06 - 06 - 2025

د. زينب إبراهيم صاحبة "ضلع أعوج": نضج المتلقي يخرج نصوصي من الدائرة الشخصية

د. زينب إبراهيم صاحبة

المرأة المبدعة أثبتت وجودها في المشهد الخليجي رغم المعوقات

"أمانتين أورو لوسيل دوين" الاسم الحقيقي للكاتبة الفرنسية التي تسَّمت بـ "جورج صاند" هرباً من تقاليد عقيمة وأفكار ظلامية لمجتمع كان يعتقد أن الإبداع جين ذكوري بامتياز في وقت كان يتساءل: "هل المرأة إنسان؟"؛المعاناة التي عانتها الأديبة والمبدعة العربية ليست ببعيدةعن تلك الصورة؛ مما اضطر بعضهن للتستر خلف أسماء أو كُنية مستعارة؛ كي يبقين على قيد الإبداع، وأخريات رفعن شعار الهجرة لأوروبا أوأمريكا تاركات وطنهن لاعنات ملعونات.
 في زيارتي لبيروت قابلت بعضهن؛ ولمستُ بنفسي إصرارهن.. اليوم "المشهد" تحاور الكاتبة والروائية والقاصة السعودية د.زينب إبراهيم الخضيري؛ وكان العروج إلى هذا الأمر مُحتَّما وضرورياً، خاصة وهي أستاذ
 بجامعة الملك سعود؛ ومتخصصة في الإدارة والتربية، ومع ذلك دخلت مجال الإبداع مبكراً، فأصدرتْ ثماني روايات ونصوص أدبية، وتكتب المقال في جريدة الرياض تحت عنوان: "ضلع أعوج"، وهي مستشار وعضو في العديد من الأندية والهيئات الثقافية في بلادها.

*بداية لماذا تتربع الرواية دوماً على عرش القلوب والجوائز رغم أن العرب بالأساس أمة شِعر وخطابة، أم أن الرواية صارت ديوان العرب الجديد؟

- لكل فن أدبي جمهوره ومريدوه، وإن تحدثنا بصفة عالمية فسنجد الرواية قد تربعت لأنها تهتم بأدق التفاصيل، ولأنها نص ثقافي مدهش، فمن خلال فنياته وجمالياته نستطيع استيضاح الفكرة التي تأسست من أجلها، وهو عبارة عن كبسولة تختزل للقارئ حياة متعددة لبشر وشخصيات مختلفة في فترة زمنية محددة يتخللها قضايا وإشكالات تخص الماضي والحاضر؛ وقد تستشرف المستقبل لذلك المجتمع الذي تدور أحداثها فيه، ولها القدرة على وصف المشهد الإنساني والتعبير عن المكان والاحساس بالزمن، ولأن الرواية على حد تعبير "بول ريكور": "كينونة زمنية يسجل من خلالها الكاتب زمنه النفسي في الزمن الكوني"، لأن المستقبل في الرواية هو زمن الانتظار والاحتمال وعالم الغيبيات التي تقلق الانسان، لذلك ستظل الرواية محتفظة ببريقها ولن تتراجع.

* ماذا عن وضع الأديبة والمبدعة في دول الخليج، وهل اختلف عن ذي قبل؟

المرأة حاضرة في المشهد الثقافي الخليجي ولم تغب عنه رغم الظروف والمعوقات التي كانت تواجهها في السابق، والآن نشهد حراكاً ثقافياً جميلاً، وقد أثبتت حضورها وعطاءها الثقافي، وبرعت في مجالات الأدب المختلفة سواءً أكان في الشعر أموالرواية أو القصة القصيرة وغيرها.

* كيف تتخلص المرأة الأديبة من آفة الخلط بين إبداعها وحياتها الشخصية، بمعنى أن البعض كلما قرأ لامرأة وقرَ في ذهنة أنها تبوح بأسرارها؛ مما يجعلها دائمة الرقابة على قلمها؟

- كل كاتب يترك جزءاً منه في كتاباته، ولا أستطيع أن أمنع المتلقي من أفكاره ومعتقداته، وهذا الموضوع لا يقلقني لأن نضج المتلقي هو الذي ينصف نصوصي ويخرج بها من دائرتي الشخصية الى عالم أرحب، والثقافة بالمقام الأول وعي، والوعي كفيل بأن يجعل المتلقي يفرق بين الأدب كفن قائم بحد ذاته بكامل عناصره ومتطلباته وبين الحياة الشخصية للمبدع، وإلا لكان وعيه الثقافي متدنياً، وأمثال هذا المتلقي قلة.

* كلمينا عن إبداعاتك وأقرب رواية لقلبك.

-عندما كنت مراهقة كان يأكلني ملح الشغف وحب القراءة والكتابة، فكنت أعتقد – ومازلت - أنني كاتبة بالفطرة،فقد تعرفت على الكتابة مبكرًا جدًا، ولا يكاد يمر يوم دون ممارسة طقوسي في الكتابة، فالكتابة الجادة ابنة العزلة، وقد أصدرت عدة مؤلفات منها: "حكاية بنت اسمها ثرثرة " و"خاصرة الضوء" و"رجل لا شرقي ولا غربي" و"هاشتاغ" ورواية "هياء" وهي أقرب الأعمال إلى قلبي، نتاج عمل استغرق ثلاث سنوات، والأصداء في المشهد الثقافي أو على مستوى القراء جاء محفزاً وإيجابياً جداً، وهنالك أعمال أخرى أشتغل عليها حالياً سترى النور قريباً بإذن الله.

* لماذا ارتبط بكِ اسم باندورا؟ وما الذي تودين توصيله للمتلقي من خلال كتاباتك؟

- أنا أعشق الميثولوجيا والفلسفة وأكتب عنها، وباندورا امرأة منحت كل شيء وفقاً للأسطورة الإغريقية القديمة، فقد تزوجت من إبيميثوز، وقد أعطى زيوس باندورا صندوقاً وأمرها ألا تفتحه ولكنها فعلت؛ فهلَّت عليها الشرور، وهنا أريد أن أقدم للقارئ صورة المراة الإنسان التي تحاول قضم شرنقة صورة المرأة الضعيفة إلى التحليق في فضاء كينونتها.

* المشهد السعودي شهد مؤخراً تغيرات مُزلزلة في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي؛ فما أثر ذلك على الحركة الأدبية والمثقفين بصفة عامة؟

- ما يشهده بلدي مِن حراك ثقافي اجتماعي اقتصادي شيء يدعو للتفاؤل والإيجابية، الجميع يأمل خيراً بالتغيرات التي يقودها ولي العهد الأمير الشاب الطموح محمد بن سلمان وفق الرؤية الوطنية 2030، والأمور العظيمة تبدأ بالأحلام، ونحن في السعودية بدأنا فورًا بالعمل والحراك مثمر وعظيم سواء على مستوى هيئة الثقافة والإعلام أو على مستوى المثقفين أو حتى المبادارت الشبابية، فالجميع متفاعل مع هذا الجو المفعم بالإيجابية، "أنا لدي حلم" كانت أشهر كلمات قيلت في القرن العشرين لـ "مارتن لوثر كينغ" عند النصب التذكاري لـ "ابراهام لنكولن"، وكانت أشهر خطبة قيلت في تاريخ أمريكا لدعم الحريات، وبالفعل تحقق ذلك الحلم، والأمير محمد بن سلمان منذ أول يوم قال بكل وضوح: "أنا لدي رؤية"، وعلى الفور بدأ العمل لتحقيق الإنجاز الكبير، ونحن جميعاً نعمل تحت إدارته لتحقيق رؤيتنا العظيمة وحلمنا، وستكون كلمته تلك أعظم ما قيل في تاريخنا الحديث.

* ما الدور المطلوب من المثقفين، وماذا يطلب المثقفون من الدولة؟

- ما تقوم به المؤسسات الثقافية كوزارة الإعلام أو هيئة الثقافة وغيرهما جهد مشكور، والثقافة جهد مشترك بين الجهات المسؤولة وبين القطاع الخاص وبين المثقفين والمهتمين، فكل البشر مثقفون على حد تعبير "أنطونيو غرامشي"، حيث مطلوب من المثقفين أن يكونوا إيجابيين في التفكير والمواقف، ونشر التفاؤل والإنتاج بدلاً من التباكي على الماضي واجترار التاريخ، مثل الأمانة في الطرح، ومحاولة التجرد من الأهواء الشخصية، وأن لا ينساق نحو القضايا المفتعلة، وأن يطرح قضايا تَهم المجتمع والشأن العام، وأن يُحدث تغييراً في عقلية المتلقي، فدورُهُ توعوي تنويري تنموي، أما ماذا يريد المثقف من الدولة؛ يريد التقدير والاحتواء والتوجه نحو العمل المؤسسي؛ لأن المؤسسات الثقافية تسهم في تطوير التنمية الوطنية وهي الوجه الحضاري للدولة؛ وهي من تدفع بالمثقف للتطور والتفاعل والعطاء.