29 - 05 - 2025

بيع الجنسية يثير الجدل الوطني (تحقيق)

بيع الجنسية يثير الجدل الوطني (تحقيق)

مؤيدون: يجلب الودائع ومحكوم بضوابط وليس خطرا على الأمن.

معارضون: التعديلات تعبر عن فشل وتنتهك الدستور وتجعل الانتماء سلعة

رواد فيس بوك يسخرون ويحذرون من تطرف وإرهاب وتحكم رعايا عرب بمصر

"جنسيتي للبيع لأعلي سعر"،"انا عارض جنسيتي علي أولكس مفيش حد كلمني"،عبارات شديدة رددها المصريون رداً علي إقرار تعديلات داخل البرلمان المصري على قانون الجنسية، تتيح منحها للأجانب مقابل مادي، حيث سخر أحد المتابعين قائلاُ:"البرلمان وافق علي منح الجنسية بـ7 مليون جنية ..معملش ليه قانون يجعل من حق المواطن المصري يبيع جنسيته"، وعلقت (إلهام.م ) علي القانون قائلة: "انا عاوز ابيع جنسيتي بنص المبلغ بس"، وكتب متابع اخر "مين ده اللي يشتري جنسية بـ7 مليون جنية يعني 400 الف دولار إذا كانت البرتغال تبيعها بـ100 ألف دولار فقط"، وقالت متابعة أخري "انتظروا قدوم إرهابيين ومتطرفيين جددا بين المصريين، والعرب سيتحكمون في المصريين قريباً".

دخلت مصر علي خط الدول التي تمنح جنسيتها مقابل وديعه مالية بنكية، ولكن هناك العديد من الدول التي تمنح جنسيتها لمواطنين أجانب وتفرض قوانين وضوابط وقيود لمن يتقدم لنيل الجنسية، فضلاً عن حظر حصول رعايا دول بعينها عليها، أو توجد نزاعات سياسية وعناصر متطرفه علي أراضيها.

موافقة البرلمان حددت منح الجنسية للمقيمين الأجانب بشروط إقامة طالبها في البلاد لخمس سنوات متتالية وإيداعه مبلغا لا يقل عن سبعة ملايين جنيه مصري وهو ما يعادل بالعملة الاجنبية (400 ألف دولار)

ومنذ ساعة إقراره لم يهدأ الجدل حول تعديلات القانون بين رواد مواقع التواصل الإجتماعي وأعضاء البرلمان والأوساط السياسية، كثيرون اعتبروا تعديلات القانون كارثية وخطرا يهدد الأمن القومي للبلاد، ويفتح بابا لتغلغل التطرف والإرهاب، وهناك تخوفات أخرى من أن تستغل لزيادة تحكم رعايا دول الخليج بمصر، أو فتح باب التجنيس لعناصر مسلحة، لكن مؤيدين يرون  أن الأمر لا يختلف كثيرا عن تشريعات مماثلة في مختلف دول العالم، متجاهلين أن مصر لها أعداء كثيرون في العديد من الدول، فضلا عن قيامها بمكافحة الإرهاب التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء، والذي تثير نجاحاته حفيظة بعض دول الإقليمية.

وحسب التعديلات الجديدة على قانون الجنسية، فإن الأجنبي الذي يحصل على إقامة في مصر بوديعة لا تقل عن سبعة ملايين جنيه لخمس سنوات متتالية له الحق في طلب الجنسية المصرية في نهاية المدة، وتمنح له بقرار من وزير الداخلية في حال توافرت فيه الشروط ولم يوضح القرار اهم الشروط التي يجب توافرها للمتقدم للحصول علي الجنسية .

برلمانيون معارضون

النائب هيثم الحريري قال في رسالة لرئيس المجلس نشرها عبر "تويتر" إن "الحكومة جعلت من الجنسية المصرية سلعة تباع وتشترى مقابل جنيهات، أتمسك بهذه الكلمة لأنها تعبير عن فشل الحكومة الحالية في تحقيق مطالب الشعب الرئيسية"،
 مشيرا إلى أنه تقدم بطلب تسجيل رفضه للقانون في مضبطة المجلس.

وأضاف الحريري في تصريح خاص لـ"المشهد" ان هذا القانون كارثي يهدد الامن القومي للبلاد ويضع مصر في خطر حقيقي يهدد المستقبل السياسي للبلاد، ويذهب بنا الي نفق مظلم ملئ بالعناصر المتطرفة والإرهاب، ويتيح نشر ثقافة الكراهية في المجتمع، وتساءل الحريري كيف لبلد حاربت الإخوان وتعاني اليوم من أثار حربها ضدهم، أن تقوم بطرح هذا القانون دون ضوابط وشروط؟.

بدورها عبرت  النائبة نادية هنري عن استيائها واعتراضها على تعديلات القانون متسائلة عن سبب إصدار مثل هذا القانون في بلد يكتظ بالسكان.

وأوضحت في رسالة نشرتها علي حسابها الرسمي "فيس بوك" إن "البلاد التي تسمح بتجنيس الأجانب هي بلاد تعاني من نقص في السكان وتحتاج إلى الأيدي العاملة"، مشيرة إلى أن مصر "تعاني من أزمة سكانية بالأساس وتعاني نقص الخدمات.. فلماذا القانون وما الهدف منه؟".

وقالت إن "مصر لم تكن تحتاج هذا القانون خاصة وأنها تحصل على رسوم بالدولار (الأمريكي) عند تجديد الإقامة للأجانب، كما أن سبعة ملايين جنيه مصري هو مبلغ ضئيل جدا "بالنظر إلى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار".

وأضافت أنها طالبت بأن تكون الوديعة سبعة ملايين دولار ولمدة عشر سنوات، لكن طلبها قوبل بالرفض.

ضرب عرض الحائط بالدستور

يقول الفقيه الدستوري صلاح فوزي إن موافقة مجلس النواب على مشروع قانون الحكومة الخاص بمنح الجنسية المصرية لغير المصريين مقابل وديعة في البنوك، يعتبر انتهاكا واضحا للدستور ولديباجته. 

وأوضح فوزي، أن ما يحدث يعد انتهاكا للهوية المصرية المنصوص عليها فى المواد 47، و48، و49، 50 فى الدستور، مطالبًا أعضاء مجلس النواب بعدم استغلال المادة 59 التى تلزم الدولة بتوفير الأمن والأمان لمواطنيها ولكل المقيمين على أراضيها، لأن المشرع يقصد توفير حق العبادة وغيرها، ولم يقصد إعطاء الجنسية له.

وأضاف الفقيه الدستوري ان البرلمان المصري بقيادة الدكتور عبد العال اعتاد علي اختراق مواد الدستور، ويضرب بها عرض الحائط من خلال تشريع قوانين تنتهكه".

كما رفض محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية،  هذا القانون ، معتبرا التعديلات "فكرة غير مقبولة"، لأن الجنسية لا يتم شراؤها بالمال، وستترتب على ذلك عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية خطيرة. 

وقال السادات، إنه مهما كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية حرجة، فذلك لا يعنى أن يتم منح الجنسية مقابل المال، وإذا كنا نريد أن نمنحها فقط للمستثمرين تشجيعا لمناخ الاستثمار فى مصر، فلا بد من شروط دقيقة ومدروسة أو حق إقامة طويل تجنبا لحدوث أي عقبات أو أزمات قد تواجهنا مستقبلا، مشيرًا إلى أن هناك سبلا ووسائل مختلفة يمكن بها أن نحقق العائد الذى سيعود علينا من منح الجنسية للأجانب.

 وتابع"يجب الحذر وإدراك مخاطر وصول ممنوحي الجنسية المصرية إلى مناصب ووظائف حيوية بالدولة كالبرلمان ومؤسسات الدولة الأخرى إلى جانب مقتضيات الأمن القومي التي يجب وضعها في الاعتبار قبل الظروف الاقتصادية"، متسائلًا: من سيأتى لطلب الجنسية؟ وهل المواطن الأمريكي أو الفرنسي يحتاج للجنسية؟ وأكمل: "من يحتاج للجنسية هم فقط من يريدون النيل من مصر وشعبها وهم كثيرون والدولة تعي ذلك".

إسرائيليات يحملن الجنسية

خالد العطفي، رئيس حزب الأمة، قال إن مشروع القانون الخاص بمنح الجنسية المصرية للأجانب مقابل وديعة، أصبح الحكم فيه منتهيا بعد موافقة البرلمان عليه، وبالرغم من أنه أحدث زخمًا كبيرًا في كافة الأوساط السياسية، إلا أنه ذو بعد اقتصادي، لجذب المستشمرين، خصوصا أنها أصبحت مكتظة بالمشروعات القومية. 

ويضيف: هناك تخوفات من بعض النخب بأن تصبح الجنسية المصرية مستباحة لأي شخص يعبر حدودنا، لاسيما أن هناك بعض الجنسيات مزعجة ومعادية لبلادنا، فالقطري أصبح يمثل خطرا علي الأمن القومي ومازالت إسرائيل العدو التقليدي، لكن هناك مصريين في كفر الشيخ وغيرها من المناطق، يسعون للجنسية الإسرائيلية، متابعًا أن هناك إسرائيليات يحملن الجنسية المصرية.

أما عضو جبهة الضمير، السفير إبراهيم يسري، فيرى أن الجنسية "أصبحت لعبة في يد الساسة، ينزعونها عمن يشاؤون، ويمنحونها لمن يشاؤون"، لافتاً إلى أن رأس المال جبان، "فمن سيستثمر في بلد تحت حكم شمولي مثل مصر، إلا إذا كان هارباً يسرق المزيد ويهرب مجدداً؟".

حسن نافعة استاذ العلوم السياسية أبدى تخوفه الشديد من منح الجنسية المصرية للأجانب قائلاً " الدولة لديها عجز شامل في موازنتها، يجعلها تلجأ إلى كل الطرق للحصول على الأموال، وهذا المشروع يأتي ضمن ذاك السياق"، مضيفاً أن طرح الجنسية المصرية للأجانب "موضوع شائك، وله دلالات كثيرة، خاصة أن هناك تخوفات من لجوء مشبوهين، فهذا القانون يمنحهم وجوداً شرعياً يمكّنهم من التغلغل في أوصال الدولة"،متسائلاً " هل لجأ النظام المصري إلى حل كهذا بحثاً عن مخرج من أزمة هو من صنعها؟ أم الأمر برمته يدخل في سياق إعادة صياغة مصر ديموغرافياً بعدما قطعت الحكومة شوطاً مخيفاً في تغيير هويتها، وسياستها الخارجية، ونظرتها التاريخية لمن هو صديق ومن هو عدو؟"

وأبدي السياسي ممدوح حمزة استغرابه من هذا القانون قائلاً " هل هذا المشروع بوابة خلفية لتسهيل عمليات غسل الأموال؛ "فأغلب اللصوص والفسدة في العالم يلجأون للحصول على جنسيات دول أخرى - وخاصة دول العالم الثالث - للقيام بعمليات تبييض الأموال بشكل شرعي"، لافتاً إلى أن الدول الأخرى تمنح جنسيات بشروط؛ منها عدم الترشح للمناصب الهامة، أو المجالس النيابية".

وأكمل حمزة في منشور له علي حسابه الرسمي "فيس بوك" الآن فهمت لماذا العاصمة الجديدة رغم رفض المتخصصين، ولماذا طريق النفق النقب بإسرائيل بتمويل سعودي، لخدمة المصريين الجدد المتجنسين بأموالهم".

لن يؤثر علي الأمن القومي

فى حين قال اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، إن القانون يتماشى مع المصالح المصرية وليس به أي عوار يؤثر على الأمن القومي بل داعم له في الشق الاقتصادي، مشيرًا إلى أن الهدف من مشروع القانون إرساء نظام جديد لإقامة الأجانب في مصر، خاصة مع زيادة ظاهرة طلب الأجانب للحصول على الإقامة بجمهورية مصر العربية في ظل المتغيرات الدولية التي تشهدها المنطقة. وأوضح عامر أن إيداع وديعة نقدية بالعملة الأجنبية ليس غاية في حد ذاته، إنما مجرد تنظيم لإجراءات النظام المستحدث للإقامة بوديعة، مشيراً إلى أن إيداع وديعة نقدية بالعملة الأجنبية في البنوك المصرية استثمار غير مباشر، ويشجع الاستثمار العربي والأجنبي للدخول في المشروعات الاقتصادية بمصر، لافتًا إلى أن هناك فارقا بين الإقامة بوديعة والجنسية مقابل الاستثمار.

 وأشار إلى أنه بموجب القانون الجديد فإننا نأخذ بنظام الإقامة بوديعة، لأن الحصول على الجنسية مقابل الاستثمار يهدف للحصول على الجنسية بناء على شراء أصول معينة أو دفع مبالغ محددة في بعض المجالات التي تحددها الدولة وتعمل بها بعض الدول الأخرى، في حين أن الإقامة بوديعة تعني أن يطلب أحد الأجانب من الدول الشقيقة أو الصديقة الإقامة في مصر ويهدف إلى الاستثمار، ومن حقه بعد 5 سنوات من الإقامة طلب الحصول على الجنسية. 

وأكد عامر أن منح الجنسية حال طلبها من الأجنبي المقيم في مصر بوديعة لمدة 5 سنوات ليست حتمية، إنما جوازية، حيث يتم منح الجنسية لهذا الأجنبي إذا انطبقت عليه شروط الجنسية ووافقت الأجهزة المختلفة على منحه إياها، لافتًا إلى أن الوديعة مبلغ من المال بالعملة الأجنبية يودع بوديعة مجمدة دون فوائد بالعملة الأجنبية.
 ومن جانبها، أكدت ماجدة نصر، عضو مجلس النواب، أن مشروع القانون يهدف إلى جلب المزيد من العملات الصعبة والاستثمارات للدولة، كما أنه يتم وفقًا لضوابط محددة وليس بشكل عشوائي، مشيرة إلي أن قانون منح الجنسية المصرية للأجانب، ليس مجرد استثمار للدولة، فمثلًا؛ يوجد أجنبي لديه عمل بمصر ويستثمر لسنوات طويلة، لا داعي أن نجعله يعاني من مشاكل وإجراءات تجديد الإقامة سنويا، حيث من الممكن السماح بإعطائه الجنسية المصرية لفترات معينة وفقًا لشروط، متابعة أنه يعد نوع من التمييز لبعض المستثمرين في مصر، وهذا الأمر يحدث في كثير من دول العالم.
 -------------

تحقيق: طانيوس تمري 

------------------------------------------

تناقض في الآراء واعتبار "تسليع الجنسية" خطرا
قال النائب ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل ان تعديلات قانون منح الجنسية لها عدة مخاطر وتمثل تهديدا للامن القومي، في ضوء سعي قوي خارجية لإسقاط الدولة المصرية، فمصر كانت دائما مغلقة على أبنائها

وأضاف الشهابي أن هدف الحكومة جمع المال بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن هذا ليس حلاً، ومن الممكن أن ترفع – بدلا من ذلك - رسوم الاقامة لآلاف الدولارات مثل أي دولة من الدول الاجنبية

وتساءل رئيس حزب الجيل: كيف اضمن ولاء المتجنس عندما يلتحق بالجيش مع أبناء المصريين. وعقب قائلا أن القانون لن يعيش طويلاً، لانه متعارض مع الدستور، فلابد من أن ترفض الأجهزه الامنية أي طلبات من المقيمين في مصر مثل الفلسطينيين أو أي جنسيات أخري

من جانبه قال النائب عن دائرة حلوان إسماعيل نصر الدين بأنه ليس معترضا علي منح الجنسية بعد أن نتأكد من أن المتجنس له استثمارات في مصر وانه محب للبلد وللشعب المصري، وإذا انطبقت عليه الشروط المحددة مثل اي دولة اخري فلا مانع.

على العكس من ذلك أكد الخبير الدستوري عصام الاسلامبولي أن تعديلات القانون حولت الجنسية إلى سلعة أصبحت تباع وتشتري، فالحصول علي الجنسية  مقابل مبلغ مالي يعد كارثة، وهذه التعديلات جريمة خطيرة ضد مبدأ المواطنة والمساواة.

وعقب الدكتور حسام عيسي الوزير السابق قائلا: أن الجنسية لايتصور أن تكون سلعة تباع وتشترى، فالمواطنة رابطة أخلاقية وسياسية وإنسانية تربط الانسان بالوطن وهذا جزء من عملية الانتماء الي المحيط الإنساني والثقافي والحضاري والتاريخي للأمة، فكيف تكون محلا لمنحها لشخص يدفع 7 مليون جنيه، ليصبح مصريا، هذا كلام غير معقول ولا مقبول ولا يمكن تسليع الانتماء الي الوطن.
--------------

كتبت- امال عبدالله