- هل أراد النظام شراء صمت القادة أم إبعادهم عن السياسة؟
معصوم مرزوق: لايجوز دستوريا تحصين أحد وأبطال أكتوبر هم الأولى
حسن نافعة: لا أحد يعلم لماذا أصدر الرئيس القانون الآن .. وما الدوافع؟
هيثم الحريري: 24 ساعة فقط فصلت بين وصول القانون للنواب وإقراره من حيث المبدأ
أحمد العوضي: لا مخاوف لدى قادة الجيش.. ومن حق الرئيس توسيعه ليشمل الشرطة.
أثارت موافقة مجلس النواب السريعة على قانون تحصين كبار قادة القوات المسلحة في الفترة ما بين (3 يوليو 2013 حتي يونيو 2014) ومعاملتهم ماديا معاملة الوزراء جدلا عميقا داخل الأوساط السياسية وبين الفقهاه الدستوريين.
تضمن القانون، الذي تم الإعلان عنه بشكل مفاجئ، الثلاثاء الماضي، وأقر نائيا اليوم الاثنين (16-7-2018) ست مواد، وضعت خطوطا عامة وربما فضفاضة. بموجب المادة اﻷولى، يحدد رئيس الجمهورية قائمة بأسماء كبار ضباط القوات المسلحة المخاطبين به ويتم استدعاؤهم لخدمة القوات المسلحة طوال حياتهم.
تمنح مادة أخرى رئيس الجمهورية حق تحديد الامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء الضباط، إلى جانب احتفاظهم بأي مزايا تمنحها لهم قوانين أخرى، ما يعني أنهم يتمتعون بامتيازات عسكرية ومدنية، بغض النظر عن قيمتها، ويعامل هؤلاء القادة المعاملة المقررة للوزير، ويحصلون على المزايا والحقوق المقررة له، وإن لم يشغلوا هذا المنصب.
وقالت المادة الخامسة، يتم منح هؤلاء الضباط حصانة من الملاحقة القضائية على أيّ فعل ارتكبوه في أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلاّ بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال المدة بين تعطيل العمل بالدستور المصري ابتداء من 3 يوليو 2013، حتى تاريخ انعقاد مجلس النواب.
ينطوي القانون على أوجه تشابه مع التشريع الذي صدر في نوفمبر عام 2011، عندما كان المجلس العسكري على رأس السلطة، بعد رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك، وجعل أعضاء المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة قيد الاستدعاء بعد بلوغهم سن المعاش.
كانت هذه هي الثغرة التي جرى استخدامها لمنع الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري، من الترشح في انتخابات الرئاسة الماضية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لأنه رجل عسكري وقيد الاستدعاء ولا يجوز له إعلان الترشح أو العمل السياسي قبل الحصول على موافقة المجلس العسكري.
معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية الأسبق وأحد الضباط المشاركين في حرب اكتوبر قال: "هذا القرار يخالف الدستور ولو تم الطعن عليه سوف يتم إلغاؤه، وتكون سقطة في جبين النظام، فهناك عدة دول كانت تحت حكم نظام عسكري وقامت بتحصين قانوني لمن كان لهم الفضل في نجاح النظام خلال فترة زمنية معينة، فضلا عن مميزات مالية ودبلوماسية مشابهة، ولكن تلك الأنظمة سقطت، وظلت الشعوب".
وتابع مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مواد الدستور تشدد على المساواة بين اطياف الشعب المصري، فلا يوجد عبد وسيد ولا وزير وفقير، فالكل سواء تحت طائلة القانون فلا يجوز تحصين أفراد بعينهم.
ويصف معصوم القانون بأنه: "تعسفي مرره السيسي من أجل تكريم زملائه العسكريين الذين ساهموا في نجاحه بالوصول إلى السلطة، وهذا يشبه ما قام به محمد مرسي الرئيس المعزول بإعلانه الدستوري عندما قام بتحصين نفسه"
وأكمل قائلا: "أي خروج عن المساواة بين أطياف الشعب المصري وإحداث تمييز واضح وصريح بين أفراد الشعب علي حسب درجاتهم هو غير دستوري. فأبطال حرب أكتوبر وكبار قادتها الذين حملوا سلاحاً في وجه الأعداء لم ينالوا مثل هذا التكريم أو التحصين ، وكانوا هم الأولي".
شراء الصمت
بدوره أكد الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن هذا القانون يخالف الدستور ولا يمت له بصلة، فتحصين افراد بعينهم من المساءلة القانونية عن أي فعل غير قانوني ارتكبوه أمر غير مسبوق. فمثله لم يصدر في أي عصر من العصور، حتي في عصر وصول الإخوان للحكم، فهو يمثل تمييزا بين قادة الجيش وبعضهم البعض، فضلاً عن التمييز الواضح بين الجيش والشعب ويحدث فجوة كبيرة ويفسد العلاقة التي بنيت علي تلاحم الطرفين" .
وتابع أستاذ العلوم السياسية: "لا أحد يعلم لماذا أصدر السيسي هذا القانون الآن، هل لكي يبتعد رفاقه في ثورة 30 يونيو عن العمل السياسي أو دائرة صناعة القرار، ام لكي يصمتوا عن خبايا وكواليس ما حدث في 30 يونيو؟ وحده السيسي يستطيع الإجابة عن هذا السؤال".
وأوضح نافعة أن مجلس النواب ما هو إلا مجلس تم انتقاؤه من قبل الأجهزة الأمنية بعناية شديدة حتي يكونوا موالين للنظام ويقومون بتمرير قوانين تعسفية ،وهو ليس مجلس الشعب بل مجلس للنظام" حسب قوله.
قانون خلال 24 ساعة!
يروي هيثم الحريري عضو مجلس النواب الوقت الذي استغرقه تمرير القانون بقوله:"مجلس النواب تسلم القانون من مجلس الوزراء، الاثنين، وتم تشكيل لجنة مشتركة ضمت أعضاء لجان الأمن القومي والشؤون التشريعية والخطة والموازنة والعلاقات الخارجية، وعقد اجتماع مغلق، ثم جلسة عامة، وطُرح الأمر على مجلس النواب للتصديق على القانون، الثلاثاء، أي خلال 24 ساعة”.
وأضاف الحريري أن تقرير اللجنة المشتركة قدم القانون لأعضاء البرلمان في الجلسة العامة، على أن الهدف منه تكريم بعض كبار قادة القوات المسلحة الذين قدموا تضحيات جليلة للوطن خلال فترة عصيبة، ومن غير المعقول أن تبخل عليهم الدولة بالتأمين الذي يستحقونه، وخلال دقائق معدودة تم التصديق على القانون بأغلبية برلمانية كاسحة.
ولم يحدد القانون آلية اختيار قادة الجيش الذين سيتمتعون بهذه الامتيازات، وترك المهمة للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليقرر أسماء هؤلاء، دون أن يشاركه أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وأختتم الحريري ان هذا القانون غير دستوري ويضع حاجزاً بين الجيش والشعب بل يعطي امتيازات لأفراد بعينهم وتحصينهم من اي مساءلة قانونية.
تعزيز مكانة السيسي
صلاح فوزي الفقيه الدستوري يؤكد أن منح سلطة اختيار من يحق لهم التمتع بالامتيازات والحصانة القضائية والدبلوماسية لرئيس الجمهورية، يعزز مكانة السيسي في الجيش، وربما يرتبط ذلك بحاجة السيسي إلى الشعور بالمزيد من الثقة في تأكيد تماسك الجيش حوله، وسط تصاعد الغليان الشعبي جراء حالة الغلاء المرتبطة بتمسك الحكومة بتطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي وما تمخض عنها من رفع للدعم عن السلع والخدمات، ما يجعل فرص التعبير عن الغضب في الشارع غير مستبعدة.
ويري الفقيه الدستوري إمكانية حدوث تنافس بين قادة القوات المسلحة لنيل رضا الرئيس، وقد يصل الأمر حد الولاء للقائد الأعلى أكثر من أيّ شيء آخر. لكن تبدو فكرة التنافس غير ملموسة في القوات المسلحة المصرية، لأن هناك معايير صارمة يجري اتباعها عند تصعيد قادة الجيوش، كما أن تاريخ العسكرية المصرية لا يعرف الصراعات الظاهرة.
تحصين يوحي بالتورط
عدد من المعارضين للقانون علي رأسهم النائب السابق محمد انور السادات يرون أن القانون يحمل بين ثناياه "خروجا آمنا من السلطة، مهما بلغت درجة الخطأ الذي وقعوا فيه".
وذهب آخرون إلى "أن القانون يوحي بأن فئة من هؤلاء الضباط تورطت في ارتكاب أخطاء تستوجب المساءلة وأرادت تحصين نفسها ضد أيّ عقاب مستقبلي"
لكن اللواء أحمد العوضي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، يؤكد أن كبار قادة الجيش ليس لديهم خوف مما قدموه في ثورة 30 يونيو والفترة التي أعقبتها، لأنهم يدركون تماما أن ذلك واجب وطني لا غبار عليه.
وأكد العوضي أن “القانون يخص فئة بعينها ممن شاركوا في قيادة الجيش خلال الفترة الماضية، ومن هم موجودين حاليا أيضا”، مشيرا إلى أنه من حق الرئيس توسيع دائرة تطبيق القانون على قادة الشرطة، مكافأة لهم على دورهم المساند للجيش والشعب”.