08 - 05 - 2025

لماذا لاتزرع مصر قمحها وقطنها؟

لماذا لاتزرع مصر قمحها وقطنها؟

يذهب أغلب الفلاسفة وعلماء علم الاجتماع، أنّ المجتمعات الإنسانية قد تستغنى عن الأطباء والمهندسين والمفكرين والمبدعين، ولكنها لاتستطيع الاستغناء الفلاحين. وكان التبرير هو: أنّ الإنسان ـ فى أى مجتمع ـ لايستطيع البقاء حيـًـا بدون تناول الطعام.. وهذا الطعام لاتــُـنبته الأرض من تلقاء نفسها.. كما هوالحال فى بعض الأعشاب والحشائش التى لاتصلح لمعدة الإنسان. أما النباتات الصالحة للإنسان فهى لاتأتى إلاّ بعد تمهيد الأرض للزراعة..وهذا هو العمل الذى لايستطيع القيام به إلاّ شريحة وحيدة من شرائح المجتمع: الفلاحون. 

وذكر كثيرون من علماء الاقتصاد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والهند والصين واليابان.. فيما يتعلق بالمسألة الزراعية.. تــُـقـدّم الدعم المالى للمُـزارعين، وأنّ هذا الدعم لايـُـقـدّم اعتباطــًـا أومن أجل سواد عيون الفلاحين {خاصة فى أنظمة رأسمالية تسعى لتحقيق أعلى نسبة ربح} وإنما فلسفة الدعم تأسّـستْ على أساس أنّ الاهتمام بتحسين ظروف العمل الزراعى، يؤدى إلى الوفرة فى انتاج المزيد من المحاصيل الزراعية..وهذه المحاصيل تؤدى بدورها إلى تحسين {الميزان التجارى} من خلال تزايد معدلات الصادرات، وبالتالى فإنّ تنمية الاقتصاد الزراعى سيصب فى مصلحة {الاقتصاد القومى}  

هذا باختصار موقف الأنظمة الوطنية الحريصة على التنمية الاقتصادية، وفق معايير علم الاقتصاد فى العصر الحديث..ومع ملاحظة أنّ هذه الأنظمة بقدر اهتمامها ودعمها للمزارعين فى بلادها، بقدر حرصها على منع غيرها من الدول التابعة للرأسمالية العالمية وتدورفى فلكها ـ وفق تعبير سمير أمين ـ من أى تنمية اقتصادية، والسبب أنه لو أنّ الأنطمة التابعة للرأسمالية العالمية اعتمدتْ على نفسها فى انتاج ما تحتاجه من محاصيل زراعية، فماذا تفعل بالفائض من محصولاتها؟ خاصة وأنها ـ كما حدث كثيرًا ـ لجأتْ إلى القاء الفائض فى المحيطات خوفــًـا من انخفاض السعر، وفى هذا الشأن قال جاك هوفر{أحد صناع السياسة الزراعية الأمريكية} "نحن لانــُـوزّع الغذاء على الدول الأخرى على أساس مدى الاحتياج.. وإنما على أساس الاعتبارات التى تمليها السياسة الخارجية الأمريكية" (عريان نصيف فى كتابه: لا للتبعية والتطبيع فى الزراعةـ دارالثقافة الجديدة عام2001ص16)

وذكر أنه تـمّ فتح الباب على مصراعيه لاستيراد القطن الأمريكى، بما أدى ـ فى موسم واحد ـ عام 1993 إلى خسارة مصر حوالىْ 2 مليارجنيه. فالسعر الذى تم به تصدير القطن المصرى المُـتميز كان 90 سنتا للرطل، بينما سعر القطن الأمريكى المُـستورد والأقل جودة كان 105 سنتات للرطل.. وفى عام 1996 وافق المسئولون المصريون على استلام شحنات القمح الأمريكى المصابة بالفطر والتى رفضتها جميع الدول المُستوردة للقمح الأمريكى..وفى عام 1993 كانت مصر الدولة الثانية فى العالم المُـستوردة للقمح.. وبعد هذا التاريخ أصبحتْ مصرالدولة الأولى فى العالم المُـستوردة للقمح (المصدرمجلس القمح الأمريكى ومجلس القمح الدولى) وكان تعليق عريان نصيف أنّ ذلك كان بفضل سياسة التبعية للأمريكان (من51ـ54) 

وفى كتاب آخر ذكر نصيف أنه فى المؤتمر المصرى الأمريكى الذى عقد فى القاهرة فى 26ـ 28 مارس 1995 أشاد يوسف والى وزير الزراعة بالدور المتميز الذى قامت به (المعونة الأمريكية) وأشار إلى أنّ هذا الدور(الخيـّـر) للمعونة الأمريكية ابتدأ مع 23 يوليو 1952من خلال (برنامح النقطة الرابعة) وذكرأنّ هيئة التنمية الأمريكية تعتبر أنّ التوسع فى مساحات زراعة القمح اخلال وانحراف بسياسة الإصلاح الاقتصادى.. وأنّ مدير العمليات الزراعية بالبنك الدولى أوصى فى 21 أكتوبر 1994 بتخفيض المساحات المزروعة بالقصب قى مصر(عريان نصيف فى كتابه: مأساة الفلاح فى زمن الانفتاح ـ كتاب الأهالى ـ مارس2001ص100) 

والمُـتأمل لحال الزراعة المصرية سيكتشف تدهورها منذ يوليو1952بعد بناء المصانع على أجود الأراضى الزراعية.. والمشروعات الوهمية {مديرية التحريرـ نموذجـًـا} ومشكلات الفلاحين مع الجمعيات الزراعية الحكومية..وتجريف التربة الزراعية بالبناء عليها..وهى الظاهرة التى بدأها نواب مجلس الشعب..إلخ. 

 ونظرًا لخطورة الوضع وتفاقمه سنة بعد إخرى، اشتركتْ أكبر صحيفة حكومية مع الصحف الخاصة فى انتقاد المسئولين عن تردى الزراعة..ومن أمثلة ذلك التحقيق الصحفى الذى شغل صفحة كاملة بعنوان (الترشيد يـُـحوّل مصر من تصديرالأرز إلى استيراده) والعنوان الثانى (قرارتخفيض المساحات المزروعة يمنع الفلاح من توريده ويـُـهـدّد غذاءه طوال العام) ومن العناوين الفرعية: المزارعون يُطالبون بإعادة النظر والخبراء يحذرون من التبوير والاحتكار والمستفيد هو المستورد (أهرام16مايو2018 ص18) 

وبالرغم من حالة الانبطاح العام أمام مغريات السلطة..فإنّ مصر لازال بها كثيرون من الشرفاء..حيث نقل الصحفى أيمن المهدى تصريح نقيب الفلاحين المصريين حسين عبدالرحمن الذى اعتبر أنّ اتجاه الحكومة المصرية لاستيراد الأرز بعدما كانت تــُـصـدّره نكسة (الأدق كارثة) خاصة وأنه ذكر فى بيان أصدره: إنّ الأمر خطير جدًا حيث أنّ حيتان الاستيراد يُحرّكون مركب الحكومة نحو الغرق، وأنه توجد بدائل كثيرة عن الاستيراد (لمزيد من التفاصيل: أهرام5يوليو2018ـ ص10) 

وهكذا قذفتْ الحكومة المصرية المواطن (المصرى) لحيتان مافيا (عصابة) الاستيراد، تلك العصابة التى مـدّتْ أذرعتها الأخطبوطية السامة لكافة الأنشطة التى تمس حياة المواطنين: من الأدوية ومواد البناء..إلخ وكانت الكارثة الكبرى أنْ شمل الاستيراد المحاصيل الزراعية فى دولة علــّـم شعبها العالم كله تقنيات الزراعة. 

***

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟