قبل حوالي اربع سنوات وخلال استضافة تليفزيونية التقيت بطبيب معروف وهو يتولي منصبا مهما في وزارة الصحة، وخلال حديث جانبي بين البرامج دار بيننا حوار تطرق إلى تكاليف العلاج، وهموم المرضى المصريين، ومعاناة الفقراء وغير القادرين في ظل حالة غير مسبوقة من الغلاء، وتطرق حديثنا لدور الجمعيات والمشروعات الخيرية ومشروعات المجتمع المدني في العلاج، وتطرقت إلى مستشفى 57357.
هنا وقف الطبيب وتغيرت أساريره، وفاجأني بأن "الشو الإعلامي" هو الغالب على حالة 57357، وتحدث طويلا عن المستشفى وطريقة عمله، وما يتعلق ببنود الإنفاق، وأين تذهب التبرعات، ومن المستفيد منها، وطرح أرقاماً مهمة حول هذا المستشفى.
وقلت له لماذ لا تثير هذا إعلاميا، وتكشف الحقائق، أو حتى يتم فتح حوار رسمي بحكم منصبك في وزارة الصحة، أو مع وزير الصحة على الأقل، وكان رده أن هذا ليس بالأمر السهل، فالوزارة ليست لها سلطة على المستشفى، بل يخضع لقانون الجمعيات "وزارة التضامن"، كما هناك أسبابا أخرى يصعب معها فتح هذا الملف، منها خشية أن يضر اثارة الملف على المرضى الذين يعالجون في 57357، بغض النظر عن عددهم، كما من بين الأسباب وجود مصالح متشابكة وراء "المشروع الخيري"، - مجازا- حسب تعبيره.
وما استوقفني في حديث الطبيب المسؤول، أن 57357 لا يستقبل الحالات المرضية بالسرطان، والتي بدأت العلاج في أي مركز أو مستشفى قبل اللجوء إليه، والشرط الأساسي للعلاج ، أن يبدأ المريض علاجه من اللحظة الأولى مع المستشفى، فسألته لماذا، فقال، إن الهدف من وجهة نظر القائمين عليه، هو ضمان زيادة نسب الشفاء، وبالتالي ضمان حجم تبرعات أكبر، بخلاف أن ذلك نوع من الترويج الإعلاني لمخاطبة ود المتبرعين، وليس هنا أي أهمية لمصالح المرضى، حتى لو كان عدم علاجهم، نهاية الحياة.
وحدثني الطبيب عن أرقام، أزعجتني، حول عدد المرضى الذين يتم علاجهم في 57357، مقابل من يعالجون في مستشفى الأورام التابع لوزارة الصحة، والميزانية في كلا المستشفيين، ففي الأول عدد لا يصل إلى الأف، والثاني عشرات الألاف، بينما الأرقام مخيفة حول حجم الإنفاق بين الأول والثاني.
ونحن في طريقنا للعودة بعد أن تحدثنا في برنامجين تلفزيونيين مختلفين، قلت له .. نسيت أن أقول لك، أنا من بين المتبرعين لهذا المستشفى ومن سنوات، وجزء من زكاة مالي وصدقاتي أوجهها إلى 57357، فرد علىّ رداً فاجأني أيضا، .. "استمر في التبرع، فلا يعيني حديثي وقف التبرعات ، بل ضبط الإنفاق، وتفعيل الرقابة الغائبة على التبرعات وتوجيه انفاقها،.. وقضية التبرع لك القرار فيها".
ظل حديث الطبيب يلاحقني كلما جاء توقيت زكاة المال، أو أي صدقات، وعند متابعة الحملات الإعلانية، وللأمانة لم أتوقف عن التبرعات لـ57357، على أساس تحميل المسؤولية على من يدير المستشفى واموال المتبرعين، وأدرك جيدا أن من منافذ الزكاة "العاملين عليها"، ولكن يبقى تحديد نسبتهم تقع على من يتلقون التبرعات، ولكن ربما تأثر حجم التبرع ليذهب لجهات أخرى.
أقول هذه الواقعة الآن، بمناسبة الحملات الإعلامية على الأخطاء بإدارة 57357، والتي بدأها الزميل الكاتب الصحفي اسامة داود، على صفحات "فيتو"، والتي كشف فيها عن العديد من الخبايا والأسرار، وما كتبه الكاتب وحيد حامد على صفحات "المصري اليوم"، وما ورد في مقالاته من أسرار خطيرة حول المستتشفى.
أثق جدا فيما كتبه "وحيد وداود"، من واقع ما أعرفه عن مصداقيتهما، وما سمعته من الطبيب الذي روى لي تفاصيل كثيرة، وأثق أيضا فيما قاله لي، والثلاثة، يقيني أنهم حريصون على هذه الوطن، وتبرعات المواطنين، ومرضى السرطان.
وأنطلق من هذا وأقول "أنا محمود الحضري- أحد المتبرعين لمستشفى 57357، بأنه من حقي، كما هو حق غيري، أن نعرف بشافية عالية، ما يحدث في هذا المستشفى، وغيره من الجهات التي نتبرع لها، ومن حقنا أن نعرف كيف يتم انفاق تلك الأموال، وأن تكون هناك لجنة محايدة، بتمثيل من المتبرعين، لتصل إلى الحقيقة."
ولا يعنيني هنا المعركة الدائرة بين المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والنائب العام، حول قضية حظر أو منع النشر في قضية هذا المستشفى، لأنها خلاف حول الإختصاصات، ولا تمت بصلة لصلب القضية المتعلقة بنفقات 57357، وأموال ملايين المتبرعين.
----------
بقلم: محمود الحضري