بجلباب أبيض وفى مشهد ذكرنا بأنور السادات الذى كان يرتدى ما يناسب الظرف والمكان . دخل المحروس بعين الله السيد علاء مبارك الى مسجد الحسين لأداء صلاة الفجر . فإذا بالحضور يستقبلونه بحفاوة بالغة كما لو كان العارف بالله سيدنا الخضر . سلامات وتحيات وقبلات وهتافات . بينما هو فى حالة ثبات لا يقدر عليها إلا من تمرس وعركته التجربة . الحقيقة انه مشهد يدعو للتأمل والتساؤل . هل هذا الاستقبال الحافل للسيد علاء مبارك من الحاضرين جاء تعبيرا عن حالة حنين إلى الماضى، أم أنه كان تعبيرا عن رفضهم للحاضر؟. أغلب الظن أنه كان الثانية . أى أن الحفاوة التى استقبل بها علاء مبارك كانت نوعا من التعبير عن رفض الحاضر وليس حنينا الى الماضى .
رغم المحاولات الدؤوبة التى قام بها السيسى فى مناسبات سابقة ليبدو قريبا وملتحما بالشعب خاصة من قطاع الشباب، إلا أن أحدا لم يصدق أن السيسى قد صار قريبا بالفعل، فتظل هناك شعور بالمسافة والهوة التى تفصل بينه وبين من حوله، خاصة أن من حوله لم يكونوا من أفراد الشعب العاديين بل كانوا طلابا فى الكليات العسكرية تم انتقاؤهم بعناية ليركبوا الدراجات من حوله وارتدوا مثله الترنجات أو الملابس الرياضية ولم يفلح ادعاء البساطة أو الاستغراق فى رفع التكليف ومحاولات التظاهر بالعادية والتلقائية فى إزالة الفوارق بين السيسى والشباب من حوله، خاصة وأن المشاركين كانوا قد تعرضوا قبلها لتحريات أمنية واختبارات شخصية جعلتهم يرهبون المشهد بشعورهم بأنه مفروض عليهم، ذلك أن المشهد برمته كان مقحما عليهم وسط حالة من الانضباط الشديد والالتزام المفروض.
أما فى حالة علاء مبارك ودخوله المسجد فقد جاء بتلقائية ودون إعداد مسبق، فكانت العفوية والتلقائية عنوانه الرئيسي، خاصة وأن علاء – وليس شقيقه جمال – قد اعتاد على مثل هذه المشاهد حين كان لا يزال والده ينعم بالسلطة، وينعم هو بالتالى إلى جانبه بالشهرة والنفوذ. وقد شاهدته أنا شخصيا فى استاد الإسماعيلية وسط حضور الضيوف بالمقصورة يشاهد بعض مباريات الاسماعيلى الذى قيل إنه الفريق المفضل لديه، وقد جلست بالقرب منه بل وتبادلنا التحية (وما فى القلب فى القلب).
فالحقيقة أن علاء مبارك يحظى بقبول حسن لدى الكثيرين فى الشارع المصرى على عكس شقيقة جمال الذى كان يحاول طوال الوقت أن يبدو فى صورة الرئيس أو مسؤول الدولة الذى يتمتع بالهيبة والوقار حتى لو كانت الهيبة مصطنعة والوقار ظاهرى، أما علاء فقد كان يحاول أن ينفى عن نفسه هذه الصورة الرسمية مقتربا أكثر من صورة شعبية أرادها لنفسه، فتجده يجرى مداخلة مع أحد المذيعين بالفضائيات حول موضوع هام، أو يشارك فى إحدى الدورات الرمضانية لكرة القدم، أو فى جنازة أحد أصدقائه أو قريب له.
من المؤكد إذن أن الحفاوة التى استقبل الحضور بها علاء مبارك فى مسجد الحسين فجرا، كانت رفضا للحاضر وليس حنينا الى الماضي، فالناس طال شوقها لرؤية أحد المسؤولين الكبار وهو يقف بينهم فى مشهد تلقائى بسيط، وليس بالادعاء والتظاهر المصطنع بطريقة مكشوفة وممجوجة، وسط تأكيدات إعلامية بأن الزيارة جاءت مفاجئة، بينما هى فى الواقع كانت معدة من قبل وجرى الاستعداد لها قبل موعدها بأيام.
كما أن حضور علاء فى هذا التوقيت الذى يشهد فيه المواطن موجة من الغلاء الفاحش وتطارده الاجراءات التعسفية من الحكومة، كان مناسبة لإظهار الشكاوى من سوء الحال وبث اللوعة والأسى من ضيق الحال، بل لعلها كانت مناسبة لكى يلقى الحضور بمسئولية ما وقع لهم على عاتق والده نتيجة تقصيره وسوء عمله.
هى إذن تعبير عن رفض لحاضر يصعب احتماله .. وليس حنينا لماض يصعب رجوعه!
-------------
من مقالات العدد الأسبوعي الصادر الثلاثاء (12 -6- 2018)