من كل عام، ومع مغيب شمس كل يوم تقريبًا يقف المزارعون في حقولهم لرش السولار وإشعال النار في قش الأرز المنتشر بطول الحقل وعرضه في صفوف متوازية بعد الحصاد. وفي لحظات تتصاعد الأدخنة الكثيفة من حقول الأرز مكوِّنةً سحابةً سوداء هائلة تتحول معها "نعمة" قش الأرز إلى "نقمة".
***
فى مصر قش الأرز يلهم العلماء ويعجز الحكومات المتعاقبة التي واجهت الحرق بإصدار "قوانين ردع" تبدأ بغرامة تتراوح قيمتها بين 5 آلاف و100 ألف جنيه مصري، وتنتهي بالسجن مدةً لا تزيد على عام.
الكيمياء الخضراء.
داخل معمل يحمل لافتة "الكيمياء الخضراء" بالمركز القومي للبحوث، يروى د. جلال نوار –الأستاذ بالمركز- قصته مع القش.
يقول نوار: "إن الكيمياء الخضراء تقوم على مبادئ، أهمها إجراء عمليات إنتاجية نظيفة، واستخدام مُدخَلات متجددة ودائمة للاستفادة من المخلفات عن طريق ابتكارات محدودة التكلفة. وفى ضوء هذه المبادئ نجحنا في ابتكار 8 منتجات من قش الأرز، بعضها حصل بالفعل على براءة اختراع، والبعض الآخر تم تسجيله، ونُشرت بحوثه في دوريات علمية".
يرصد "نوار" إنتاجه من قش الأرز على النحو التالي:
- براءة اختراع لتصنيع محسِّن للتربة بإضافة مستخلص القش إلى القواقع الكثيرة التي تجعل المزروعات وأشجار الفاكهة تبدو كأشجار سيراميك. وهذا المحسِّن يكافح "النيماتودا" التي تتغذى على جذور النباتات وتدمرها وتم الحصول على براءة هذا الاختراع عام 2017.
- براءة اختراع لتصنيع لب الورق، والذي تدفع مصر سنويًّا حوالي 15 مليار جنيه لاستيراده. ولب الورق هو المادة الخام لتصنيع ورق الكتابة الأبيض، وأرسلنا عينات منه إلى مصانع في دول مثل بلجيكا وإسبانيا، وطلبوا استيراد كميات تقدر بـ50 ألف طن سنويًّا. كما أنتجنا في المركز طنًّا ونصف طن لبابة مستخرجة من 5 أطنان قش، وذلك على مستوى نصف صناعي؛ إذ أنتجناه في مزرعة المركز بالنوبارية وتم تدريب العمالة على تصنيعه، وحصلنا على براءة اختراع بشأنه عام 2016.
- براءة تصنيع ماكينة "تنسيل" لب الورق، إذ يكون اللب "ملبدًا" بعد فصله، والتنسيل خطوة صناعية تسمى "فيبر"، وهى أشبه بمرحلة حلج القطن، وهذه الماكينة حصلت على براءة اختراع عام 2016، وتم إنتاجها بالتعاون مع القطاع الخاص.
- إنتاج سليلوز مقاوم للميكروبات من المولاس (السائل الأسود الناتج عن عصر قش الأرز) بعد إجراء تعديل كيميائي، ويتم استخدامه لحفظ المحاصيل الزراعية وتم تجريبه على ثمار البرتقال، وأثبت كفاءةً في الحفاظ على البرتقال من التلف، كما تم استخدامه في حفظ الزبادي والعصير أيضًا، وتم تسجيله كبراءة اختراع وفى انتظار الحصول عليها.
- إنتاج علف للحيوانات كبيرة الحجم من المولاس الناتج عن قش الأرز، بعد تعديله كيميائيًّا بإضافة مخلف بروتيني يرفع قيمته الغذائية لتصل نسبة البروتين فيه إلى 45%، وحصلنا على براءة الاختراع في عام 2015.
- تصنيع مادة لاصقة من السائل الأسود الناتج عن تصنيع لب الورق من القش، وذلك بعد معالجته وإضافة مادة لاصقة مثل الصمغ أو الغراء، وهي مادة أثبتت كفاءتها كمادة لاصقة في صناعة الأخشاب، كما أنها آمنة لا تضر بالإنسان، وهي مسجلة كبراءة اختراع منذ عام 2013.
- مبيد للبعوض باستخدام المولاس الناتج عن قش الأرز بعد تعديله كيميائيًّا، والمبيد يحقق المكافحة المثالية لأنه يقضي على اليرقات ويكسر دورة حياتها، وتم تصنيع المبيد على مستوى نصف صناعي، وحصلنا على براءة اختراعه عام 2012.
- تصنيع مطاط مضاد للأكسدة من السائل الأسود، وهو مطاط أكثر قدرةً على المقاومة والتحمل، ويدخل في صناعة إطارات السيارات.
ثماني براءات اختراع كانت محصِّلة دخول "قش الأرز" معمل الكيمياء الخضراء محصِّلة أبحاث استغرقت سنوات ولكنها جميعًا على الورق؛ لأسباب وصعوبات، منها تداخُل الاختصاصات وتضارُبها .
يقول "نوار": "إن فكرة تصنيع لب الورق من قش الأرز حصلت على دعم وتمويل من صندوق البحث العلمي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ووقع الاختيار على إحدى المحافظات (رفض تسميتها) التي تزرع مساحات كبيرة من الأرز وتعاني من آثار حرق القش. وقدمت المحافظة قطعة أرض من فدانين لتنفيذ الفكرة، ولكن كل شيء توقف بسبب الاختلاف حول ميزانية بناء السور الذي يحيط بالأرض؛ إذ رفضت المحافظة تحمُّل تلك التكلفة، في حين رأى القائمون على الصندوق أن تكلفة إنشاء السور يجب أن تتحملها المحافظة، وانتهى الأمر بقرار "انفصال" من الطرفين؛ إذ سحب الصندوق تمويله، وسحبت المحافظة الأرض المخصصة للمشروع".
ويضيف أن "فكرة تصنيع المبيد من السائل الأسود الناتج عن قش الأرز عند طرحها لاقت استحسانًا من الوزراء المعنيين، وهم وزراء البيئة والزراعة والصحة، لكن الخلاف وقع بين وزارتي الصحة والزراعة حول أيهما سيتبنى الفكرة لحين تنفيذها.
ويرى "نوار" أن "الاستفادة من قش الأرز تحتاج إلى رواد أعمال وليس رجال أعمال؛ لأن رواد الأعمال يتمتعون بإمكانيات فكرية وعلمية مرتفعة، ولديهم استعداد لتنفيذ الأفكار الجديدة وتحمُّل المخاطرة
ويضيف أن "الدولة تستطيع أداء دور رواد الأعمال في تحويل الأبحاث التطبيقية إلى واقع، وذلك من خلال الميزانية التي ترصدها سنويًّا لوزارة الصحة لعلاج الأمراض الناتجة عن حرق القش، والميزانية التي ترصدها لوزارة البيئة لمطاردة السحابة السوداء".
العجيب أن أفكار "نوار"، التي لم تُنفذ لاستغلال القش، كانت سببًا في تكريمه وحصوله على جوائز دولية، وكذلك مشاركته من خلالها في المعرض الدولي للاختراعات بجنيف خلال المدة من 10 إلى 16 أبريل 2018.
دائرة لا تنتهي
دائرة الأبحاث المتعلقة بقش الأرز لم تتوقف، وهو ما كشف عنه الملتقى التسويقي الذي عقده المركز القومي للبحوث في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي، والذي تضمَّن عرض 6 أبحاث قابلة للتطبيق الفوري.
منها بحث أعده فريق بحثي برئاسة محمد لطفي –الأستاذ بشعبة بحوث الصناعات الكيماوية العضوية بالمركز- حول "استخدام المخلفات الزراعية -ومنها قش الأرز- في تحضير مواد نانومترية سليلوزية متعددة الاستخدامات من قش الأرز ومصاصة القصب، وتم استخدامه في مجال هندسة أنسجة عظام الفك، إذ جرى تحضير "جيل" قابل للحَقن ومقارنته بالمنتجات المستخدمة صناعيًّا وأثبت كفاءة.
وهناك أيضًا دراسة لفريق بحثي برئاسة وليد الزواوي –الأستاذ بشعبة الصناعات الكيماوية العضوية- لإنتاج الإيثانول من قش الأرز ومصاصة القصب، وأخرى أجراها باحثون برئاسة شادية راغب توفيق لإنتاج الإيثانول من قش الأرز وتم إجراء التجارب على المستوى المعملي ونصف الصناعي، وكذلك دراسة أجراها فريق بحثي برئاسة حسني السيد –الأستاذ بشعبة بحوث الصناعات الكيماوية العضوية- عن استخدام قش الأرز في إنتاج الفحم النشط والهيدروجيل، ويُستخدم الفحم النشط في معالجة المياه وتنقيتها، والهيدروجيل في الزراعة لتقليل استهلاك مياه الري بنسب تتراوح بين 20 و40%، وزيادة كفاءة استخدام الأسمدة بنسب تصل إلى 250%.
كما أجرى فريق بحثي برئاسة علاء البدوي –الأستاذ بشعبة البحوث الزراعية والبيولوجية- دراسةً تحت عنوان "البالة الذكية لقش الأرز"، وانتهت إلى إنتاج علف يتكون من مخلوط قش الأرز مع مخلفات المحاصيل الزراعية بتطبيق تقنية يابانية لإنتاج علف متخمر ذي قيمة غذائية مرتفعة ومعبأ ومغلف .
أما البحث السادس، فأجراه فريق بحثي بشعبة البحوث الهندسية -برئاسة جيهان لطفي- عن استخدام طوبة القش الأسمنتية وبالات القش المكبوسة في بناء بيوت اقتصادية صديقة للبيئة، وكما جاء في التقرير، فإن النموذج الذي تم إنشاؤه في أرض المركز بالسادس من أكتوبر على مساحة 100 متر يراعي مبادئ العمارة الخضراء.
ويتميز بيت "قش الأرز" بتصميم يسمح بالإضاءة والتهوية الطبيعيتين، فهو بيت صديق للبيئة وموفر للطاقة ويتمتع البيت بعزل حراري عالٍ ومقاومة للبكتيريا عن البيت العادي، بالإضافة إلى أن تكلفة تشييده تُقدر بـ50% فقط من تشييد المنزل العادي
مياه الصرف الصحي
معالجة "مخلف بمخلف" كانت فكرة محمد أسامة، الكيميائي بمحطة الصرف الصحي بمدينة السادس من أكتوبر، والتي نال عنها شهادة الماجستير في عام 2016.
يقول "أسامة"، "إن الفلاح يعاني الأمرَّين من قش الأرز، فإذا حرقه تعرَّض للغرامة بموجب قانون البيئة لما يسببه الحرق من إضرار بالبيئة، وإن تركه في الأرض تعرَّض للغرامة بموجب قانون الزراعة لما يسببه تركه من تبوير للأرض الزراعية، سنويًّا حوالي وتبلغ كمية قش الأرز المنتجة 3.6 ملايين طن ستنخفض هذا العام إلى 2مليون طن إذا تم الالتزام بالمساحة المعلنة مليون فدان، كما نعاني في الوقت ذاته من أزمة مياه الصرف الصحي، ومن هنا جاءت فكرة استخدام قش الأرز في معالجة مياه الصرف
وتوصلنا إلى نتائج جيدة جدًّا؛ إذ استمر القش مدةَ سنة دون تغيير، ووجدنا أن الطبقة العليا من القش، والتي يبلغ سمكها 5 سنتيمترات، هي التي تشبعت بالملوثات، وطورنا الأمر بعد ذلك بوضع طبقة رمل سمكها 5 سم فوق القش".
ويشير إلى أن "القش يتميز برخص سعره مقارنةً بالرمال، وبعد الانتهاء من استخدامه في معالجة مياه الصرف يمكن تجفيفه واستخدامه في أغراض أخرى، كما أنه –باعتباره مادة عضوية- يتميز بقدرته على التفاعل مع المواد الكيماوية الضارة الموجودة بمياه الصرف، ومن خلال التجارب التي استمرت ثلاث سنوات، أثبت قش الأرز فاعليةً في إزالة المواد الصلبة العالقة، والبكتيريا، وإزالة المواد العضوية من الحمأة النشطة"، موضحًا أن "الدراسة تمت على مرحلتين، الأولى مرحلة التجارب لتحديد ظروف التشغيل المُثلى، والثانية استهدفت المفاضلة بين قش الأرز واللوف كمرشح بيولوجي يمكن استخدامه لرفع كفاءة المياه الناتجة عن المعالجة ونوعيتها، وانتهت المفاضلة إلى أن قش الأرز هو الأعلى كفاءةً واستدامةً كمرشح بيولوجي".
وانتهت الدراسة إلى نجاح "قش الأرز" في التخلص من 98% من المعادن الثقيلة، ومن 99% من الملوِّثات الدقيقة، والتخلُّص من 100% من البكتيريا القولونية، فضلًا عن أن مواصفات المياه بعد معالجتها باستخدام قش الأرز كانت هي نفسها مواصفات المياه اللازمة للزراعة الآمنة.
وبالرغم من مناقشة الدراسة من خلال لجنة علمية أوصت باستخدامها في محطات معالجة مياه الصرف الصحي الصغيرة بالقرى، ظلت تلك التوصية حبرًا على ورق.
من جهتها، تقول إيناس أبو طالب –الأستاذ بشعبة بحوث البيئة بالمركز القومي للبحوث، والمشرفة على الرسالة- :"إن فكرة معالجة مياه الصرف الصحي باستخدام قش الأرز يمكنها الإسهام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فالمياه المعالَجة باستخدام قش الأرز أفضل -من حيث الجودة- من تلك التي جرت معالجتها بأحواض الرمل، وهو ما تم إثباته معمليًّا، والفكرة قابلة للتطبيق في مصر؛ إذ يوجد كثير من المصريين المحرومين من خدمة الصرف الصحي، ويتم اللجوء لإلقائها في المجاري المائية مثل النيل والترع والمصارف، مما يتسبب في تلوُّث المزروعات ومياه الري".
السيليكا
النتائج السابقة تتفق مع نتائج رسالة الدكتوراة التي أعدتها جيهان قطب، المدرس بقسم الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة بجامعة المنيا، وحصلت عليها من جامعة شوبنك الوطنية بكوريا الجنوبية، وفازت عنها بجائزة أفضل رسالة دكتوراة مصرية لعام 2017 من لجنة القطاع الهندسي بالمجلس الأعلى للجامعات؛ إذ استخدمت الباحثة قش الأرز في تطبيقات مختلفة مثل فصل الزيوت عن المياه، وتحلية المياه، وتنقية مياه الصرف الصناعي من الأصباغ باستخدام مادة السيلكا المستخرجة من القش.
وبالرغم من الإشادات الدولية والمحلية بالنتائج التي توصلت إليها "قطب"، ما زالت الدراسة تبحث عن نافذة للوصول إلى حيز التطبيق.
وقود حيوي
ومن استخدامه في معالجة مياه الصرف الصحي إلى استخدامه في إنتاج الوقود الحيوي، وهو المجال الذي تخصص فيه حسن جمعة -المستشار بهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والمستشار البيئي بالعاصمة الإدارية الجديدة- والذي اعتمد على استخدام مصادر الكتلة الحيوية -المواد العضوية الناتجة من التمثيل الحيوي للكائنات الحية كالنبات والحيوان وبعض الكائنات الدقيقة، وأهم مصادرها المخلفات العضوية بأنواعها- في إنتاج الطاقة.
يقول "جمعة" : "إن هناك دراسات عدة لإنتاج البيوجاز من قش الأرز في إندونيسيا، والأمر نفسه بالنسبة لهولندا والصين، وغيرها من بلدان العالم، والمؤسف أن مصر كانت مسرحًا لأول مشروع بيوجاز في العالم، وهو المشروع الذي أقامه الإنجليز عام 1934 بمنطقة الجبل الأصفر بمحافظة القليوبية (شرق القاهرة نفسه تعاملت مع قش الأرز باعتباره مخلفًا يمكن استخدامه في البيوجاز، ويضيف صممت ماكينة تحول القش إلى "بليت" أصابع، بحيث ينتج طن القش طنًّا من البليت، ويوضع البليت في خزان مخصص في المنزل، وبنظم مصممة للإشعال الأتوماتيكي تجرى تدفئة الغرف وتسخين المياه"، مشيرًا إلى أنه "يمكن تصدير القش في شكل "بليت" إلى أوروبا باعتبارها أكثر احتياجًا إلى التدفئة".
لم يكتفِ "جمعة" بإنتاج البليت من القش، ولكن اختبره في الطهي، وطلب من إحدى شركات إنتاج البوتاجازات إدخال تعديل على تصميم جهازَي "بوتاجاز" لكي يعملا بالبليت، واستخدم 2 كيلو بليت، كانت كافيةً لطهي 4 صواني فراخ وطاجن أرز معمر، وفق قوله.
وبعد تحويل بالات القش لأصابع، اتجه تفكير "جمعة" لإنتاج الفحم النباتي من "القش"، مشيرًا إلى أن "هذا النوع من الفحم قيمته الاقتصادية أعلى من قيمة الفحم الحجري. كما نجح في اختراع جهاز يحول "قش الأرز" إلى تراب فحم، يتم كبسه ليخرج في شكل قوالب فحم نباتي.
التجربة الدنماركية
وعلى الرغم من أن "جمعة" تعامل مع قضية قش الأرز بالروح القتالية نفسها التي تملَّكته في أثناء مشاركته في حروب 67 والاستنزاف وأكتوبر 73، إلا أن هذه الروح لم تصل بأفكاره إلى ساحة الصناعة لسبب يتعلق بسياسات دعم الطاقة؛ فسعر الطاقة المنتجة من مشتقات البترول بعد دعمها من الدولة أقل كثيرًا من سعر الطاقة المنتجة من قش الأرز وغيره من المخلفات.
ويقترح "جمعة" دراسة تجربة الدنمارك بوصفها نموذجًا يمكن الاقتداء به في مجال توفير التمويل اللازم لإنتاج "البيوجاز" باستخدام المخلفات.
ويقول: "في البداية وفرت الحكومة الدنماركية للمزارعين والمربين وحدات لتوليد الطاقة بنصف ثمنها، وبدأوا بـ30 مزرعة؛ وبعد عام، توقفت الوحدات عن العمل بسبب عدم خبرة المربين بفنون التشغيل والصيانة، ما دفع الدولة لتعديل نظام الدعم، وبدأت تدعم كيانات ذات مساحة كبيرة، بحيث تضم 5 مزارع و100 ألف رأس من الماشية، وبحيث تحصل كل مزرعة على أسهم وفق عدد رؤوس المواشي فيها، وتم تعيين إدارة فنية لإدارة وحدة البيوجاز التي تتسلَّم مخلفات المزارع وتمدها بالطاقة، وفي البداية دعمت الحكومة المشروع بـ50%من التكلفة، وهو الدعم الذي انخفض إلى 25%، ثم توقف تمامًا بعد سنتين عقب فرض نوعين من الضرائب على الطاقة المشتقة من البترول –ضريبة استهلاك وضريبة تكلفة التلوث- أصبح سعر "البيوجاز" المُنتج باستخدام المخلفات أرخص، مما شجع على التوسع في إنتاجه.
هذه هى صورة القش فى عقول المبدعين ولكن صورته فى الواقع مختلفة وهو ماسنتناوله فى عدد قادم.
______________
تحقيق استقصائي بقلم: نجوى طنطاوى
لمشاهدة الصور اقرأ على الموقع الرسمي