08 - 05 - 2025

خسر الانتخابات ففاز بنوبل

خسر الانتخابات ففاز بنوبل

وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الثانى من سبتمبر 1945 وقد تغير المشهد الدولى تماماً، سلمت فرنسا وبريطانيا عباءة الدولتين العظمتين إلى أمريكا والاتحاد السوفيتى ليبدئا، بدورهما، حقبة من الصراع الصامت فيما بينهما عُرفت بالحرب الباردة. سوت القنبلتان النوويتان مدينتى هيروشيما وناجازاكى بالأرض وأجبرتا اليابان على الاستسلام. شُطرت ألمانيا إلى قسمين شرقى وغربى وقُسمت كوريا إلى شمال وجنوب. حل الدمار بأوروبا. مُحيت مدن بأكملها. ملايين القتلى والمفقودين والجرحى بخلاف مئات الآلاف من المعاقين. بعد ذلك، بنحو عشر سنوات، انحسر الاستعمار الفرنسى والإنجليزى، شيئاً فشيئاً، عن مستعمراتهما الممتدة في كافة الاتجاهات.

خلال الحرب ورغم الخسائر الفادحة، لم يبد طرف من الأطراف المتصارعة الرغبة في وقف الدمار. تحت راية تفوق العِرق الآرى، عما دونه من أصول، بدأ هتلر الحرب ظناً منه أنه يطهر البشرية فتبعه آخرون، دفعوا بدولهم في آتون الحروب دونما اعتبار لملايين اليتامى والأرامل والمشوهين. تحركت كرة النار تأكل كل ما يقابلها. ضربت اليابان الاسطول الأمريكى في ميناء بيرل هاربور بجزر هاواى، فأعلنت أمريكا الحرب عليها وعلى ألمانيا. استغل العسكريون العقيدة اليابانية التى ترفع الإمبراطور، هيروهيتو، إلى مستوى مقدس في ازكاء روح القتال عند جنودهم وحثهم على الدخول في حروب مستمرة والاستعداد للتضحية بالنفس، الكاميكازى، آآ فاضطر لإعلان الاستسلام حقناً للدماء وللمحافظة على بقايا شعبه.

بانتهاء الحرب، راحت الدول تلعق جراحها في صمت. تُعيد البناء. من السهل إعادة تشييد البنى التحتية، طرق، كبارى، شبكات مياه، خطوط اتصالات. من الصعب إعادة بناء الإنسان. شحذ همته من جديد. أن ينسى كوابيس الحرب. ان ينام مطمئناً وأنه لن يغادر سريره فجأة إلى مخبأ تحت الأرض ريثما تنتهى الغارة الجوية. أن ما سيعيد بناؤه لن تدمره نزوات حكام أعماهم حب الذات. تحدى بناء الإنسان هو دائماً التحدى الأكبر على مدار التاريخ.

القدرة على معاودة الوقوف مرة أخرى بعد الانكسار هو ماميز الدول عن بعضها البعض. قامت اليابان، وألمانيا، وفرنسا، وانجلترا، وغيرهم من الدول. تناسوا ماض حاربوا فيه بعضهم البعض. توحدت ألمانيا ثانية. وعلى خلاف فكر هتلر تأسس الاتحاد الأوربى بالوحدة الاقتصادية وليس العسكرية المبنية على سامية العرق الآرى.

انكفأت اليابان على ذاتها. أيقنت ان خسارتها للحرب سببها التقدم العلمى في أمريكا وليس القدرة على تطوير أداء طياريها الانتحاريين. كَسَر العلم تابوه الساموراى الرافض للاستسلام. هُزمت اليابان في فصول المدرسة قبل هزيمتها في ساحة الحرب. على الجانب الاقتصادى، قدم بنك اليابان غطاءً مالياً للبنوك المحلية خصصتها بدورها لمساندة التحالفات الوطنية في مجالات الصناعة والتكنولوجيا.

على الجانب الآخر، استفادت ألمانيا من التقدم الصناعى المذهل للعتاد العسكرى ابان الحرب العالمية في تطوير قطاع الصناعة والتكنولوجيا والاتجاه للتصدير بشكل واسع. واعطت انجلترا المنتصرة، صوتها في يوليو 1945 إلى كليمنت آتلى، رئيس حزب العمال، ومنافس قائدها المنتصر، ونستون تشرشل، في إشارة إلى ضرورة التحول للبناء والتطوير والخروج من نفق اقتصاد الحرب. عجزت براعة تشرشل أثناء الحرب أن تمنحه عباءة السلطة في مرحلة البناء. بعد التقاعد، لم ينس رئيس الوزراء بداياته كصحفى ومراسل حربى فعاد للكتابة التاريخية وأصدر ستة مجلدات عن الحرب العالمية الثانية استحق بها جائزة نوبل للآداب عام 1953. من الطبيعى ان تقع، من غير الطبيعى ألا تعاود القيام وتنطلق. ما ينطبق على الأفراد يسرى على الدول.

-----------------

[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

نوتردام.. تولد من جديد